محمد الطرابلسي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8775
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
انطلقت الثورات العربية من تونس و بالتحديد من مدينة سيدي بوزيد في تاريخ 17/12/2011 لتشمل مدن عربية عديدة ( البيضاء و بنغازي بليبيا ، العاصمة المصرية القاهرة ، العاصمة اليمنية صنعاء و العاصمة السورية دمشق... ) و اجتمعت الحشود في الساحات العامة ( ميدان التحرير في العاصمة المصرية و ساحة القصبة التونسية ) مطالبة بالتنمية و التشغيل. و كانت الأوضاع الإقتصادية و السياسية الهشة السبب الرئيسي لهذه الثورات . سقطت بعض الأنظمة و بدأت بعض البلدان مسيرة الإنتقال الديمقراطي بنجاح على غرار مصر و تونس و لكن عملية الإنقاذ الإقتصادي لا تزال متعثرة و من أسباب ذلك:
- غياب المصالحة الوطنية و إنعدام الحوار الإيجابي و إنتشار الثقافة الإقصائية و هشاشة الأوضاع الأمنية.
- تداخل بعض المفاهيم لدى السياسيين ( الخلط بين مفهومي النمو و التنمية).
- غياب إستراتيجية واضحة تشرك الجميع ( الأحزاب و المجتمع المدني و السكان) في صياغة منوال للتنمية الذاتية.
و سنحاول عبر هذا المقال الخوض في بعض إشكاليات التنمية في البلدان العربية بعد هذه الثورات المباركة على غرار إشكالية الخلط بين مفهومي النمو و التنمية لدى السياسيين، و إشكالية رسم التوجهات العامة للتنمية مرورا بإشكالية العلاقة بين التعليم و التنمية وصولا إلى إشكالية التنمية المحلية ...
1. إشكالية الخلط بين مفهومي النمو و التنمية:
تستعمل الحكومات العربية التي أفرزتها صناديق الإقتراع مؤشر النمو الإقتصادي كدليل على تحسن الأوضاع الإقتصادية في بلد معين : ففي تونس مثلا نستمع يوميا في وسائل الإعلام لأعضاء الحكومة و هم يتحدثون عن تحسن النمو الإقتصادي الذي بلغ في الآونة الأخيرة قرابة 3 % لطمأنة الرأي العام بأن قطار التنمية على السكة الصحيحة ، و لكن هل النمو الإقتصادي يعني التنمية ؟
هنالك تصورات خطيرة لمفهومي النمو و التنمية مفادها الخلط بين كليهما، و هذا الخلط من شأنه أن يشوش أفكار المهتمين بواقع التنمية في المنطقة العربية و آفاقها المستقبلية : لقد أجمع خبراء الإقتصاد بأن هنالك إمكانية لتحقيق نمو سريع في متوسط الدخل الفردي لكن في المقابل نلاحظ تباطؤ في عملية التنمية أو فشلها ، و يوضح الخبير الإقتصادي يوسف صايغ في مقال له بعنوان « التنمية العربية و مثلث الحرج » و الصادر في كتاب « التنمية العربية الواقع الراهن و المستقبل » عن مركز دراسات الوحدة العربية ، قائلا : « قد يتحقق نمو الدخل بفضل تحسن مستوى الأسعار العالمية بالنسبة لسلعة معينة أو سلع ما ، ينتجها و يصدرها البلد المعني ، أو بفضل إزدياد النشاط الإقتصادي عامة و لكن من ضمن دورة الحياة الإقتصادية القائمة. عندئذ يشكل إرتفاع متوسط الدخل الفردي ظاهرة مظللة تخلق إطمئنانا لا أساس له و تشوه صورة الإنجاز الإقتصادي الحقيقية . إذ يختلط الأمر على الكثيرين فيعتقدون أن الظاهرة السطحية تشكل تطورا نوعيا عميقا في حالة الإقتصاد و المجتمع و قدراته ». فماهو الفرق بين النمو و التنمية ؟
إن مفهوم التنمية مفهوما معقدا ، إذ تتعدد أبعاده ( الإقتصادية ، الإجتماعية ، البيئية و السياسية •••) و تعني التنمية بالنسبة للجغرافيين الزيادة في تدفق السلع و الخدمات بنسق أسرع من الزيادة الديمغرافية كما يرون أن التنمية تعني الرقي و الزيادة في الموارد الطبيعية و المالية و الدخول في طور الحضارة المتقدمة . فالتنمية تعني بشكل واضح قدرة الدولة على الإستجابة للحاجيات الأساسية للسكان من تغذية و لباس و سكن و صحة و شغل و تعليم إلى جانب المحافظة على الحريات العامة للشعوب. أما النمو فهو وليد صدفة أو ظروف عابرة تسمح بالتغيير الإيجابي في حجم الصادرات أو تحسن الدخل الفردي... و من بين هذه الظروف العابرة تحسن الأوضاع المناخية في بلد معين المصحوبة بموسم أمطار من شأنه أن يزيد في حجم الإنتاج الزراعي و الصادرات الفلاحية، كما يمكن أن يحل موسم جفاف فيتراجع الإنتاج الفلاحي و تتراجع الصادرات الفلاحية و بالتالي تتراجع المداخيل المتأتية من هذا النشاط . كما أن الوضع الأمني يمكن أن يحقق نموا إيجابيا أو سلبيا ، في حالة الفوضى و الإنفلات يكون النمو سلبي و في حالة الإستقرار يكون إيجابيا وهو عامل تصنعه الصدفة في البلدان العربية .
كما تطرح إشكالية الخلط بين النمو الإقتصادي و التنمية الإقتصادية وجه آخر من أوجه الخلل في تقييم الواقع يبرز من خلال المقاربات المجالية التي تطرح مشكل إختلال التوازن الجهوي أو الإقليمي : إن عدم التكافؤ في توزيع الأنشطة الإقتصادية بين الجهات الجغرافية أو الأقاليم ( بين الأرياف و المدن ، بين العاصمة و بقية المدن و بين الأقاليم الساحلية و الداخلية ) . ففي تونس مثلا لا يعكس تحسن النمو الإقتصادي و نسقه المتصاعد منذ بداية الثورة تقلص في الفوارق الإجتماعية بين الفئات أو تقلص في الفوارق بين الجهات الجغرافية. فمنذ الثمانينات من القرن الماضي تراجعت مظاهر الإختلال بين الشمال و الوسط و الجنوب ، تحت تأثير عدة عوامل من بينها دور التجربة الليبرالية التي أدت إلى إنفتاح البلاد و ربط إقتصادها بالخارج مما دعم مكانة السواحل التونسية مقارنة بالجهات الداخلية فاستأثرت السواحل التونسية بنصيب الأسد من التجهيزات الأساسية ، كتجهيزات النقل مثل الموانئ و المطارات و الطرقات السيارة و السكك الحديدية ، و احتكرت هذه السواحل أكثر من 90 % من المصانع و التجهيزات السياحية و يتركز بها أكثر من ثلثي السكان . و نظرا لتراجع دور الدولة و عولمة الإقتصاد التي أدت إلى الإنفتاح الإقتصادي و تشجيع الإستثمار الأجنبي و إتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي أصبحت السواحل مجالا مركزيا تدعمت وظائفه الإقتصادية و القيادية و تحولت العاصمة إلى مجال يستقطب كامل التراب الوطني . و المثال التونسي يتشابه مع بقية البلدان العربية في ظل غياب تجارب تنموية ذاتية و إرتباط الإقتصادات العربية بالغرب و تبعيتها له .
فالتحسن الذي شهده النمو الإقتصادي في مصر بعد الثورة لا يعني بالضرورة أن هنالك توجه نحو تحقيق التوازن بين المدن و الأرياف من ناحية وبين الشريط الممتد على ضفاف النيل و داخل البلاد من ناحية أخرى . فمصر تبقى كما قال المؤرخ هيرودوت « هبة النيل » ، فالتركز الحاصل على ضفاف النيل و الذي يحتوي على 95 % من نسبة الأنشطة و السكان يصعب تحويله إلى المجالات الشرقية و الغربية بالرغم من محاولات توجيه التنمية نحو سواحل البحر الأحمر . فالإختلال واضح و تزايد نسبة النمو الإقتصادي لا تعني بالضرورة تحسن في التوزيع الجغرافي للأنشطة و السكان في ظل غياب برامج و مخططات مستقبلية.
2 – إشكالية غياب تجارب تنموية ذاتية :
تسعى الحكومات العربية بعد الثورات إلى الإقتراض من الخارج لمعالجة بعض المشاكل الإجتماعية و الإقتصادية ضنا منها أن هذه القروض تمثل حلا من الحلول لمجابهة تحديات التشغيل و تغطية بعض العراقيل في قطاعات السياحة و التجارة و الصناعة. و هذا خطأ فادح ارتكبته هذه الحكومات ، فيمكن أن تكون هذه القروض حل ظرفي و لكنها ستساهم في تمديد الأزمة و تعميقها باعتبارها تمثل عائقا للبناء الذاتي للإقتصاد و تكرس التبعية المطلقة للغرب ، و هذه التبعية ستنعكس لاحقا على المسار الديمقراطي في هذه البلدان .
فالتنمية لا بد من تأسيسها على الموارد الذاتية للبلدان العربية ( الطبيعية و البشرية) ، و لا بد من الإعتماد على النفس، و الدول العربية غنية بالموارد الطبيعية كالنفط و الغاز الطبيعي و الماء و الفسفاط إلى جانب ووجود كوادر قادرة على الإستغلال و التسيير . و الإعتماد على النفس لا يعني الإنغلاق و الإستغناء على الخارج و لكن يعني إقامة علاقات شراكة مع الخارج و التعامل معه كحريف دون أن نكون تابعين له وهو ما يسميه علماء الإقتصاد « التبادل الإنتقائي » .
إن من مصلحة الغرب اليوم إستمرار الأوضاع الراهنة ، فماهي الأطراف الغربية المستفيدة من ذلك ؟ إن الوضع الراهن في البلدان العربية يخدم مصلحة الحكومات في الدول الغربية بإعتبار أنها تسعى إلى إغراق العرب في الديون حتى تكون هذه الديون سلاحا بأيديهم للتحكم في المسار الديمقراطي و الضغط على التوجهات السياسية لهذه الدول . كما يخدم مصلحة الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات، فالوضع الحالي يمكن هذه الشركات من الحصول على كل الفوائض التي تحققها القروض و التنمية الذاتية تقلص من هذا الفائض و تحد منها. و لا يمكن أن نجد نموذج وحيد للتنمية الذاتية يمكن إسقاطه على أي بلد، بل يمكن لكل بلد أن يخلق نموذجا تنمويا خاصا به يتماشى و قدراته الذاتية و موارده المتاحة.
3 – إشكالية العلاقة بين التعليم و التنمية :
لا يمكن لحكومات ما بعد الثورات العربية أن تحقق التنمية دون إصلاح جذري للتعليم بمختلف مراحله، و يجب أن تسود قناعة بأن التعليم حاجة أساسية للبشر، و حجر الزاوية لكل عملية تخطيط للتنمية.
فالتعليم يلعب دورا أساسيا في تكوين الموارد البشرية لتحقيق تنمية فعلية ترقى إلى مستوى شباب الثورات. و غني عن البيان أن عملية النهوض بالتعليم لا تعني فقط محو الأمية و بناء المدارس و المعاهد الثانوية و الجامعات و ضمان الحق في التعلم مدى الحياة و إنتاج أعداد هائلة من الخريجين دون توفير مواطن شغل لهؤلاء.
إن تنمية القدرات الذهنية للمتعلم و إكسابه مهارات الإنتاج و الإبداع حتى يتمكن من إقتلاع موقع يليق به في المجتمع يتطلب إصلاح جذري لمنظومة التعليم ، إصلاح يقوم على إلغاء كل التجارب السابقة و إستبدالها بتجربة تعليمية تمكن من تحقيق التوازن بين العرض و الطلب أي بين ما تنتجه مؤسسات التعليم من موارد بشرية و سوق الشغل، دون البحث عن الإحصائيات التي تستغل للترويج للنظام السياسي. و هذه العملية لم تبدأ بعد ، فكل الشباب اليوم هو ضحية تجارب تعليمية فاشلة زجت بهم في الشارع و هذه التجارب للأسف مستمرة بعد الثورات .
المثال التونسي : بالنسبة للمثال التونسي تعتبر عملية إصلاح منظومة التعليم بمختلف مراحله (الإبتدائي ، الثانوي و العالي ) عملية غير عسيرة بالشكل الذي تتصوره الحكومة الحالية ( حكومة المؤتمر و النهضة و التكتل)، فيكفيهم العودة إلى التاريخ بداية من الإستقلال إلى الآن لتقييم كل التجارب التعليمية التي مرت بها البلاد و إختيار أنجحها و أنجعها: و في إعتقادي من أهم التجارب التي شهدتها البلاد التجربة البورقيبية ، فالرئيس بورقيبة رحمه الله كان رئيسا مستبدا بأتم معنى الكلمة، و هذا الأمر لا يختلف فيه إثنان و لكن في المقابل أنتج تجربة تعليمية كانت الأفضل على الإطلاق في المنطقة العربية إن لم يكن في العالم. فيكفي اليوم العودة إلى الأرشيف البورقيبي لإصلاح التعليم . فتذكروا إخواني نسب النجاح في الباكالوريا و نسب النجاح في الجامعات و عدد الخريجين زمن بورقيبة . إن الفرق بين بورقيبة و بن علي ، يكمن في كون بورقيبة رجل متعلم كان همه إنتاج نوعية جيدة من المتعلمين و بن علي كان جاهلا بأتم معنى الكلمة همه إنتاج أعداد هائلة من الخرجين، لأنه يستغل هذه الأعداد الهائلة لتلميع صورة تونس في الخارج، و شتان بين من يبحث عن النوع و بين من يبحث عن الكم. و الوضع الذي نعيشه اليوم هو خلاصة ما أنتجه بن علي طيلة فترة حكمه. لقد قام بن علي بتمييع التعليم و هذا الأمر اعكس مباشرة على التنمية الإقتصادية و الإجتماعية.
4 - إشكالية التنمية المحلية :
تحتل قضية التنمية المحلية موقعا مهما في الدراسات الجغرافية و الإجتماعية ، و بدأ التفكير في هذه المسألة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ( 1945) ، و احتكرت التيارات الفكرية الرأسمالية و الإشتراكية عملية التفكير في هذه الإشكالية و برزت على السطح عدة أسماء نذكر منها على سبيل المثال : هنري لوفيفر و رجاء الجارودي و إرنست ماندل و شارل بتلهايم... و كان للفكر الكينزي دور هام في الربع الأخير من القرن العشرين في إدماج البعدين المحلي و الإقليمي في عملية التنمية. و هذا الفكر الكينزي يندرج في إطار الرأسمالية التي تقوم على إقتصاد السوق و دور الشركات المتعددة الجنسيات . لكن كيف ظهر مفهوم التنمية المحلية ؟
لقد اهتم الجغرافيون منذ القديم بدراسة « المكان » و اعتبروه المجال الطبيعي لممارسة الأنشطة الإقتصادية، و المكان في إعتقادي مساحة ممتدة قابلة للتقسيم بإرادة صانع القرار السياسي. و تندرج دراسة المكان لدى الجغرافيين في إطار ما يسمى بنظرية « التوطن ». و منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي برز مفهوم « التنمية الإقليمية »، و برز المكان كمجال متجانس قابل للتجزئة. و بمقتضى هذا المفهوم الجديد للتنمية الإقليمية أصبح المكان « كائنا إيجابيا »، وهو ما يتعارض مع المفهوم القديم للمكان في نظرية التوطن وهو مفهوم سلبي باعتبار أن المكان هنا يلعب دورا سلبيا يقتصر على تلقي برامج و خطط الدولة.
و في الستينات من القرن العشرين بدأت تظهر ملامح مفهوم جديد للمكان إنه مجال ملئ بالتفاعلات الذاتية و غني بإمكاناته و شبكة العلاقات ، فهو محورا لكل السياسات التنموية ، و من هنا بدأ مفهوم التنمية الإقليمية الذي ظهر في الخمسينات يتبلور أكثر.
في السبعينات و الثمانينات برز مفهوم التنمية كعملية تفاعلية تتم في مجال معين هو المجال المحلي، و تزامن هذا المفهوم مع بداية ظهور « أقطاب النمو » لفرنسوا بيرو. هذه النظرية تعتبر أن التنمية لا تتحقق في جميع المجالات و إنما هي عملية إنتقائية و تراكمية تغذي نفسها ذاتيا و هنا يبرز دور السياسة لتجعل من المجال « قطب نمو » . فالتنمية حسب بيرو تتحقق في نقاط معينة تكون محورا لتركز الأنشطة و هذه النقاط تخضع لمنطق التفاعل المحلي و يديرها عامل القرب الجغرافي. و أتاحت نظرية « أقطاب النمو » الفرصة للجغرافيين و رجال الإقتصاد و علماء الإجتماع للتفكير في مفهوم « التراب المحلي » الذي يجمع البعد الإقتصادي بإعتباره منظومة تتيح الإستفادة من إقتصاديات الحجم و بعد تنظيمي يسمح بتنمية الروابط الإجتماعية داخل التراب المحلي بين مختلف الفاعلين الإجتماعيين ( المجالس المحلية، المنظمات غير الحكومية ، المجتمع المدني، السكان...).
و يشير الأستاذ الحبيب دلالة في كتابه « وجوه الإشكال في جغرافية التنمية » بأن فكرة التنمية المحلية انطلقت من فكرة تؤكد أن التوجه التنموي التعصيري الإنتاجوي أهمل الوسط الفلاحي و المعارف المحلية التقليدية التي اكتسبتها المجتمعات الريفية التقليدية على مدى قرون. لذا أصبحت هذه المعارف محل دراسة و مصدر إستلهام بالنسبة إلى العمل التنموي بإعتبارها قابلة للتطوير ذلك لأن المجتمعات التقليدية ليست في الحقيقة جامدة بل تتطور بإستمرار وهي قابلة للتكيف مع الوضعيات الجديدة التي تشهدها. و يجوز في هذا الإطار إعادة الإعتبار لطرق العلاج في ميدان الصحة و إستغلال الموارد الغابية و المائية و الفلاحية المتاحة محليا...
فالتنمية المحلية تعني إستغلال القدرات و الموارد المتوفرة في المجال المحلي ( مدينة، قرية، حي سكني، ولاية ...) لصالح السكان المحليين بهدف تنشيط هذا المجال المحلي إقتصاديا و إجتماعيا و بيئيا و سياسيا. و يعتبر الفاعل المحلي مركز هذه العملية . و المطلوب من الدولة توفير الإطار القانوني و الدعم المالي لدفع عملية إستثمار هذه القدرات و الموارد المحلية. و على حكومات ما بعد الثورات العربية التوجه نحو التنمية المحلية و إعطاء الأولوية للمجالات المحلية و ذلك بصياغة مخططات للتنمية المحلية ، يقع من خلالها تشخيص الواقع و ذلك للوقوف عند مقدرات المجال المحلي الطبيعية و البشرية و الإقتصادية و السياسية و هذه المخططات تقتضي الإعتماد على التمشي التالي :
- إلغاء ما يسمى بالرابطة الوطنية لمجالس حماية الثورة و المجالس المحلية التابعة لها ( المثال التونسي) و تعويضها بلجان محلية للتنمية في كل مدينة و قرية و حي سكني منتخبة تقودها كفاءات محلية قادرة على تشخيص الواقع بعيدا عن كل الحسابات السياسية الضيقة و إعطاء الأولوية للجغرافيين لقيادة هذه اللجان بحكم تكوينهم المتعدد الأبعاد . و هذا الأمر يمكن أن ينطبق على جميع البلدان العربية.
- تشخيص الواقع المحلي لكل قرية و حي و مدينة بكل موضوعية للوقوف عند إمكانات المجال المحلي و حاجياته من التنمية .
- تحقيق المصالحة بين مختلف الأحزاب و السكان و الأقليات لتوفير مناخ من الإستقرار يخول لهذه اللجان العمل بكل أريحية من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منها و ذلك عملا بالآية الكريمة « ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة ولي حميم» ( صدق الله العظيم) .
- إعادة النظر في التقسيمات الإدارية للتراب بكيفية تحترم عامل القرب أو البعد الجغرافي.
- دعم الديمقراطية المحلية و ضمان حرية إختيار السكان المحليين لأعضاء هذه اللجان.
خاتمة:
تسوقنا العناصر السابقة إلى إستنتاج ما يلي :
ضرورة مراجعة التجارب الإقتصادية العربية السابقة و صياغة نماذج تنموية تقوم على المؤهلات الذاتية دون إفراط في الإنفتاح على الخارج.
ضرورة البحث في مشاريع المصالحة الوطنية و توفير الأطر القانونية و السياسية لها.
إعطاء الأولوية لإصلاح التعليم بإعتباره البوابة الرئيسية لكل عملية تنمية.
تنمية المجالات المحلية بإمكاناتها الذاتية و توخي الموضوعية في تشخيص الأوضاع.
دعم الديمقراطية المحلية و إعداد مخططات للتنمية تحدد التوجهات العامة على المدى القريب و المتوسط و البعيد.
القضاء على المحسوبية و المحاصصة الحزبية في توزيع الخطط و المناصب و الوظائف.
--------------
المراجع :
دلالة الحبيب 2002 : وجوه الاشكال في جغرافية التنمية، مركز النشر الجامعي ، تونس، 200ص .
مركز دراسات الوحدة العربية ( مجموعة مقالات) 1984 : التنمية العربية الواقع الراهن و المستقبل ، بيروت ، 357 ص .
عمل جماعي 2007 : الثقافة العلمية و إستشراف المستقبل العربي ، مطبعة حكومة الكويت، 352 ص.
عدنان عباس علي 2007 : إقتصاد يغدق فقرا ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 335 ، 355 ص .
Belhedi Amor 1998 : Repères Pour l’analyse de l’espace, CERES, série géographie, Tunis, 459p.
Images économiques du monde 2011, Géopolitique et Géo- économie, ARMAND COLIN, Paris, 398 p.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: