استغرب أعضاء الهيئة العليا للثورة يوم خطاب السبسي أمامها من تلك النرفزة الظاهرة وغير المبررة في لهجة الوزير الأول المؤقت عند تطرقه لمسالة تعيين الجهيناوي كاتب دولة للخارجية بالرغم من انه شغل منصب رئيس مكتب ديبلوماسي تونسي بإسرائيل. خفايا ذلك الإصرار هو أن الباجي يجد نفسه مرغما أمام المانحين الأجانب الأوروبيين والأمريكان على أن يرسل إليهم إشارة ايجابية ولو خافتة ولكن يمكن تلقيها بيسر حول موقف تونس الثورة من الكيان الإسرائيلي. هذا الموقف الشخصي للباجي يسانده فيه الرباعي الوزاري القادم من أوروبا حيث سيطرة اللوبي المالي اليهودي كما يدعمه فيه رجال أعمال تونسيون لهم مصالح ضخمة مع الغرب. المعروف من خلال تجارب سابقة لدول شبيهة ان المساعدات والقروض مشروطة بأمرين: محاربة الأصولية وعدم العداء مع إسرائيل.
ويبقى أهم نصير للباجي في هذا الموضوع السيد روجر بيسموث وهو تونسي يهودي يمسك بكثير من خيوط اللعبة السياسية التونسية قبل الثورة وبعدها.
لمن لا يعرفه هو رئيس الطائفة اليهودية بتونس ،أصيل حلق الوادي، وعضو مجلس المستشارين المنحل ونائب رئيس اتحاد الصناعة والتجارة ورئيس مؤسس لغرفة التجارة التونسية الأمريكية وعضو البرلمان اليهودي العالمي وعضو الجمعية العربية لأصحاب المؤسسات و هو رئيس مجموعة بيسموث الضخمة ومؤسسات أخرى تتبعها. يقدر بعضهم رقم معاملاته بأكثر من مليار دينار. هو صديق وشريك لأغلب رؤوس الاعمال الكبيرة كالهادي الجيلاني والماطري و المبروك والطرابلسية و زروق وغيرهم.
هذا الشخص من أكثر اليهود التونسيين حضورا وتأثيرا غير انه لا يحب البروز ولا يعمل الا في الخفاء. كل التصريحات التي أدلى بها لصحف و إعلاميين غربيين وإسرائيليين كانت تتحدث عن النموذج التونسي في التعايش وعن نضج وحكمة الرئيس بن علي في القضاء على الخطر الأصولي .
كان يردد دائما ان بن علي هو حامي الجالية اليهودية وخير مدافع عنها كما انه رمز للاعتدال وللعلمانية وممثل لقيم الحداثة في كامل الشرق الأوسط. لديه عبارة شهيرة هي " الاستثناء التونسي" ويقصد به الحريات التي يتمتع بها اليهود في عهد بن علي. كان كثيرا ما يمارس نفوذه في فرنسا على الصحفيين الفرنسين من اجل عدم التطرق لمسائل خرق حقوق الانسان والقمع في عهد المخلوع باعتبار ذلك يهدد حكم المخلوع الذي يعتبره روجر الضمانة الاولى لوقف زحف الخطر الاسلامي.
شبكة علاقاته ونفوذه يتجاوزان كل الحدود وخاصة مع ساسة أمريكا ودبلوماسييها كما ان علاقاته مع الاوروبيين متطورة جدا ويتم سماع رايه في كل شان يخص تونس واهم ما يميزه هو زياراته المتكررة لإسرائيل وهو صديق شخصي لكبار الزعماء هناك وخاصة سيلفان شالوم المولود بقابس ويتراس جمعيات الصداقة الاسرائيلية التونسية التي اسسها يهود هاجروا من تونس الى اسرائيل. ويعود له "الفضل" في السماح لكل الاسرائيليين بداية التسعينات ولاول مرة بالحج الى كنيس الغريبة عير رحلات خاصة الى مطار جربة الدولي لا تخضع للمرور عبر الديوانة العادية التي لا تعترف في العادة بالجواز الاسرائيلي. وهو في النهاية مهندس التطبيع بين تونس والكيان الصهيوني ووسيط في عمليات تطبيع خفية في موريتانيا والجزائر وليبيا.
علاقاته الشخصية بالجهيناوي متطورة وتطورت اكثر في فترة رئاسة الجهيناوي لمكتب تل ابيب من 1996 الى 2000 . اما علاقاته بالباجي فكانا يجتمعان سويا في منزل مختلف السفراء الامريكان المتعاقبين صحبة كمال اللطيف علما وان كل سفراء امريكا كانوا يخصصون اياما معلومة اواخر الاسبوع من كل شهر لاستقبال الاصدقاء التونسيين من رجال اعمال وسياسيين.
اتصل روجر بأغلب أصدقائه من السياسيين التونسيين وزعماء بعض الأحزاب لحثهم على عدم التنديد بالجهيناوي وذلك حتى لا تثار النعرات الدينية من جديد مما قد يهدد اليهود بردود و افعال معادية للسامية وفق تصوره.
إضافة للأحزاب المعروفة بتوجها الغربي أو العلماني فقد اتصل روجر بحركة النهضة إذ زاره وفد من قيادييها وتباحث معه أكثر من موضوع (جريدة المصور ليوم الاثنين الماضر.ص 10)
وفي كلمة روجر بيسموث هو الشخص الوحيد في تونس الذي لا يستطيع الباجي ان يقول له كلمة "لا".
----------
وقع تحوير العنوان الأصلي للمقال، كما وقع التصرف الطفيف بالمحتوى
محرر موقع بوابتي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: