محمد الطرابلسي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 15766
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعتبر المحافظة على التراث المائي أمرا في غاية الأهمية : لأن هذا التراث يمثل جزءا هاما من تاريخ الجماعات و يعبر عن قدرة الإنسان على تطويع الوسط الطبيعي وهو هام أيضا من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية لما يتضمنه من قيم إاقتصادية واجتماعية كانت عنصرا أساسيا في التنمية .
و يمثل هذا التراث المائي مجموع المنشآت المائية التقليدية و تقنيات الري القديمة التي تعود إلى فترات تاريخية متعاقبة يعود أقدمها إلى العهد الروماني ، و الشواهد التاريخية كثيرة في البلاد التونسية إذ نجد بقايا منشآت مائية في واحات الجنوب و سهول الوسط و مرتفعات الشمال من آبار و فساقي و سدود و جسور و مواجل ... لتخزين المياه و التحكم في مياه السيلان.
و أصبحت المحافظة على التراث المائي عملية ضرورية اليوم تحددها حتمية التنمية المستديمة . و سنحاول عبر هذه المداخلة التعرض إلى عناصر هذا التراث المائي و توزعها الجغرافي في البلاد إلى جانب كيفية المحافظة عليه و إعادة الاعتبار له و توظيفه لخدمة برامج التنمية المستديمة .
I - عناصر التراث المائي : المنشآت المائية التقليدية :
التراث هو شكل ثقافي متميز يعكس الخصائص البشرية و الاقتصادية و الثقافية للشعوب . و يتناقل من جيل إلى أخر و يصمد خلال فترات زمنية متعاقبة. وينقسم التراث إلى ثلاثة أقسام رئيسية : تراث مادي كالمباني الأثرية و ما تكشفه الحفريات و تتضمنه المتاحف . و كلها تمثل عصورها بشكل أو بآخر . و تراث فكري قوامه ما قدمه السابقون من علماء و كتاب و مفكرين كانوا شهودا على عصورهم إضافة إلى التراث الاجتماعي و ما يتضمنه من سلوك و عادات و تقاليد و قيم ...
ويندرج التراث المائي ضمن العنصر للتراث و تتمثل عناصره في مختلف المنشآت المائية التقليدية. و تحتوي البلاد التونسية على منشات مائية تعود إلى ما قبل العهد الروماني . و كانت تمثل شكلا من أشكال تنظيم المجال الريفي و استغلال مياه السيلان و مياه السديم الباطني لتنمية الفلاحة و مقاومة التعرية .
1- منشآت خزن المياه:
من أهم وظائف المنشات المائية التقليدية خزن المياه و تعبئتها لاستغلالها في الفصول الجافة و توفير الماء لسكان المدن و الريف. و من أهم هذه المنشات السدود و الآبار و العيون و المواجل و الفسقيات ...
أ- السدود:
هي عبارة عن سدود صغيرة من تربة و حجارة أقيمت في أسفل المنحدرات و الهدف منها هو حجز كمية من مياه السيلان لاستعمالها في فترة نقص الأمطار. و توجد شواهد تاريخية للمنشات القديمة من هذا النوع تعود إلى العهد الروماني مثل ماهو موجود في عين دراهم بواد « العطاطفة » .
ب- الآبار و المواجل :
تعددت الدراسات التاريخية و الجغرافية التي تتعلق بهذه المنشات المائية . و برهنت على دراية واسعة بالخصائص الجيولوجية للأرض المزمع حفر الآبار و المواجل بها إلى جانب الدراية بنوعية الماء. و من أهم المراجع التي تحدثت في هذا الموضوع « عين الحياة في علم استنباط المياه » لأحمد بن عبد المنعم الدمنهوري . الباب الثاني من الكتاب يتعلق بحفر الآبار و يؤكد الدمنهوري على الأمر التالي : « ينبغي إذا كانت الأرض صلبة إن توسع البئر أكثر من القدر المعروف إن كانت يمكن حفرها . فان لم يمكن لشدة صلابتها يوقد عليها النار لتفتيتها بحرارتها و ليسهل حفرها من غير كلفة . و إن كانت رخوة . يمسك الحفارون على الحفر ساعة ثم يعودون إلى ظهور الماء... و يذوقون الماء النابع فان كان حلوا أو مالحا أتموا عملهم و إن كان فيه مرارة توقفوا...». و انتشرت هذه التقنية لاستغلال مياه الموائد الجوفية في افريقية في العصر الوسيط و كانت عملية حفر الآبار مقننة. فقد ورد في كتاب « قانون المياه و التهيئة المائية بجنوب افريقية في العصر الوسيط » من خلال كتاب « القسمة و أصول الارضين » لأبي العباس احمد بن محمد بن بكر الفرسطائي النفوسي (504 ھ 1110 م) بعض القوانين التي من شانها تنظيم عملية حفر الآبار . في الصفحة 154 من الباب التاسع يذكر مؤلفوا الكتاب ( الهادي بن وزدو. احمد ممو و محمد حسن ) بعض العناصر أو الفصول القانونية التي تقنن عملية حفر الآبار. و نذكر على سبيل المثال المسألة التالية: لايحفر الرجل غارا أو بئرا أو يعمل ماجلا إلا في ارض وهي ارض لا تنسب إلى احد من الناس . و لا يحفره في أرضه حيث يضر به غيره من الناس بالتراب و لا حيث يصل إليه بالحفر أو لم يترك إليه الحريم من فوق أو من أسفل أو يمر عليه بالطريق أو تلحقه من قبله النداوة و لا يعمله حيث لا يستغني عن جميع منافعه من ارض و غيره أو يضرها به فيما بينه و بين الله...
و تندرج المواجل ضمن منشات تخزين مياه الأمطار وهي عبارة عن حفرة تأخذ شكلا معينا إذ تتسع في الأسفل و تضيق تدريجيا نحو الأعلى . فهو شكل مشابه لشكل القارورة و يتراوح عمقها بين 4 و 6 أمتار وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك . و تحيط بهذه المنشاة « سطحة » هي بمثابة حوض لتجميع المياه . و عندما يكون الماجل داخل المنزل أو محاذي له يكون سطح المنزل هو بمثابة حوض تجميع المياه . و يوجد بعضها بالقرب من «السواقي » حتى تمكن هذه السواقي من تجميع كمية هامة من المياه. ويتكون الماجل من العناصر التالية: المسقى (سطحة) و الدخالة التي يدخل منها الماء و الخراجة التي تخرج منها المياه الزائدة عن طاقة استيعاب الماجل.
ج- الفسقيات:
انتشرت هذه التقنية خاصة بعد الفتح العربي الإسلامي . و قد تميز عهد الاغالبة بالخصوص بانتشار هذه التقنية لخزن كميات كبيرة من مياه الأمطار. و قد عبر عن ذلك المؤرخ ر. برونشفيك Brunshwuiek R. قائلا « إن محافظة الأغالبة على المياه لا تضاهى . فكل الإجراءات وقع اتخاذها حتى لا يضيع منها شيء ...». و توجد عدة شواهد تاريخية إن دلت على شيء فهي تدل على تطور التهيئة المائية في العهد الاغلبي . و من بين هذه الشواهد نذكر على سبيل المثال فسقية الأغالبة بالقيروان إلى جانب فسقية أخرى وقع اكتشافها بمدينة صفاقس مشابهة لمثيلتها بالقيروان وقع ترميمها تحت إشراف كل من المعهد الوطني للتراث و بلدية صفاقس. وتعد الفسقيات من أشهر المنشات المائية في الحضارة الإسلامية و تعتمد الفسقية على ثلاثة عناصر رئيسية:
- حوض للترسيب يبلغ قطره أحيانا 34 م و طاقة إستعابه 3000 متر مكعب يستند على دعائم داخلية و أخرى خارجية .
- الحوض الكبير وهو يتصل بالحوض الأول عن طريق فتحة تسمى « السرح » و يمتاز بأبعاده المترامية حيث يبلغ قطره سبعة أمتار و عمقه أكثر من ثمانية أمتار و يحتوي على 64 دعامة داخلية و 118 دعامة خارجية .
- صهريج مسقوف تخزن فيه المياه التي تستعمل للشرب و تبلغ سعته أكثر من 900 متر مكعب ( انظر الصورة عدد 5 ).
2- منشآت المحافظة على المياه و التربة: المسقاة . الجسور. المقود. الطوابي :
تعتمد هذه التقنية على تقسيم قطعة الأرض إلى جزئين : في العالية تبقى قمم الربى بدون غراسات و تستعمل كمجمع للمياه أو مسقاة . و يقع تهيئة سواقي صغيرة تتجمع فيها مياه السيلان السطحي ليسير نحو السافلة . في السافلة تقع تهيئة القطعة بطريقة مختلفة في شكل أحواض صغيرة تحيط بها طوابي قليلة الارتفاع مهمتها حجز جزء من المياه المنحدرة من المسقاة . و تحتوي تلك الطوابي على منافس تمكن من تمرير جزء من المياه المجمعة نحو الحوض الموجود في الأسفل . هذا الجزء المهيأ للغراسات يسمى المنقع. و الهدف من هذه التقنية هو حماية أراضي الربى من عنف السيلان و الإستتفادة من كميات إضافية من مياه التساقطات لاستعمالها بهدف ري الغراسات.
ب- الجسور و الطوابي:
تتمثل هذه التقنية في إقامة سدود من التربة يمكن أن يصل ارتفاعها إلى 5 أمتار و قاعدتها إلى 7 أو 10 أمتار و ذلك حسب ما يمكن أن يتجمع ورائها من مياه و تربة . لكن الإمتداد الطولي يمكن أن يتجاوز 20 متر. يمكن أن تكون الطابية مدعمة بالحجارة في قاعدتها وهو ما يسمى « بالصيرة » و كل طابية تحتوي على« رأس » تمكن من المرور من جانبي المنحدر . أما الجسر فهو يتمثل في الجزء الموجود وراء الطابية . و تستعمل التربة المحجوزة لغراسة الزياتين و النخيل و الحبوب . هذه التقنية تتعرض بصفة مستمرة للتلف بسبب الأمطار الاستثنائية لذا لا بد من صيانتها باستمرار.
و هناك العديد من التقنيات الأخرى التي تراجعت مكانتها و اندثر بعضها مثل تقنية « الفقارة» أو « الخريق » التي كان الهدف منها هو الاستغلال المباشر لمياه الموائد. و لا تزال المدرجات تحتل مكانة هامة في المحافظة على المياه و التربة و الهدف الرئيسي منها هو التحكم في مياه السيلان . وهي عبارة عن حواجز صغيرة متدرجة من الأعلى إلى الأسفل مثبة بالحجارة تساعد على حماية التربة من الانجراف و التلف.
II – التوزيع الجغرافي للمنشآت المائية التقليدية
اتفقت الدراسات التي قام بها الجغرافيون و المؤرخون حول التراث المائي على أهمية انتشار المنشآت المائية التقليدية في مختلف أقاليم البلاد التونسية. و كان انتشارها مرتبطا أساسا بالخصائص المناخية لكل إقليم و طبيعة تضاريسه . و قد كشف ذلك عن قدرة السكان على تطويع الخصائص المحلية للوسط الطبيعي.
1- المنشآت المائية التقليدية في الإقليم شبه الرطب
هذا الإقليم يحصل على كمية سنوية من الأمطار مرتفعة مقارنة مع بقية أقاليم البلاد تفوق 400 مم / السنة. و يوجد بهذا الإقليم فصل جاف يتوافق مع فصل الصيف الذي يمكن أن يطول أكثر من ثلاثة أشهر. من الناحية الطبوغرافية يتطابق هذا الإقليم مع مرتفعات الشمال ( جبال خمير و مقعد...) . ونظرا لهاتين الخاصيتين (الأمطار و المنحدرات) تعتمد المنشآت المائية التقليدية على تقنيات خزن المياه لاستعمالها في فصل الجفاف . و تمثل هذه المنشات عنصر رئيسي من عناصر التراث المائي في هذا الإقليم . إذ تتكون أساسا من سدود صغيرة أقيمت في أسفل المنحدرات الهدف منها حجز كمية من مياه السيلان. هذه التقنية تتماشى مع خصوصيات الوسط الطبيعي وهي تشبه البحيرات الجبلية في وقتنا الحاضر . هذه التقنية تنتشر أيضا في الإقليم شبه الجاف.
2 – المنشآت المائية التقليدية في الإقليم شبه الجاف
يوجد هذا الإقليم بين خطي تساوي التساقطات 400 مم و 200 مم . و يظم هذا الإقليم منطقة الظهرية وهي منطقة جبلية إلى جانب السباسب العليا الغربية و الشرقية و الساحل و سهل القيروان يتميز هذا الإقليم بوجود أراضي منحدرة و كثافة الاستغلال الزراعي خاصة في سهول و تلال باجة إضافة إلى انتشار الفلاحة البعلية التي تعتمد على الغراسات الكبرى. من الناحية الجيولوجية نلاحظ في هذا الإقليم أهمية التكوينات السطحية اللينة. في هذا الإقليم تنتشر منشات خزن المياه و منشات المحافظة على المياه و التربة نظرا لتعرض التكوينات اللينة إلى الانجراف . و من أهم هذه التقنيات « المد ارج » و الهدف منها الحد من السيلان . كما تنتشر تقنيات الطوابي في المنحدرات الرملية و كان الغرض منها الحد من السيلان السطحي و مساعدة المياه على النفاذ بصفة تدريجية. و تنتشر في مناطق أخرى من هذا الإقليم و خاصة بساحل البلاد و سهل القيروان . المواجل و الفسقيات الهدف منها تعبئة مياه السيلان. و كانت هذه التقنيات متوفرة أيضا في مدينة صفاقس . إذ كانت المدينة تحتوي على حوالي 365 ماجل بمنطقة « الناصرية »بمعنى ماجل لكل يوم من السنة لكن هذه المواجل اندثرت بفعل التوسع العمراني للمدينة. هذا الصنف من التراث المائي ( المواجل و الفسقيات) تراجعت مكانته اليوم في الأرياف نظرا لربط السكان في الريف بشبكات توزيع المياه بالرغم من أهميتها في توفير كميات هامة من المياه. إضافة إلى انتشار تقنية المسقاة في المناطق التي تتميز بالربى ذات القمم المتحجرة و السفوح الرملية.
3 – المنشآت المائية في الإقليم الجاف المناطق الصحراوية
يتلقى هذا الإقليم كميات قليلة من الأمطار لا تفوق 200 مم في السنة . وهي كمية غير كافية لإقامة فلاحة بعلية . فالتقنيات التقليدية الهدف منها حصر المياه و التربة لاستغلالهما في الفلاحة في مجالات ضيقة. و لهذا السبب تعتبر تقنية الجسور من أهم التقنيات التقليدية في هذا الإقليم. انتشرت هذه التقنية في جهة مطماطة و في سلسلة الظاهر.
كما تنتشر تقنيات أخرى بالجنوب التونسي من أهمها تقنيات « الفقارة » و « الخريق » بهدف استغلال مياه العيون و مياه الموائد و توجيهها نحو الواحات.
III – كيفية المحافظة على هذا التراث المائي :
بالرغم من أهمية هذا التراث المائي . فقد تراجعت مكانته بفعل عوامل طبيعية من ناحية كالأمطار الاستثنائية التي أدت إلى تلف العديد من المنشات المائية أو بفعل عوامل بشرية من ناحية أخرى تتمثل في تراجع مكانة المجتمع المحلي في مجال التهيئة المائية و أصبحت التهيئة تعتمد أساسا على مخططات وطنية ة إقليمية تعطي الأولوية إلى المنشات العصرية كالسدود الكبرى و البحيرات الجبلية. هذه التقنيات تعتبر تراث ثقافي لا بد من المحافظة عليه رغم صبغته القديمة. فكيف يمكن المحافظة عليه؟
1 – مكانة التراث المائي في برامج التهيئة الترابية و مخططات التنمية :
لا تزال المنشات المائية التقليدية كعنصر أساسي من عناصر التراث المائي تحتل مكانة محدودة الأهمية في برامج التهيئة المائية و مخططات التنمية : فلا يمثل هذا التراث المائي عنصرا أساسيا من عناصر الخطة الوطنية الثانية للمحافظة على المياه و التربة ( 2002 - 2011 ) . بل ورد في شكل عنصر ثانوي يتعلق بضرورة إحداث جسور و مسقاة و طوابي . كما أن هذه الخطة لا تتضمن برنامجا واضحا للمحافظة على هذا التراث الثقافي و صيانته. و قد ركزت الأمثلة المديرية لتهيئة التراب الوطني على إشكالية التنمية المستديمة دون ايلاء التراث المائي مكانة هامة بالرغم من أهميته خاصة من الناحية البيئية بل ركزت بصفة شبه كلية على المنشات المائية الكبرى كالسدود و البحيرات الجبلية . كما أن الأمثلة المديرية للمياه لا تحتوي على عنصر أساسي يتعلق بصيانة التراث المائي أو بإعادة الاعتبار له بل ركزت فقط منذ السبعينات على التعبئة القصوى للموارد المائية للاستجابة للطلب المتزايد لمختلف القطاعات الاقتصادية .
و قد تعرضت العديد من المنشات الصغرى التقليدية بالأرياف التونسية إلى التلف و الإهمال نظرا لتراجع دور السكان المحليين في صيانة و إقامة هذه المنشات . فمخططات التنمية السابقة لا تتضمن عنصرا يتعلق بتوعية السكان المحليين بأهمية التراث المائي و دوره في المحافظة على الموارد المائية و التربة.
و لئن تميز عصرنا بتدخل الدولة على نطاق واسع في الأرياف . فان إستراتيجية التهيئة كانت غالبا موجهة نحو تهميش تجارب و مهارات المجتمع الريفي. و يبرر هذا التوجه بضعف التهيئة العفوية و قلة نجاعتها و انحسارها في الوسط المحلي من ناحية و إعطاء التهيئة العصرية مكانة هامة في المخططات الوطنية و الإقليمية. فقد أصبحت الدولة البديل الحتمي للمجموعة المحلية و الطرف الرئيسي المتصرف في المجال.
2 – كيف نحافظ على هذا التراث المائي ؟
إن الحديث عن الحفاظ على التراث المائي يعني إعداد السياسات و التشريعات و الخطط و البرامج التي ينبغي أن تضطلع بها الهياكل المختصة و المؤسسات العلمية و الثقافية في مجال التراث . و يعني ذلك دعم الجهود غير العمومية و التنسيق بين مختلف الأطراف المحلية و الوطنية في تطوير الممارسات العلمية و العملية التي تخدم التراث حفاظا و إحياء. ذلك أن الحفاظ على التراث مسؤولية عامة. فالتراث المائي ملك للناس كافة و ليس لفرد أو فئة أو مؤسسة. فيجب على كل فرد و كل هيكل يعنى بالثقافة و التنمية في البلاد التونسية أن يتحمل مسؤولية المحافظة على التراث المائي . و هذا يقتضي تعليم السكان المحليين مسؤولية الحفاظ على التراث المائي مع مراعاة تطبيق قوانين حمايته. و هذا الأمر يقتضي إعداد خطة وطنية للمحافظة على التراث المائي تشارك فيها مختلف الأطراف العمومية و الخاصة إلى جانب تشريك المجتمع المحلي في إعدادها.
و بالإضافة إلى ذلك فان حماية التراث المائي و المحافظة عليه تقتضي تقدير أهمية هذا التراث و تحديد عناصر الحفاظ عليه. و تكمن أهمية التراث المائي في قدرته على المحافظة على الموارد المائية و التربة: فهذه المنشآت يمكن استعمالها و الإستفادة منها رغم صبغتها القديمة . فصحيح أنها لا تمكن من تعبئة كميات كبيرة من المياه بالمقارنة مع المنشات العصرية . لكن يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات الايجابية من الناحية البيئية . فكثرتها و توزيعها المجالي يساعد على المحافظة على الترب . كما أن انتشارها الجغرافي مكن السكان الريفين من الاستجابة لجزء كبير من حاجياتهم للشرب و مكنت من تحسين المداخيل.
الخاتمة
لقد ركزنا في هذه المداخلة على المنشآت المائية التقليدية كتراث مائي ثقافي تمكن عملية المحافظة عليه من تحقيق التنمية المستديمة حتى يتحقق التواصل بين الأجيال الماضية و الحاضرة و القادمة. لان هذا المجال ملك لمختلف الأجيال و تساعد هذه المنشات على حمايته.
و يمكن أن يشمل هذا التراث المائي عناصر أخرى بخلاف هذه المنشات المائية . كطرق استغلال الأرض و قوانين استغلال المياه . و يترجم ذلك قدرة كبيرة للإنسان على التكيف مع المعطيات الطبيعية . و معرفته الواسعة لنظام الأمطار و السيلان و علاقته بالتضاريس و التربة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
25-10-2018 / 10:54:05 يوسف