البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

فتنة الديمقراطية

كاتب المقال د- محمد موسى الشريف    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 9036



هبت رياح التغيير على الأمة الإسلامية في أواخر القرن الحادي عشر الهجري / السادس عشر الميلادي ، وفقدت الأمة ريادتها ، وابتدأ الأجانب الكفار يستولون على أراضيها ، ويقتطعون ممتلكاتها.


وهبت الأمة تدافع عن أرضها وعرضها ، وانتصرت مرة وهزمت مرات لكنها لم تتنازل أبداً عن دينها وإسلامها ، ولم تفكر يوماً بترك شريعتها وقرآنها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم حتى استطاع الكفار أن يصنعوا على أعينهم نفراً خطائين من بني جلدتنا أنشأهم إنشاءً ، ورباهم على مفاهيمه وضلالاته ، واستطاعوا أن يبوئوهم المناصب العليا .


ولما خرج الاستخراب العالمي من أرض الإسلام ترك هؤلاء يعيثون في الأرض الفساد ، ويخنقون رقاب العباد ، ويسيطرون على مقاليد الأمور ، فتطلع المسلمون للتخلص من هؤلاء وظلمهم وقهرهم وفسادهم ، فاتجهوا إلى الاشتراكية والشيوعية والقومية فزادتهم وهناً على وهن وضعفاً على ضعف ، وازدادت المظالم ، وتقلصت الحريات إلى أدنى حد .


وجاء الله تعالى بالصحوة الإسلامية وعادت طوائف كثيرة من الناس إلى إسلامها ، وطالبت بحرياتها في تحكيم شرع الله تعالى ، واشتدت سطوة الحكام ، وضيقوا الخناق على شعوبهم أكثر من ذي قبل، وفجأة انهار الاتحاد السوفيتي وانهارت معه كل المفاهيم الشيوعية والاشتراكية ، وصار العالم تبعاً للقوى الغربية الرأسمالية ومفاهيمها ، وسيطر مصطلح الديمقراطية وعلا على كل المصطلحات الأخرى ، وصار الغرب وعلى رأسه أمريكا يبشر بميلاد فجر جديد ومجيء رسالة جديدة إلى العالم كلها ألا وهي الديمقراطية ، وأراد فرضها على الناس أجمعين ، ومن لا يستجيب له فإن هناك من الوسائل ما يضمن الرضوخ والاستجابة ، وحقاً إن هذا شيء عجيب أن تفرض الديمقراطية على الشعوب بالقوة والإكراه ، وفي هذا من التناقض الظاهر ما فيه.


والذي يهمنا ها هنا هو أن نعرف ما هي هذه الديمقراطية التي يبشر بها الغرب ، إنها نظام سياسي يُحكم فيه الشعب بالشعب وبما يريده ، ويضمن التداول السلمي للسلطة ، وإمكان محاسبة المسؤولين عن طريق برلمانات منتخبة ، لكن هل هو كذلك فقط ؟ لا ، إن الديمقراطية تذهب أبعد من ذلك بكثير متوغلة في حياة الناس ، فهي قائمة على اللا دينية (العلمانية) ، وهي كذلك تتحكم في حياة الشعوب بما يريده بعض الشعب وهو المختار في البرلمان فقط وهم بضع مئات ، فإذا أراد هؤلاء المئات ، إباحة اللواط فعلوا ، وإذا أرادوا إباحة زواج المرأة بالمرأة والرجل بالرجل أقدموا وشرعوا وسنوا ، وإذا قرروا أي أمر واجتمع عليه أكثريتهم صار قانوناً ، بقطع النظر تماماً عن الأديان وموقفها من هذا الأمر ، فأنت ترى إذاً أن الديمقراطية ليست نظاماً سياسياً فقط بل أصبحت متصلة بحياة الناس الاجتماعية على وجه لم يسبق له مثيل.


وتطلع المسلمون إلى هذه الديمقراطية المنبتة الصلة بالدين بشغف ، وكل ينظر إليها من منظاره ، فالفاسدون ينظرون إليها على أنها ستحقق لهم شهواتهم ورغباتهم في التحلل أو التخفف من الروابط الشرعية ، والصالحون ينظرون إليها على أنها ستخفف من وطأة الحكام عليهم ، وأنها ستكون مفسحة لحريات كثيرة ، لكنهم لم يفكروا التفكير المناسب في تبعات هذه الديمقراطية ، وصلتها بالشريعة الإسلامية ، وصلتها بالقوى الداخلية والخارجية على النحو التالي :

1- تجربة الديمقراطية في أكثر البلاد العربية والإسلامية تجربة مشوهة مبتورة ، وقد وضعت بسببها وتحت مظلتها عدد من القوانين المضادة المحادة لدين الله تعالى تحت ضغط الأغلبيات البرلمانية البعيدة عن دينها ، والتي لم ينتخب أكثرها وإنما جاءت بسبب تزوير فاضح فادح.

2- القوى الخارجية لا تزيد للبلاد الإسلامية أن تسلك المسلك الديمقراطي الكامل لأنها تعلم أن المسلمين الصالحين الدعاة هم الذين سيسيطرون على البرلمانات آنذاك ؛ لذلك تسلك معهم سياسة الحصان والجزرة ، فتعدهم وتمنيهم ، وفي الوقت نفسه تسعى بقوة لوأد كل توجه ديمقراطي حقيقي ، وما تجربة الجزائر وتركيا عنا ببعيدة.


3- لم ينتبه الدعاة إلى أن المطالبة الملحة بالديمقراطية ، والتنادي بها والاجتماع عليها ، وجعلها مطلباً شعبياً عاماً ، لم ينتبهوا إلى أن هذه المطالبة فيها محذور كبير وهو أن المجتمع الإسلامي صار يرى في الديمقراطية النجاة والحياة السعيدة ، وأنها ستحل له مشكلاته ، إذاً أين النظام الإسلامي ؟! وأين حلوله ؟! وإذا كانت الديمقراطية هي التي تملك مفاتيح الحل فلماذا المطالبة بالنظام الإسلامي إذن ؟ وهذا هو مكمن الخطر في هذه المناداة التي صارت ينادي بها أكثر الصالحين من الدعاة والعاملين بل كثير من المشايخ وطلبة العلم ، وصرت تسمع كثيراً من الدعاة والصالحين يقول الواحد منهم ، أنا ديمقراطي أو يا أخي : كن ديمقراطياً ، وفي المجالس تسمعهم يقولون: فلنكن ديمقراطيين ولنرض بالرأي الآخر ؟! وهل الإسلام يحجر على الرأي الآخر ؟ ! نعم أنا أعلم أن الإسلاميين ينادون بالديمقراطية لسببين : لأنها اللغة السائدة المفهومة في العالم اليوم ، ولأنها خير لهم من النظم الأستبدادية ، لكن ألم يتنبهوا إلى أن صيحة المناداة بالديمقراطية صارت عالية إلى درجة أنه قد تعمى على الناس بسببها المسالك الشرعية الصحيحة ، ولماذا لا يقولون : أنا شوري ، وكن شورياً ، ولنكن شوريين ، وبعض الإسلاميين يقول : الشورى فيها خلاف هل ملزمة أو معلمة ؟ وأنا أقول : لماذا لا نتفق على أنها ملزمة – كما ذهب إلى ذلك كثير من المشايخ المفكرين والدعاة – ونجعلها نظاماً عاماً ننادي به ونطالب ، بل نعرضه على العالم كله على أنه نظام شرعي محكم فيه من الإيجابيات ما هو أفضل من إيجابيات النظام الديمقراطي ، وفي الوقت نفسه يتفادى سلبيات الديمقراطية ومهلكاتها الاجتماعية.

يا قوم : ألا نفهم أن ترداد مصطلح الديمقراطية باستمرار ، والمناداة بها على رؤوس الأشهاد ليل نهار ، وأن تنشأ الأجيال على سماعها والتشوق لتطبيقها فيه من الخطر ما فيه ، وفيها الاعتراف الضمني بل الصريح – أحياناً – بحسن هذا النظام وإحكام وضعه ، وفيه ما فيه من التغاضي عن السلبيات الكثيرة التي تصاحب تطبيقه ؟ ثم ألا ترون أن هذا المناداة بهذا النظام وتمنيه وتنشئة الأجيال على حبه والمطالبة به فيه مهمز عقدي واضح ، وخلل في الفهم والتفكير خطير.

إن أعظم ما يتمناه الغرب أن ينادي الإسلاميون الدعاة الفاهمون - الذين تنبني على جهودهم وصفاء فهومهم الآمال- بالديمقراطية الغربية ويطالبوا بها الهيئات العالمية ، ويطالبوا بها حكامهم ورؤساءهم ، لعمر الحق إن هذا الشيء عجيب يستحق منا التفكير العميق ومراجعة النفس والخروج على العالم بمصطلح الشورى والشورية الذي خفت كثيراً في ظل توهج الديمقراطية المأمولة والمشتهاة !!


 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-07-2008   موقع التاريخ

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد بوادي، د - شاكر الحوكي ، د - الضاوي خوالدية، بيلسان قيصر، د- محمد رحال، رافد العزاوي، علي الكاش، رحاب اسعد بيوض التميمي، ضحى عبد الرحمن، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، رضا الدبّابي، د- جابر قميحة، علي عبد العال، د.محمد فتحي عبد العال، تونسي، محمود فاروق سيد شعبان، فتحـي قاره بيبـان، فهمي شراب، أ.د. مصطفى رجب، فوزي مسعود ، سليمان أحمد أبو ستة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أشرف إبراهيم حجاج، د- هاني ابوالفتوح، عمر غازي، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد ملحم، د. خالد الطراولي ، د. عبد الآله المالكي، ماهر عدنان قنديل، د. أحمد بشير، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحي العابد، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، مجدى داود، ياسين أحمد، عراق المطيري، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد النعيمي، محمد يحي، طارق خفاجي، نادية سعد، صفاء العراقي، محمد عمر غرس الله، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفي زهران، الناصر الرقيق، أبو سمية، د - صالح المازقي، الهيثم زعفان، د. طارق عبد الحليم، صفاء العربي، صلاح الحريري، عبد الله الفقير، المولدي الفرجاني، سلوى المغربي، عبد الرزاق قيراط ، منجي باكير، مصطفى منيغ، د - محمد بن موسى الشريف ، إيمى الأشقر، محمد علي العقربي، المولدي اليوسفي، يحيي البوليني، عزيز العرباوي، وائل بنجدو، صلاح المختار، أنس الشابي، العادل السمعلي، كريم السليتي، طلال قسومي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سامر أبو رمان ، حميدة الطيلوش، جاسم الرصيف، سعود السبعاني، محرر "بوابتي"، رافع القارصي، حسن الطرابلسي، إياد محمود حسين ، محمود طرشوبي، د. أحمد محمد سليمان، محمد العيادي، رشيد السيد أحمد، عبد العزيز كحيل، عمار غيلوفي، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، يزيد بن الحسين، أحمد الحباسي، عواطف منصور، د. صلاح عودة الله ، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، سفيان عبد الكافي، د- محمود علي عريقات، محمد أحمد عزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، خالد الجاف ، عبد الغني مزوز، سيد السباعي، د - المنجي الكعبي، كريم فارق، الهادي المثلوثي، محمد الياسين، حاتم الصولي، محمد شمام ، رمضان حينوني، مراد قميزة، عبد الله زيدان، محمود سلطان، حسن عثمان،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة