محمود فاروق سيد شعبان - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6631 policy122@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
علي العكس من كل منهج بحث علمي يبدأ بدراسة المعطيات ليصل الي النتائج ساقول اولا نتيجتي التي توصلت اليها ... رغم ان هناك من يستعد لتكفيري مثل الاخرين ...او اعتقالي .
و هي ان الفكر السياسي الاسلامي لم يكن يوما الا و متلازما مع الشخصية الاسلامية نفسها التي تؤمن بالله الها و بالاسلام مصدرا لكل تشريع و بالتالي ... فأن الفكر السياسي الاسلامي المتخذ من الاختلاف نواة له لم يكن يوما بهذه الصورة الوردية...
فالمتتبع للتاريخ السياسي الاسلامي سيجد ان الائمة و الفقهاء و المفكرين ايضا انما اختلفوا علي اوصاف الخليفة و ليس شخصه .منذ اجتمع المسلمون الاوائل في سقيفة بني ساعده لاختيار خليفة رسول الله .
هل كانوا يختلفون علي افراد ام نحوا الاسماء جانبا و بحثوا في الصفات المؤهلة لمنصب الخليفة .و ذلك بكل حيوية و بشكل هو اقرب لمجلس شوري و بقلوب رغم حزنها علي الرسول الا ان عقولها تأبي ان تخذله ميتا فأرادت ان تثبت له انها خير تلاميذ لخير الاساتذة
و بعد ان بدأت الفتنة بالاختلاف حول الافراد و ليست الصفات بين معاوية و علي . و يحز في نفس كل مسلم ان يري وقت هذه الخلافات كلها والمذابح و الحروب و الرسول بعد لم يبرد دمه .لم تكاد تمر ثلاثون عاما و يحدث كل هذا …فايهم افسد الاخر …. السياسة ام الدين .
ويخمد هذا الخلاف تماما بمعاوية و قد استتب له الامر في النهاية بعد موت علي .و اعلان معاوية للتوريث .
و اللذي لا يوجد اي نص لا في القرأن و لا في السنة لاضفاء اي شرعية عليه .
هل كان الخلاف حول الصفات فقط ؟
نعم
المتتبع للحوارات التي تمت بين المسلمين الاوائل سيجدها تدور حول فكرة "لا يهم من كان الخليفة بل المهم ما هي صفاته .الواجب توافرها ."
لكن هل اعتبر المسلم الحديث عن الفكر السياسي الاسلامي مهما بالنسبة له ؟ او شيئا لا تصح الحياة بدونه ؟
الاجابة لم تكن بنعم في كل الاوقات .
اذ ان المسلم يشترك مع اخيه المسلم في اربعة عبادات و اركان من خمس لا يقوم الاسلام الا بهم.
هذه الفروض و ان كانت تفرض بعض المظاهر الاجتماعية الا انها لن تزيد عن تقارب اجتماعي بين المسلمين و هذا التقارب و التعايش السلميبين بين الجميع مطلوب الهيا بلا شك لكي يظل المسلم مرتبط بمجتمعه يهتم يهمومه و يفكر مع و من اجل هذا المجتمع . لا ينعزل عنه .لا ان يكتفي بالتدين الظاهري .
اذن لا يمكننا القول بأي حال من الاحوال بأن اختيار الخليفة ليس من شأن المسلمين عامتهم قبل خاصتهم .
و لا ازيد علي ديني الاسلام اذا قلت انه من اساس الاسلام الاتفاق علي خليفةعادل .
انت مسلم تعترف بالله الها و ربا يسن تشريعات و يضع لك دينك و توحده و يكون هو اساس تعاملاتك اليومية كلها. لا يمكن اخراجها من الاطار و الجوهر الاسلامي.
يقول ابن القيم بأن «الشريعة مبناها وأساسها علي الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد. وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلي الجور وعن الرحمة إلي ضدها، وعن المصلحة إلي المفسدة، وعن الحكمة إلي العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل...»
في النهاية الفكرة مهمة سواء وردت وحدها او مع غيرها .بدون اي تغطية كافية لكل جوانبها .
فليس الموضوع باقل اهمية من مواضيع اخري افرد لها الفقهاء مجلدات .لكن الخشية من بطش الحكام جعلتهم يكنتمون كلمة الحق او يواروها تاركين الامر برمته لمن زين لهؤلاء الحكام ظلمهم . و يزينوا للرعية بمظاهر هذا التدين الكاذب الذي لن يأذيهم بأي شكل عكس التفكير الاثم في الاعتراض علي اوامر الحكام الظالمة و من ثم التفكير – مجرد التفكير – في العصيان و الخروج عليهم ..
يكتفي من الدين بالمظاهر و لا يهتم بأي جوهر .
يكتفي من الدين بالشكل الخارجي من جلباب قصير و لحية طويلة و لا يهتم بأحوال الفساد و لا بأي تزوير و ان سالته وجدت الرد جاهزا "لا تلقوا بأيديكم الي التهلكة "... و هل ما انت فيه يا عظيم الشيوخ ليس بتهلكة؟
ليأتي من بعدهم متخذا من هذه الكتابات دليلا علي ما يريد فعله.
يتزامن مع هذا فكرة تأليه الحاكم لدرجة ان الدولة في التاريخ الاسلامي لم تكن ابدا تعني ما استقر عليه الفكر الان من انها سيادة شعب علي ارض , بل تسمي الدولة باسم صاحبها مثل دولة بني مروان، دولة بني الأحمر، ودولة بني العباس,و دولة بن طولون و دولة الايوبيين و دولة بنو عثمان و غيرها .الامر الذي جعل طاعة الاسلام في طاعة حكام هذه الدول ... و صار ت عقوبة المخالف لها نفس عقوبة المرتد ان لم تكن اشد ..
اما بالنسبة لحقوق الرعية و غيرها فلا حديث الا بارادة الحاكم ان شاء اعطي و ان شاء منع .
و بالنسبة لغير المسلمين نجد تباينا شديدا في التعامل معهم اذ كانت لهم الحظوة و القرب من الحاكم مادامت مصلحته معهم .و لم تظهر فكرة ارض الاسلام و ارض الحرب الا في وقت متاخر حين توالت الهجمات الصليبية .و لكن المشكلة التي واجهت جميع الفقهاء كانت في ان الاسلام يكمن في القلوب و لا يأبه بأي حد مكاني .علي عكس محاولاتهم الفاشلة في ربط الاسلام بحدود السيادة .
و هذا ما جعل الاسلام يستمر و سيستمر ان شاء الله . و جعلهم هم الي زوال .
لذلك علينا ان نحاول في دراسة الفقة السياسي الاسلامي معرفة كيف نشأ الفكر الاسلامي ؟
هل كان الرسول رجل دولة و حاكما ام اكتفي بالجانب الروحي كرسول يبلغ عن ربه القرأن؟
هذا السؤال رغم بساطته الا انه يضع لنا اول المبادئ ... لانه من الرسول رأسا.
كان صلي الله عليه و سلم حاكما يختار خلفاءه و من ينيب عنه في شتي الامور .
و يضع صفات هذا الرجل ... و من مثله يفهم في البشر و يضع الرجل المناسب في المكان المناسب .
و لنسترجع سؤاله لمعاذ حين ولاه قضاء اليمن "بم تقضي"
لنعرف كيف كان الرسول يختار ... و كيف ان هناك دوما منهاجا و مبادئ .و قواعد للحكم .و القاعدة الاولي كانتالشوري سواء في السياسة او الزواج فالشورى كانت وسيلة للتراضي بين المسلمين قائمة على الإيمان والبيعة والمودة والنظام والانتظام
فكانت مشكلتنا الاصلية عدم تطوير الوسائل التي جاء بها رسول الله (ص)لتناسب الامبراطورية الاسلامية الممتدة الاطراف ، فنحن الذين –اغلقنا عقلنا عن مواكبة العصر رغم وضوح المبدأ امامنا
ثم ياتي بعد هذا الامر الي فكرة التشيع
فالعصبية التي اتي الاسلام ليحاربها لم تدع المسلمين ليتوقفوا عن السؤال هل الخليفة من
هذا السؤال هو الذي وضع اسس الفكر السياسي الاسلامي
هل الخليفة من المهاجرين ام من الانصار
من قريش ام من غيرها ؟
من بني امية ام عبد المطلب
و نجد ان كل طرف يضع حديثا او يأول الاحاديث مما قد يحول الدين الي العوبة
هذا يأتي بحديث عن الرسول يمدح معاوية
و هذا بحديث يشيد بعلي
و هذا حديث يشيد بقوة و دهاء معاوية
امام حديث يشيد بشجاعة و صلاحية علي
و هناك حديثا يكتفي باجماع الامة حول علي اختيار الخليفة علي و اجماع الامة فعلي كل مسلم مبايعته و عدم الخروج عليه ابدا .
و هذا هو رأيي الخاص مهما تحدث البعض عن افضال معاوية التي لا انكرها عليه و لا اجحدها .
فهو صحابي جليل مات و الرسول عنه راض .
كما ان هناك حديث يبشره فيه الرسول بملك عضيد . و ان كنت لا اعلم مدي صحة هذا الحديث . فلست متخخصا .
لكن ما افهم فيه بحكم دراستي بحثي عن الدولة البوليسية ان معاوية كان اول حاكم دولة بوليسية في تاريخ الاسلام بأنه جعل نفسه فوق النقد و جعل العلاقة بينه و بين المحكومين تتجاوز الدستور المفترض خضوع الجميع له . لكن هذا الدستور- القرأن و السنة – كانتا فقط رهنا لتوطيد حكمه .
و هذا هو اول مظاهر الدولة البوليسية ان لم يكن اساسها الوحيد .
المهم ان هذا رأيي و هذه المدونة مجرد وسيلفة لابداء هذا الرأي ان صح و احسنت فهو من عند الله و ان اخطأت فهو من نفسي و قلة بحثي .
اكمل ما اقول بان معاوية قد ادخل مبدا التوريث للاسلام متشبها بالفرس و الرومان .و هنا الغي معاوية تماما دور اهل المشورة و الذين بيدهم الحل و العقد في اختيار الخليفة .و بالنتالي فأن ما اجتهد فيه المسلمون الاوائل طيلة عصر الخلفاء الراشدين يعتبر قد انتهي و لم يعد هناك من يطبقهم الا في خيالاته او امانيه ... . و يندر التطبيق علي ارض الواقع منذئذ.كما ان معاوية قد وضع فاصلا بين الخلافة و الرعية فلم يعد هناك من يجرؤ علي ان يفكر في تقويم الحاكم بالسيف بل ان مبدأ القوة الغاشمة كان بيد الحاكم دون سواه . به يسوس الرعية و به يشكلهم كيفما شاء. و تبقي القاعدة المشهورة . من بايعك له هذا و من ابي فليس له الا هذا .
من بايعك له الحياة و من ابي فليس له غير السيف .
و بدأ الفقهاء متأثرين بفترة ظلم يزيد يشكلون فكرا جديدا تاركين اطلال الفكر الاصلي .
و بعد فكرة المبايعة عن اقتناع و عن حب بدأت افكار الحكم بالقوة و التي كانت اساس بعض الفقهاء لاباحة الخروج علي الحاكم فمن كانت بيده هذه القوة ليخرج علي الحاكم فهو علي صواب .
و من لم يكن في يده القوة الكافية للخروج فلا يحق له "عصيان الخليفة القائم"
بل و هي اساس استمرار الخليفة في منصبه و اساس صلاحيته ايضا ..
و بدأت المجازر و الحروب تأخذ شكلا جديدا .
بعد ان كانت عصبية اصبحت ذاتية.
البن ضد ابيه او اخيه او عمه ...
لا يهم مادام الامر في النهاية سيستتب له ..
و يأبي الله الا ان يتم نوره فنجد احيانا تمسكا من الخليفة بمبادئ الاسلام فيبدو كالبدر المنير وسط هذه الظلماء التي مازلنا ندفع ثمنها حتي الان .
لكن اولي بنا ان نعرف حقيقة ما يخدعونا به . سواء كنت سني او شيعي .
فلا فرق يذكر بين الاثنين بين رؤية الحاكمية للسنية وولاية الفقية للشيعة .و كم التطورات التي طرأت علي النظريتين حتي اكتملتا
المهم كيف نصل للهدف .... هذا ان وصلنا اليه .
فالميزة الاولي التي تفرد بها الاسلام انه مبادئ و افكار لا ايدليوجيات يجب تطبيقها بحذافيرها .
و الفرق كبير بين العالمية و المحلية .
العالمية بانه يصلح لكل زمان و مكان و يناسب كل الطبقات الاجتماعية .
اما العكس فهو ردي علي من يريد اختصار دين بكل هذه العظمة في مجرد مظهر ليس الا....دين لا يصلح الا لقوم يسكنون في بقعة ضئيلة و يحكم علي من يريد دخول هذا الدين بالحبس داخل هذه البقعة و الا فلا دين له .
و اذا كان يظن انه بهذا يحسن عملا فعليه ان يستعرض فقة الائمة الاربعة و كيف غير الامام الشافعي عند نزوله مصر بعضا من احكامه لا لخطئها و لكن لمناسبتها البلد الموجود فيه دون ان ينتقده احدهم او يتهمه بابشع الصفات .
دينا عظيما احتوي كل الافكار فيه من موضوعات «السياسة الشرعية» مع الفقهاء (الماوردي، والغزالي وابن تيمية، وابن قيم الجوزية) والفلسفة السياسية (مع الفارابي)، و«الآداب السلطانية» (مع كتاب الدواوين والفقهاء..)،في العصور الوسطي .
و حتي العصر الحديث بافكار مرحلة النهضة الاصلاحية و الحديث عن الدولة و المجتمع الاسلامي و المقارنة بينها و بين الدولة الأوروبية في صورتها المنظمة والعادلة،.و تزعم ذلك محمد عبده و مرحلة الرجوع إلى المصادر الذاتية الإسلامية محاولة الابتعاد عن العصر بكل مساوءه،فما صلح للاولون سيصلح دون شك لمن تبعهم .و ظهرت جلية .فكرة «الخلافة» ذات الجذور الإسلامية، و تزعم ذلك رشيد رضا وبالرغم من اعتراف حسن البنا بالدستور، وسلوكه الاعتدالي والواقعي في الدعوة إلى «فكر الأخوان المسلمين» إلاّ أنه من رحم هذه المؤسسة وفكرها، ومن رحم فكرة «الدولة الإسلامية» (للبنا) خرجت أفكار «الحاكمية» و«جاهلية القرن العشرين» و«الفريضة الغائبة» والتكفير... ومن منتصف القرن العشرين!.تزامن صعود الخطاب الإسلامي المعاصر مع البنا وحركة الإخوان المسلمين، مع خطاب جديد في التشكل؛ تطور حتي وصل لطريق المصالحة مع الديمقراطية والنظام الدستوري لكنه على كل حال لم يكن أطول من الشوط الذي كان قد قطعه حسن البنا.
علينا ان نظهر كل هذا و نفخر بكل هذا الكم من الفكر و نفاخر به الامم .لا ان نسلط الضوء علي ما لا يفيد الا برسم صورة سيئة لنا .فما يفيد ذكر كل الخلافات و تعظيمها ؟
فتاريخنا و حضارتنا لم تكن مجرد فتنة بل كانت هناك امبراطورية علمت العالم اسمي معاني الحضارات . و لكن هذا في الجزء القادم ان شاء الله
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: