أحمد الحباسى - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6385
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عندما أشاهد السيد أحمد نجيب الشابى أشفق عليه، فالرجل في هذا السن المتقدمة يستحق العطف و يثير الشفقة و كثيرا من الدعاء ، ف’أنداد’ السيد نجيب ينعمون منذ سنوات بالتقاعد المبكر و كثير منهم يمارسون هواية لعب الورق أو رياضة المشي البطيء في ساعات المساء المتأخرة على شواطئ بعض المدن الساحلية الرائعة ، فالسن لها أحكامها كما يقال، يجادل السيد نجيب بأنه ما زال في ريعان الشباب، و لا يعانى من العنوسة السياسية كما يظن بعض الخبثاء، و بأن هذا الشباب الوقاد هو من يجعله يعمل و يربط الاجتماعات بالموائد السياسية بالبرامج التلفزيونية و الإذاعية، هكذا دون انقطاع و دون أن يتناول أي منشط مهما كان نوعه، و حتى نمسك الخشب، نحن نشفق على السيد نجيب من هذا ‘النشاط ‘ ليس من باب التشجيع على البطالة السياسية و لكن من باب احترام الأرقام و احترام المشاهد كما يقال .
لقد أنتج الواقع السياسي التونسي مفارقات على غاية من الغرابة، فأغلب الساسة الذين ينشطون الساحة السياسية اليوم و على مدار الساعة قد تجاوزوا سن التقاعد المهني و السياسي دون أن يحققوا طموحاتهم باعتلاء كراسي السلطة و هو المطمح الأول و الأخير لكل رجل سياسة في العالم مهما كانت توجهاته، فاسطوانة خدمة الشعب و الشعور بأوجاعه و العمل على توزيع الثروات و الحد من البطالة هي منتجات سياسية تايوانية تزين تصريحات و خطب و مقالات السياسيين لكنها بلا طعم و لا رائحة و أحيانا بلا لون، و حين أشاهد السيد البحري الجلاصى يتحدث بتلك اللغة الصارخة الهجينة عن أوجاع الشعب أكاد أصاب بالغثيان، فالشعب قد أصبح بالنسبة للبعض حصان طروادة الذي تختفي وراءه الشعارات الزائفة و الأطماع السياسية الأنانية الحقيرة كل ذلك للوصول إلى كرسي الحكم و لو على جثث العاطلين، لكنها السياسة في أبشع مظاهرها حين تستعمل لتبييض المال الفاسد و الاغتسال من جنابة النظام السابق .
تتكرر يوميا أفعال إجرامية خطيرة و من يتمعن في المشهد بكل تضاريسه المختلفة لا يستنتج سوى أن هناك أيادى بعض العاطلين عن العمل سياسيا من يقفون وراء الستار لتحريك همجية الشارع و استحثاث كبته الاجتماعي و السياسي الدفين لاختلاق بؤر توتر أحيانا في ‘ولاية’ حي التضامن التي تتحرك بأمر الخليفة حماد الجبالى ، و أحيانا في الجنوب بوحي جنوني من الرئيس السابق محمد المرزوقي الداعية الحقوقي الذي باع شرفه في واقعة تسليم البغدادي المحمودى، و أحيانا أخرى في مناطق ساحلية بإيعاز من تجار المحرمات المختلفة من تجارة الرقيق الأبيض إلى تجارة المخدرات و السلاح مرورا بالتجارة في قوت الشعب أو ما يسمى تعففا بالسلم الاجتماعية، هؤلاء ‘ الكبار’ أو الحيتان الكبيرة كما يحلو لبعض الظرفاء توصيفهم هم من يحركون الشارع في كل الاتجاهات الخاطئة و يطالبونه دائما بأن ينزل للشارع ليخفف عن نفسه وطأة الرحمان من التعبير مقابل لمجة ‘مريضة’ و قارورة كوكا كولا .
من المثير للحزن و الشفقة حقا أن نجد السيد مصطفى بن جعفر المتحصل على صفر مكعب في كل مراحله السياسية المختلفة جالسا في قناة خاصة بصدد طرح ‘أفكاره’ مستعينا بذاكرته ‘ القديمة’ مع أن الشارع الشعبي قد بصق على هذه الأفكار التي تعود إلى ما قبل عصر الكتابة المصرية القديمة و لم يعد يريد سماعها حتى لا يصاب بالغثيان و تصاعد منسوب الكولسترول، يريد الرجل من السامعين أن يصدقوا أنه يملك الحل لأوجاع الوطن المختلفة و هو الذي بقى ثلاثة سنوات في تحرير دستور عقيم ( دستور جوان ) شهد الجميع بأنه أكبار ‘ انجاز’ مكلف في تاريخ البشرية و كان من الأحرى أن نكتفي بنقل أي دستور من أي دولة غربية بمجرد نقرات على صديقنا القوقل الشهير، لكنه الغباء و التنكيل بالمواطن و العبث بالمال العام حين يعشش في أفكار كبار السن و بعض المتمعشين من السياسة على حساب المصلحة العامة .
لقد كان على السيد محمد عبو أخذ نصيب من الراحة، و قد طالبه الشعب من خلال حجب الأصوات عن حزبه و صوته في الانتخابات السابقة بالاستراحة و التقاعد المبكر خاصة بعد أن كان جزءا من منظومة الصمت القاتل على اغتيال الشهداء شكري بلعيد و محمد البراهمى و لطفي نقض و على جريمة الاعتداء على ولاية كاملة بسلاح الرش، لكن الرجل و في إحدى إطلالاته يفاجئ الشعب بمولود غض سماه على بركة الله ‘ التيار الديمقراطي ‘ دون أن يدرك أن التيار لا يمر و أن التيار قد جرفه إلى مستنقع السقوط دون أن يدرى و أن ديمقراطيته المزعومة لم تعد تنفع بعد أن تركت الترويكا الحاكمة في عهده الديمقراطية لتشتغل على إدخال الإرهاب و أدواته إلى تونس، و تنشغل عن هموم المواطنين بتسفير أبناءنا للمحرقة السورية و بناتنا للمحرقة الجنسية، هذا كله و التيار و الديمقراطية غائبان عن الساحة خاصة بعد إن أنشغل السيد الأمين العام للتيار بافتعال واقعة ‘وينو البترول ‘ عن واقعة إجحاف رجال التعليم في حق مستقبل أبناء تونس، لكنها السياسة السياسوية في أبشع مظاهرها حين تستبد بالمستبدين المنشغلين بالانتهازية و الأنانية على حساب المصلحة العامة للشعب المرفق.
ليس غريبا أن بات البشر في تونس يذبح بعضه بعضا، فاللغة العفنة لهؤلاء السياسيين قد أدت إلى كل الشرور و الكراهية و الحقد في نفوس المتابعين الذين ثاروا على وضع بائس ليجدوا شلة من الفاسدين المخضرمين ترتدي الملابس الأنيقة و تتعطر بأفخر العطور الباريسية تعتلى سدة الحكم و المشهد من جديد لتحرمهم من الهواء و تنحر أحلامهم المتواضعة، و إذا قدر لذلك ‘ القصاب’ الذي باع الشعب لحم الحمير طيلة فترة ما بعد الثورة أن يتحصل على كم من الأموال ‘ الفاسدة ‘ فان هؤلاء السياسيين لا يقلون انتهازية عن باعة لحم الحمير بل لنقل بمنتهى الاحتقار و الألم أنه لا أحد يشك بأن هؤلاء الساسة قد أكلوا لحم الحمير لذلك نرى بعضهم حمير سياسة لا يدركون أن ساعة الرحيل قد أتت من زمان و أن الشعب قد سئم لغة الحمير و لحم الحمير ، فهل سيرحلون ...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: