سلام الشماع
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6383 Salam_alshamaa@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
سميت البحرين بلاد المجالس، فلا بد أن يدهش المرء وهو يرى مجالس البحرين الكثيرة.. إنها تذكرك حقاً ببغداد العباسية وانتشار المجالس في أزقتها ودروبها وأسواقها ومدارسها في عهودها الذهبية.
والرقم هنا هائل.. قيل لي إن في البحرين أكثر من ثلاثمائة مجلس تتنوع توجهاتها وتختلف طبيعتها وتتراوح أهدافها بين اجتماعية وثقافية وسياسية ودينية وترفيهية، وكلها تعقد بانتظام، وقد قيض لي ارتياد الكثير منها، ولو أراد إمرؤ أن يزور مجلساً منها كل يوم لاحتاج إلى سنة كاملة بطولها وعرضها.
هذه المجالس في أغلبها لأشخاص، اما أن يكونوا وجهاء في المجتمع أو نواباً في البرلمان أو علماء دين أو مسؤولين في الدولة، واما أن تكون لجمعيات أو أحزاب سياسية أو منظمات مجتمع مدني، وهذا طبعاً عدا المآتم الحسينية التي تعقد على مدار السنة وأحياناً بنحو يومي أو أسبوعي أو في المناسبات.
وأعمار بعض هذه المجالس طويلة إذ يتجاوز المائة سنة وما زال يعقد بانتظام ورثه الأبناء عن الآباء، والآباء عن الأجداد.
وتتبع بعض المجالس أسلوب إلقاء المحاضرات العلمية أو الثقافية أو السياسية أو الاجتماعية، كمثل مجالس إبراهيم الدوي، الحكم الرياضي السابق، وبو طبنية، والأستاذ جاسم مراد، وجمعية الأصالة، والنائب عيسى أبو الفتح وجمعية تاريخ وآثار البحرين والعلامة الشيخ عيسى بن عبد الحميد الخاقاني، وسواها.
وقد أخفقت في عدّ المجالس الرمضانية واحصائها على امتداد البلد وهي ما تعطي لرمضان طعما مختلفا عن سائر بلاد الله.
وليعذرني أصحاب هذه المجالس فأنا لست هنا في وارد تعدادها كلها وذكر أسمائها، ولكني أريد أن أعرض أن هذه المجالس ـ كما لحظتها ـ مظهر حضاري ديمقراطي يعبر عن احترام الرأي والرأي الآخر وعن وحدة البحرين وتماسكها وعمقها الحضاري الضارب في الأعماق، وعن التكافل الاجتماعي بين هذا الشعب الطيب، وتنوع الثقافات والاتجاهات والمشارب في البلد يحسب له لا عليه، فهو يشكل فسيفساء جميلة اذا غاب منها لون اختلت اللوحة كلها، فلا نسمح لمن يريد أن يحول هذا التنوع الذي هو عامل قوة إلى ضعف وتمزق وتشرذم، واذا كان مخطط التقسيم والشرذمة قد نجح في بلدان أخرى ففي رأيي أنه سيصاب بالفشل الذريع في البحرين، والسبب ان المجتمع في البحرين، بالإضافة إلى انه مجتمع متحاب ويحرص على وحدته الوطنية، فإن كل فرد يستطيع أن يقول رأيه في الصحف أو في المجالس التي تعقد بالعشرات يومياً.
إن الرأي عندما يعرض أياً كان صاحبه.. مخطئاً فيه أم محقاً يستقبل من الجميع في هذه المجالس باحترام وود، ويخضع إلى مناقشة مستفيضة يسهم فيها الجميع، ويصوب إذا كان فيه شيء مما لا يتناسب وطبيعة المجتمع ويثنى عليه إذا كان يرمي لصالح المجتمع.
وإذا وجدت هنا أو هناك طرحاً يوجب الفرقة، ينقله صاحبه عامداً أو غير عامد، فإنه يواجه بطرح فيه من السداد ما يقومه ويجعله سائرا في الخط العام الذي يريده المجتمع، ويجري ذلك بود واحترام ومسؤولية وشعور بأن مجتمع البحرين واحد متماسك لا ثغرة في جداره ينفذ منها المغرضون أو تتسرب منه الفتن، والناس في البحرين طيبون ولا عصبية فيهم ولا حساسية عندهم تجاه الرأي الآخر.
إن الذي يرتاد مجالس البحرين يلمس بنحو واضح صورة جميلة للحراك السياسي والثقافي والاجتماعي من خلال الصور المشرقة التي تعرضها هذه المجالس سواء من خلال الحوارات أم من خلال الانجازات التي يسلط الضوء عليها فيها، وقد حضرت شخصياً جلسات تحدث فيها مبدعون عن انجازاتهم علمية كانت أم ثقافية.
إن ما أتمناه أن يتجه المؤرخون وعلماء الاجتماع والمفكرون في البحرين إلى دراسة هذه الظاهرة الحضارية ويؤلفوا فيها الكتب ويتناولوا حتى شخصياتها بالدراسة والتوثيق.
نعم، اتمنى أن أقرأ كتاباً يتحدث عن مجالس البحرين ويوثقها لأنها صورة متقدمة في بلد يشهد نهوضاً هائلا.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: