د. مصطفى يوسف اللداوي - غزة
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4938 moustafa.leddawi@gmail.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لماذا لا يعقد مجلس شورى حركة حماس اجتماعه العتيد المنتظر منذ زمن في غزة، لاختيار رئيس المكتب السياسي الجديد للحركة، وأعضاء الهيئات القيادية المختلفة فيها، لتباشر القيادة الجديدة مهامها وتبدأ عملها، إذ في ظل الإرجاءات المتكررة لاجتماع شورى الحركة لأكثر من سببٍ خارجٍ عن السيطرة والإرادة، آخرها إغلاق معبر رفح الذي حال دون سفر أعضاء شورى الحركة من غزة للمشاركة في الاجتماع بسبب حادث رفح الأليم، الأمر الذي يبرز التساؤل العفوي لماذا لا يتم الانعقاد في غزة، إذ هي أرضٌ حرة وتحت السيطرة، ويمكن لجميع أعضاء شورى الحركة أن يصلوا إليها بسهولةٍ تامة، فالطرق المشروعة وغير المشروعة إليها كثيرة، ولعل المقاومة تستحق من أبناء الأمة كلها أن يضحوا، وأن يتكبدوا بعض العناء، وأن يحتسبوا عند الله سبحانه وتعالى بعض ما يجدون في سبيل حركتهم وأبنائها، الذين انتخبوهم ليتقدموا صفها، ويقودوا جمعها، ويتحدثوا باسمها، ولعل تنسيقاً مع الحكومة المصرية بهذا الشأن ييسر الأمر ويجعله ممكناً وميسراً، إذ أنه سيكون على أرضنا وبين أهلنا، وعلى مسؤوليتنا وبناءً على قرارنا، وهو قرارٌ لن يحمل مصر و غيرها فوق ما تطيق، وأكثر مما تحتمل، ولن يلقي على عاتقها مسؤولية أمنية أو دولية، ولن يحرجها داخلياً وخارجياً.
قد تكون هذه الفكرة برأي البعض فكرةٌ مجنونة أو غير معقولة، ولا تستند إلى عقلٍ أو حكمة، ومن المستحيل تحقيقها في غزة، وهي محاولة للتنظير أكثر مما هي مسعىً جاد للعمل، وهي أفكارٌ نظرية أكثر مما هي عملية، إذ أن المخاطر الأمنية التي تعترض تنفيذها كبيرة، والعقبات التي تعترض الانعقاد في الخارج هي ذات العقبات التي تحول دون التئام الشمل في الداخل، فمن حال دون السفر من غزة سيحول دون السفر إلى غزة، وهي سابقة لم يتم الإعداد الجيد لها، ولعلَ أشخاصاً بعينهم لا يستطيعون الوصول إلى غزة، ولا يرغبون لدواعٍ شخصية وأخرى حركية في دخولها، إذ أن دخولهم إليها يكشف أسماءهم، ويفضح عملهم، ويعرض سرية مهامهم للخطر.
ولكن الحقيقة أن قطاع غزة قادرٌ على استضافة آلاف الضيوف، ولديه القدرة والجاهزية لعقد أي ملتقى واجتماعٍ ومؤتمر، وعنده من الإمكانيات الأمنية واللوجستية ما يكفي لتأمين أي لقاء مهما بلغ حجم وعدد أعضائه، وإن غزة التي تمكنت من إخفاء الجندي الإسرائيلي الأسير جيلعاد شاليط لأكثر من ثلاث سنوات، وحالت دون وصول أجهزة العالم الأمنية كلها إليه، لهو قادر على احتضان لقاء شورى الحركة، وإحاطته بسريةٍ تامة، وتوفير كل سبل النجاح له، ولعل انعقاد شورى الحركة في غزة سيكون له دويٌ كبير وصدىً عظيم، وسيذكره التاريخ وسيحفظه الشعب، وسيكون محطةً بارزة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني ومسيرة المقاومة العظيمة، وعلامةً فارقة في التاريخ السياسي الفلسطيني، إذ سيكون في حال انعقاده الاجتماع الأول لأعلى هيئات الحركة القيادية في قطاع غزة، وفي هذا تحدي كبير لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، وتأكيدٌ على سيادة الشعب الفلسطيني على أرضه، وحريته المطلقة في استضافة من شاء وقتما يريد، وفق خططه وحسب برامجه المعدة، في الوقت الذي تتخلص فيه الحركة من ربقة الشروط العربية، ومن صعوبة تهيئة مكانٍ وترحاب دولة بهم، فهي تلتقي على أرضها وبين شعبها، فلا يكون على رقبتها سيف يحكم قرارها، ويؤثر على آرائها، ويجبرها على مجاملة المضيف ومراعاة الظرف.
أما العامل الأمني فلا إهمال له، ولا استخفاف به، ولا تقصير في إجراءاته، ولا غض طرفٍ عن وجود الاحتلال الذي يتابع ويراقب ويسجل ويدون، ويتجسس ويتعقب وينتهز ويمكر ويغدر، ويغتال ويقتل، فأجهزته الأمنية ناشطة ويقظة، وعيونه وجواسيسه منتشرة، وتقنياته كثيرة ومتطورة، ولكن قدرات الحركة الأمنية في غزة قادرة على تجاوز هذه العقبات، والانتصار على التحديات، وإثبات الجدارة والقدرة والتميز، ولديها من الإمكانيات المختلفة ما يكفل النجاح لهذا الاجتماع وغيره، والسلامة للمشاركين والمرافقين، ولديها ما يؤمن سرية الاجتماعات وعدم تسرب المداولات والمشاورات.
انعقاد شورى حركة حماس في قطاع غزة علامةُ قوةٍ ودليلُ عافيةٍ، وأدعى إلى الاحترام والتقدير، وهو الأصل وغيره الاستثناء، وهو إشارةٌ واضحةٌ على أن الحركة قادرة وحدها على أن تخط مسارها وتحدد سياستها، وترسم من على أرضها إستراتيجيتها للمستقبل، وإلا فإنها ستبقى رهينة الآخر في حالة انتظارٍ دائم، وترقبٍ مستمر للأحداث، بحثاً عن جغرافيا عربية، ومساحةٍ من الحرية، ترحب بها وتقوى على استضافتها وأعضائها، وستبقى الأطر القيادية القديمة تحكم وتدير، وتطيل في عمرها وتواصل عملها، بكامل هيئاتها التي تجاوزت منذ زمنٍ طويلٍ صلاحياتها، في الوقت الذي تحتاج فيه الحركة إلى الإصلاح والتجديد والتطوير، والمحاسبة والمراقبة والمحاكمة، ومواجهة الاستحقاقات الوطنية والقومية، واستكمال مشاريع الإصلاح وإعادة الإعمار، ومواصلة الحوار ومفاوضات المصالحة وإنهاء الانقسام، ما يجعل من خيار غزة الأفضل والأشرف والأكرم، والأكثر وطنية والأعظم مسؤولية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: