د. مصطفى يوسف اللداوي - بيروت
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4346 moustafa.leddawi@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ليس هناك ثمة خطأ في العنوان كما قد يتبادر إلى ذهن البعض، الذين يعرفون أن المشكلة هي الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وليس العكس، فالإسرائيليون هم الذين يحتلون الأرض ويغتصبون الحقوق، ويصادرون كل يوم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ويطردون منها ملاكها وسكانها، ويبنون فوقها مستوطناتٍ جديدة، أو يضمونها إلى مستوطناتٍ قديمة لتوسيعها، ويدعون أن لهم الحق في ذلك، فالمستوطنات ضاقت على من فيها فيلزمها التوسيع لتلبية الزيادة الطبيعية في السكان، في حين يجب بناء مستوطناتٍ جديدة لمواجهة التحديات السكانية والاقتصادية، وهو أمرٌ يرونه طبيعياً، وأنه من حقهم، ولا يحق لأحدٍ أن يزاحمهم فيه أو يمنعهم منه.
إنهم الإسرائيليون الصهاينة المحتلون الغاصبون، يريدون قلب الحقائق، وتغيير الواقع، وطمس معالم الجغرافيا، وتحريف التاريخ، وإكراه العالم كله ليصدقهم ويؤمن بروايتهم، ويسلم بخرافاتهم، وهو أمرٌ ليس بالغريب عليهم، أو الجديد فيهم، فهم في التاريخ كذبة، وفي المجتمعات قتلة، وبين الناس أصحاب فتنة، نبذتهم الشعوب، وحاربهم الملوك، وطردهم المواطنون لأنهم مفسدين ومنافقين، وكاذبين ومفترين، ومبتزين ومرابين.
يشيعون في أوساطهم ولدى أجيالهم الناشئة أنهم أصحاب هذه الأرض، فهي وصية الرب لهم، وهي أرضهم الموعودة، وملكهم القديم، باركها الرب لهم، وخصها بهم، وجعلها لهم دون غيرهم، نقيةً من سواهم، يعيش فيها وحدهم، فهم أهلها بعد التيه، وسكانها قبل السبي، ولا شرعية لمن سكن فيها وطردهم، أو عاش فيها وأخرجهم منها، ومن لم يؤمن بهذه العقيدة فهو ليس يهودياً، ولا يحق له الانتساب إليهم، فهم خيار خلق الله، وشعبه المختار، وغيرهم ليسوا إلا خدماً لهم، أو عبيداً خلقوا من أجلهم، أو حميراً ودواباً هيأها الرب لهم ليركبوها، ويجلدوا ظهورها، وتكون في خدمتهم.
ليس غريباً أن يُعَلِّمَ اليهود أبناءهم هذه الخزعبلات، ويحشوا عقولهم بهذه الخرافات، وينشئوهم على مفاهيم خاطئة، ومعاني باطلة، تخالف الحقائق وتتناقض مع التاريخ، وتلغي العقل وتشطب المنطق، وليس غريباً أن يوحوا إليهم أنهم أصحاب هذه الأرض منذ أن صارع يعقوب الرب وصرعه، ولم يتركه إلا بعد أن بارك له ولنسله من بعده أرض فلسطين، وجعلها لهم وحدهم، فكانت فيها ممالكهم، وساد فيها ملوكهم، وعاشت فيها أمتهم، فما كان فيها للفلسطينيين مكانٌ، ولم تكن لهم فيها حقوقٌ وأملاك.
لكن الأمر المستغرب أن يقوم الإسرائيليون بمحاولة إقناع الأمريكيين والأوروبيين وغيرهما من شعوب الأرض، أن الفلسطينيين يزاحمونهم على أرضهم، وأنهم هم الذين يمارسون الاستيطان، ويرتفعون في البنيان، ويبنون المزيد من المساكن، ويتوسعون في الأرض على حساب الإسرائيليين، وأنهم يضيقون على المواطنين الإسرائيليين، ويحرمونهم من حقوقهم في التوسع، ذلك أن أعدادهم تزيد بسبب الهجرة والمواليد، بينما الأرض محدودة لا تزداد، ويزاحمهم فيها وعليها الفلسطينيون، في الوقت الذي يستطيعون فيه العيش في الدول العربية، وهي دولٌ كثيرة وغنية وفيها متسعٌ لسكانها ولغيرهم، فبدل أن يزاحمونا على قطعة الأرض الصغيرة، أو يطالبونا بالرحيل عنها، فإنه ينبغي عليهم أن يرحلوا هم، ويكفوا عن مقاومتنا والاعتداء علينا، وحرماننا من الحق الديني والتاريخي لنا في أرضنا.
استغربت كثيراً عندما قرأت بعض هذه السطور على مواقع إسرائيلية، واستهجنت اللهجة الجادة التي يتحدثون بها، وعتابهم الشديد للدول الأوروبية وغيرها التي لا تتفهم مواقفهم، ولا تقف إلى جانبهم، ولا تساندهم في حقوقهم، وتحول دون تمكينهم من استعادة ملكهم، وتحقيق أحلامهم، مستنكرين عليهم إصغاءهم للفلسطينيين، واستجابتهم إلى شكواهم، وتأييدهم لهم في مطالبهم الداعية لحرمانهم من الاستيطان والتوسع، ويعيبون على دول أوروبا قيامها بفرض عقوباتٍ عليهم بحجة أنهم يتوسعون في الأرض على حساب الفلسطينيين، فيطالبونهم بالتراجع عن مواقفهم، والكف عن الاستجابة للشكاوى الفلسطينية، لأنها شكاوى باطلة، ولا أصل لها، ولا حق لهم فيها، لكن المشكلة الأكبر أن يجد الإسرائيليون آذاناً تصغي إليهم، وتصدق كذبهم، وتؤمن بخرافاتهم، فيكذبوننا كما قالت العرب ويصدقون الحمار.
إنها وقاحةٌ إسرائيلية غريبة، وسلوكٌ شاذٌ منحرف، ومنطقٌ أعوج، وبجاحةٌ لا تصدر إلا عنهم، يغتصبون الأرض ويدعون أنهم أصحابها، ويحتلون البلاد ويقولون أنهم سكانها، ويطردون منها أهلها ويتهمونهم بأنهم وافدين غرباء، ليسوا من أهل الأرض ولا هم من سكانها، ولا يحق لهم العيش فيها، أو الإدعاء بأنها لهم، ولا ينبغي لهم القتال لاستعادتها، أو المقاومة للاحتفاظ بها والعيش فيها، ولكن علينا أن نتوقع في هذا الزمان ما هو أسوأ وأغرب، فنحن في زمنٍ تغيرت فيه الوقائع وتبدلت الحقائق، وأصبح فيه القطُ طاهياً للحم، والحمارُ مستشاراً للرأي، والذئب حارساً للغنم، فهل نسلم لهم بكذبهم، ونخضع لزعمهم، ونستسلم لزيف قوتهم؟ ....
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: