فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7920 groupfaz@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد أن أصابني مرض القناعة بما تتكرّم به تلفزاتنا المعروفة. و بعدما ثبت عليّ من الكشوفات و التحاليل، أنّ مرض القناعة ذاك، سببه عسر هضم ما تبثّه شاشاتنا الميمونة من مضمون هزيل، و مقدّمين فطاحل، ولغة صمّاء. ركنتُ إلى دواء الصبر الذي نصحني به أحد أولائك الذين مسّهم القرح مثلي و لم يتعافوا بعدُ...
فاللغة العربيّة في قنواتنا ترزح تحت الاحتلال، مثلها مثل دول العالم الثالث، احتلال التّفكير باللّغة الأجنبيّة ... فأنتَ لا تزال تسمع إلى اليوم و بسبب هذا الاحتلال ، لغة ركيكة ما انفكّوا يقضّون بها راحتنا، إمّا بإعادة أخطاء أضحت مشهورة لكثرة تكرارهم لها... على شاكلة "مبارة" والتي يقصدون بها "مباراة، و "أمطار جزئيّا محليّة" و يقصدون بها "المطر الذي ينزل في أماكن دون أخرى.." ، أو بذاك الشّريط الإخباري المتحرّك الذي ما إن أقرأه حتّى تصيبــــني مدافعـــــــه النّحوية و التّركيبيّة، مثل ذاك الخبر الّذي يُعلمنا بأن "هولاند" و "ساركوزي" سيتنافسان للّدور الثاني "للرآسة" ... نعم" الرّآســـة" و الهمزة كما ترونها على الألف شامخة شموخ العُرب في العجم.
و مذيعة أخرى تُعيد علينا مرارًا أنّ "وحدات الجيش قالت أنها "طعطضر" عن ما حدث مع السّفينة الغارقة ..." و هي تقصد أنّ وحدات الجيش "تعتذر عمّا حدث..." إلاّ أنّ صاحبتنا لا تعلم شيئا عن مخارج الحروف، و لم تلتق بهذا العلم لا في دراستها إن كانت قد درست، و لا في ثقافتها إن كانت مثقّفة. و في شاشة أخرى كتابة تظهر تحت ضيف آخر في برنامج آخر تُعرّفه أنّه "ممثّل الضحاية" و يقصدون أنّه "ممثّل الضّحايا"... فهل بعد هذا النقر بلسم؟
و أنت تُلاحظ مثلي أن جهابذة اللّغة في قنواتنا أولائك، لا يخطئون في اللّغة الفرنسية عند استعمالها... فهي تخرج من شاشاتنا و من أفواههم بيضاء ناصعة تسرُّ النّاظرين، بينما لغة أجدادهم التي اختارها الله لغة للقرآن نسمعها منهم تبعث على الشفقة و كثرة النفقة... فهلاّ نستقدم فرنسيين يعلّموننا لغتنا ؟...
أمّا معشر المقدّمين المحترمين، فهم في جلّهم لا يتوافقون مع وظائفهم. و لعلّهم في هذه أبرياء غير مسؤولين على ذلك... فالأكـــــــــتاف و الواسطة و الو لاءات في العهد البائد، هي السّبب وراء تعيينهم و ترسيمهم و ترقيتهم.... فها أنا أرى مذيعة حادّة الطّبع مع ضيوفها حدّة لا تكاد تخفيها، حدّة ظاهرة إلى كلّ البسطاء مثلي... و ها أنا أرى مقدّما يبعث على النّعاس عند انبلاج صورته، و عن النوم عند نطقه... و آخر ليس له زادٌ معرفي يكفيه لخمس دقائق في برنامجه المترامي الأطراف في الزّمن، فتراه يخبط خبطاً عشواء، لا يكاد يفهم ما يقول، فيظهر تخلّصه من محور إلى محور في برنامجه تخلّصا يبعث على النّرفزة و الشفقة. فيبقى المتتبعون المساكين مثلي يركضون خلفه ركض الوحوش في البرّيّة، يَنشدُون مسك طرف خيط أفكاره... فلا ينجحون. و منهج برنامجه لا يدركون.
و هذه فلتة أخرى من مقدّماتنا يُخيّل لي عند إطلالتها الكريمة، أنّ بها مسّ من غضب أو من شيطان. قد ألمّ بها قبل بداية البرنامج بلحظات. لما أرى في وجهها العبس، و في قسماتها الغضب، و على جبينها النّقم. حتى أنّي أتحوّل عن القناة برمّتها لبرهة ممنّيا نفسي بتحوّل الحال، و زوال المحال. فينفطر قلبي جزعا عند عودتي لها و لبرنامجها، و أراها من التّعسف زادت، و من استبدادها مع ضيفها كرّست، و من ابتسامتها أُعدَمت... و صارت في كرسيّها تصول و تجولُ و تُعربدُ و تقطع ما أمر الله به أن يُوصل.
أمّا مضمون تلك البرامج... فياله من مضمون...
فأنت إذا ما استثنيت المنابر الحوارية السّياسية، الّتي نعلم عشاءها من قفّتها ... حيث يُدعى إليها تسعة و تسعون نعجة و أسد واحد... تأخذ النّعاج في البكاء من الأسد و قوّته، من أوّل البرنامج إلى آخره... و الأسد يُقسم بأغلظ الأيمان أنّه عادل لا يشبه الذئبَ الذي أكل منها الكثير في الأيّام الغابرة قبل تنصيبه ملكا.
و إذا استثنيت النّشرة الجويّة التي يدلّ اسمها على عدم تمكّن واضعه من اللّغة... إذ كيف تكون النّشرة جويّةً؟ و إذا كانت تلك المقدّمة جويّةً فهل لنا أن تكون لنا إذن نشرة أرضيةٍ؟ إنّما يقصد جُهبوذ عصره نشرة الطقس و قد فهمتُ ما به...
و إذا استثنيت البرامج الرّياضيّة التي يُتحفنا المحللّون فيها بأهمّ اكتشاف لهم و هو لغة جديدة غير مسجّلة في الأمم المتحدة بما تحويــــــــــه من مفردات هجـــــــينة وليــــدة زواج غير شــــرعيًّ بين الفرنسيــــّة و الإيطــــــاليّة و العربية و القبايلية و الأمازيغية و الأنقليزية و قليلا من السّومرية... بين كل مفردة و مفردة كلمة "معناها" التي أصبحت أمُجّها منهم.
فإذا أنت استثنيت هذه البرامج و تلك فماذا بقي لك ؟... سوى مسلــــــسلا يُعاد للمرّة الألف ممّا يعدّون. إعادةٌ لم تكن يوماعن شماتة فينا فهي دوما - و الشهادة لله - بطلب من الجمهور... و مسلسلا آخر وقع تسجيل حلقاته قبل قيام اسبــــرطة و أثينا... و برنامج آخر في قناة أخرى يصيح أهله و أهل القناة برمّتهم بأعلى صوت لهم في منابرهم، بأنّهم لم ينتظروا الثورة التي قمنا بها و التي نعلمها جميعا، بل أنجزوا لوحدهم ثورة قبلنا غيّرت التاريخ و الجغرافيا، و التي لولاها لكان العالم تائها في الظلام... و هم على ذلك من الشاهدين.
فمتى سيستقيم المعوجّ؟ و متى يصلح المكسور؟ و متى يرتقي المنحطّ؟ و متى يُصوّب الخطأ؟... أيكون ذلك بالإرادة أو بالمال؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: