د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4396 moustafa.leddawi@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
للمرة الأولى منذ ما قبل العام 1967 تحلق طائراتٌ حربية عربية فوق سماء قطاع غزة، طالما كان يتمنى الفلسطينيون تحليقها في سماء فلسطين كلها، إذ أن تحليقها يعني القوة والتفوق والانتصار، ويعني الجرأة والتحدي وعدم الخوف، فهي لن تحلق في سماء فلسطين إلا إذا كانت منتصرة، وصاحبة السيادة، ومالكة القرار، فلا عدوان يخيفها، ولا مضاداتٍ تمنعها، ولا أجهزة إنذارٍ مبكرٍ تكتشفها، فالأرض والسماء لها، والشجر والحجر والبشر لها، ولا مكان لعدوها في سمائنا، ولا سلطة له ولا قرار على أرضنا.
الفلسطينيون عموماً وفي قطاع غزة تحديداً لا يستغنون عن صوت الطائرات الإسرائيلية، سواء كانت طوافاتٍ وحواماتٍ، أو زنانةً أو أباتشي صائدة المقاومين، فقد اعتادوا على الطائرات الحربية الإسرائيلية، تخترق أجواءهم، وتمزق صمتهم، وتقتل رجالهم، وتستهدف مصالحهم، وتدمر بيوتهم ومعاملهم، حتى باتت هذه الطائرات التي لا تغيب عن سماء الوطن، جزءاً من حياة الناس اليومية، فيكاد الأطفال يميزون أصوات الطائرات وأنواعها، ويعرفون بتحليقها من خلال أصواتها المميزة، قبل أن يروها بأعينهم وهي تحلق فوق رؤوسهم في سماء الوطن، فما اعتاد الفلسطينيون الخوف منها، أو الفرار من أمامها، أو الاضطراب لقدومها، فقد باتت حاضرةً لا تغيب، وطائرةً لا تهبط، وقاصفةً لا تهدأ.
لكن الحال مع الطائرات الحربية المصرية التي حلقت في سماء قطاع غزة مختلف، فهي طائراتٌ عربيةٌ مصريةٌ عزيزةٌ علينا، تخاف علينا، وتحرص على مصالحنا، وهي على استعدادٍ للدفاع عنا، وصد أي إعتداءٍ من أي جهةٍ ضدنا، فلا تظنوا أن الفلسطينيين فزعوا أو خافوا من الطائرات المصرية التي اجتازت أجواء قطاع غزة، أو أنهم أصيبوا بالقلق والإضطراب، خوفاً من غارة، أو تحسباً من قصف، فهذا طيرانٌ صديق، وتحليقٌ ودود، لا يحمل معه إلا الخير، ولا يجلب إلا المزيد من الأخوة والمحبة.
يخطئ المصريون إذا ظنوا أن سكان قطاع غزة مستاءين أو غاضبين لأن الطائرات الحربية المصرية ظللت سماء قطاع غزة، وحامت في أجوائها، وأن القيادة العسكرية المصرية لم تبلغ الحكومة في قطاع غزة بنيتها التحليق في سمائها، وأنها اكتفت بالتنسيق مع السلطات الإسرائيلية، التي تملك السيادة الجوية، ولديها ما يخيف الطائرات المصرية، ويجبرها على التراجع والنكوص والعودة إلى قواعدها، أو أن القيادة المصرية قامت بإبلاغ السلطة الفلسطينية في رام الله، واعلمتها بخطتها، وأخذت موافقتها على ما ستقوم به من إجراءات، باعتبار أنها السلطة الشرعية، وصاحبة الولاية على قطاع غزة.
الفلسطينيون جميعاً في غزة وفي رام الله وحيث هم يقيمون في الوطن أو الشتات، يرحبون بالإجراءات المصرية، ويؤيدون مساعي مصر لتحصين أمنها، وتأمين سلامة بلادها ومواطنيها، وملاحقة المتآمرين على أمنها، والمتطاولين على سيادتها، ذلك أن أمن مصر هو أمن العرب جميعاً، وهو أمن الفلسطينيين على وجه الخصوص، ولعل أهل غزة يدركون أكثر من غيرهم أن أمن مصر هو جزء من مسؤوليتهم، وهو أمانةٌ ملقاةٌ على عاتقهم، وأنه لا يجوز المساس بأمنها، ولا تعريض سلامة وحياة جنودها للخطر، فجنود مصر جنودنا، وقوة مصر هي لنا، وسلامتها من سلامتنا، وما يصيبها ينعكس بالضرر علينا جميعاً قبلها.
أهل غزة ليسوا خائفين من تحليق الطيران الحربي المصري فوق رؤوسهم، لأنهم واثقين من أنفسهم، وعلى يقينٍ من أحوالهم، أنهم لا يفكرون في الإساءة إلى مصر ولا يقدرون، ولا يخططون لإلحاق الضرر بها ولا يستطيعون، ولا يسمحون لأحدٍ بالتخطيط ضدها، أو التآمر على مصالحها، ولا يقبلون أن يجعلوا من قطاعهم مأوىً للمعارضين، ولا معبراً أو ممراً للعابثين، أو مصدراً لسلاحٍ أو عتادٍ يستخدم ضد المصريين، فهذه ثوابتٌ فلسطينية أكيدة، يعرفها الصغير قبل الكبير، والمواطن قبل الحاكم، فلا شئ يضير مصر يبقى في قطاعنا، أو يدبر في مناطقنا، أو يسكت عنه في حال معرفتنا به أو اطلاعنا عليه.
أملنا نحن الفلسطينيين أن يعود الجيش المصري كله، بثكناته وقواعده وقواته البرية والجوية والبحرية، وطائراته ودباباته ومدرعاته إلى صحراء سيناء، وأن يكون في مدينة رفح على مقربةٍ من أهل غزة، فقوة مصر لنا وهي تخيف عدونا، وأمن مصر سلامةً لنا وهو يغيظ عدونا، واستعادة مصر لكامل سيادتها على أرضها الوطنية في شبه جزيرة سيناء يسعدنا ويرضينا، فإن كانت مصر قوية فإننا أقوياء، لا نخشى عدونا ولا نخافه، ولا نسكت على ظلمه ولا نقبل باعتداءاته، ولعل العدو الإسرائيلي أكثر من يدرك أن أهل غزة يشعرون بالفخر والتيه عندما يرون أعلام مصر ترفرف في سماء سيناء، كما يشعرون بمثله من الفخر والتيه عندما تجوب الطائرات الحربية في سماء قطاع غزة.
الفلسطينيون لا يخشون على أنفسهم من مصر، ولا يخافون على أمنهم منها، فمصر لا تستهدف أمن الفلسطينيين، ولا تطمع من خلال طلعاتها الجوية إلى قنص أو اغتيال قياداتٍ فلسطينية، ولا يهمها أن تجمع المعلومات عن حركات المقاومة، وأنشطة الأذرع العسكرية، ولا تسعى للتضيق على السكان أو إخافتهم، وهي أولى بالطلعات الجوية، وأحق بها في سمائنا من عدونا، الذي لا تطلع طائراته إلا لتقصف، ولا تجوب طوافاته إلا لتقنص وتغتال، ولا تتحرك زناناته إلا لترصد وتجمع المعلومات.
مرحى بمصر وطائراتها، وأهلاً بها وبجيشها، وألفُ سلامةٍ لها ولجنودها، فقد حلت أهلاً، ووطئت سهلاً، ففلسطين كلها لها وطن، وأجواؤها لها سماء، وسكانها كلهم لها أهلٌ وولد، حمى الله مصر من كل سوء، وحفظها من كل مكروه، وجعلها لنا ذخراً وجنداً، تذوذ عنا وتنافح عن كرامتنا، تكون لنا عوناً ومعناً شريكاً وسنداً.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: