البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

بعد مائة يوم على الحكومة... إلى أين نحن سائرون؟

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7045


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


أظنني لا أختلف عن نسبة مرتفعة من التونسيين في متابعتي للأحداث التي تخصّ الوطن كل يوم أو لأقل كل ساعة، بفضل الوسائط المتعدّدة والعديدة التي لا تنفكّ تنهال الأخبار منها. إلّا أنّي أظنُّني أختلف عنهم في نفس الوقت في تحديد مسار قطار الوطن وسرعته ومحطّاته ونقطة وصوله. لأن من بين هؤلاء المتابعين حتما ما كان سببا في ما سيأتي من صورٍ لقطار الوطن هذا.

فبعد ما يربو عن مائة يوم من عمل هذه الحكومة، أحَاوِل في هذا التّحليل أن أتوخّى الموضوعيّة في تحديد مسار بلدي، المسارُ الذي لا أعتبر تقييمه يعتمد على تلك المائة يوم التي مضت، بقدر ما اعتبرُ أنّ تلك الفترة إنّما هي تراكمٌ سياسيّ على فترة الحكومة التي سبقتها، والتي أحدثها ما يسمّي بــ "التوافق" الناتج عن "الحوار الوطني" الذي لا أزال أعتبره الانقلاب الأبيض الذي حدث بالبلاد وقتها.

ولأنّ الأمر في كل وطن لا يستتبّ ولا يطيبُ سوى في اقتصاد متماسك، وسياسة عادلة ناجعة، واجتماع رحيم، وثقافة بنّاءة، فإنّي سأريكم صور القطار الخاصّة لهذه المجالات لتتعرّفوا معي إلى أين نحن سائرون...

فالصورة الأولى تعكس لأوّل وهلة ضعفا في السّياسة العامّة للوطن... ارتباكا ملحوظا في السلطة التنفيذية، وشللا في السلطة التشريعية، وغيابا عن المسؤولية في السلطة القضائية. صورةٌ قِوامُها تنفيذٌ يتشارك فيه رئيس هرمٌ يتندّر خصومه بنومه و بغيابه الملحوظ، و بزلّاته التي أضحى عددها أكثر من عدد سنين عمره وهو الذي عاصر الحرب العالمية الثانية، مع حكومة يغلب عليها الضعف، وارتجالٌ لعلّه يرجع أصلا إلى اختيار رئيسها القائم أساسا على أن يكون تابعا لرئيس الحزب الفائز في الانتخابات، فكان أن أوتِيَ بضعيف لموقع قوة. ولكم في ما أقول أمثلة عديدة أذكر منها ذكرا لا حصرا، ما تعيشه الخارجيّةُ من ارتباك بين وزيرها ورئيسها، خاصة في الملف الليبي، وما جناه اصطفافهما الإيديولوجي مع الطّرف الانقلابي وفلول ذلك البلد الذي تدعمه دولة الإمارات "الشقيقة" من عدائيات كانت البلد في غنًى عنها. هذا إذا ما غفلنا عن شطحات الوزير في مواضيع مضحكة جلبت له التّندّر،كإلغاء خانة جهاد النكاح في طلبات السفر إلى تركيا، وإلغاء الفيزا إلى عديد الدول الإفريقية، الدّولُ التي لا يزورها سوى عدد قليل من التونسيين لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

كذلك الارتجال فيما ظهر من تخصيص مشاريع وطنيّة لجهات تُصنَّفُ محضوضة عوض تخصيصها للجهات المصنّفة محرومة، كالاعتمادات الرّياضية الهامّة لجهة المنستير، الجهة التي ينتمي إليها الوزير. أو المستشفى الذي أعلن عن بعثة في إقليم تونس الكبرى، في الوقت الذي تفتقر فيه عديد الجهات الدّاخلية إلى أدنى مرفق صحّي محترم. الأمر الذي أجّج - مع غيره- شعورَ الغبنِ، و ولَّد حالة احتقان تفجّرت بعضها في عديد المناطق المهمّشة طبعا، كالفوّار وبن قردان و قابس، و التي لا يختلف وطنيٌّ صادق معها في مشروعيّة مطالبها.

و صورة أخرى تعكس مرور مائة يوم زاد فيها الاقتصاد نموّه نحو الأسفل، ممّا ينذر بالكارثة على حدّ تعبير أحد الشرفاء من الاقتصاديين الذي لا ينتمي طبعا للقائمة الطويلة منهم، من الذين كانوا يَمدُّون وجوههم كلّ يوم زمن الترويكا في المنابر الإعلاميّة النّوفمبريّة والانقلابيّة ، يُطبِّلون ويتباكون الاقتصاد و تراجعه، و هو الذي كان بأحسن حالٍ من حاله في الصّورة، وها أنّي لم أعد أراهم اليوم فيها، رغم أن المصيبة أعمق والمشكلة أشدّ، ممّا لا يقطع مجالا للشّك عندي بأنّهم كانوا مرتزقة يُؤتَى بهم ضمن أجندة سياسيّة انقلابيّة واضحة. فنسبة النمو الحالية لم تتجاوز 1.7 في المائة، النسبة التي لم تصلها البلاد منذ الأيام الأولى بعد الثورة. نسبة كانت القيادات الحزبية الفائزة في الانتخابات الأخيرة تعدُ بأنّ لديها من الكفاءات لقيادة أربعة بلدان كتونس بنسبة نمو أكثر انحدارا منها والنهوض بها سريعا.

صورة وضعية اقتصاديّة حرجةٌ، زاد عليها ما اكتشفه التونسيّون عبر إعلامهم البديل، من حجم سرقة مهول لثرواتهم الباطنية المنجميّة والطبيعية، حيث يتابع المرء الدراسات ذات السمعة العالمية التي تصدر هنا وهناك لتؤكّد على أن البلاد حُبلى بثروات بتروليَّةٍ هامّة. مثل متابعته للعدد الهائل للشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط، في نفس الوقت الذي يسمع فيه ومنذ سبعين سنة تلك العبارات القائلة بأن ثروة البلاد منحصرة فقط في أبنائها و في "مادّتهم الشخمة" و هذه العبارة يقصد بها هنا في بلدي الدماغ. ليفرض السؤال نفسه عليه إذا كانت البلاد فقيرة باطنيّا ونفطيّا، فماذا تفعل أكثر من أربعمائة شركة بترولية أجنبية بين ظهرانيها؟؟؟

كذلك...و من الصور التي التقطتُّها في ختام المائة يوم من عمل الحكومة، ذاك التعثّر التشريعيّ، خاصة في المواد المستعجلة، وفي إصدار القوانين التي تُحلُّ بإصدارها عديد المشاكل القطاعية الخاصة بكل وزارة، وبكلّ مجال من مجالات حياة المواطنين. وقد تستغرب قارئي من تحميلي مسؤولية التعطيل هذا على الحكومة، وهي خاصة بالسلطة التشريعية، إلاّ أنّي أدرك أنّ الجماعة الحاكمة في الحكومة، هي نفسها الحاكمة في البرلمان، وهي نفسها الجماعة الحاكمة في الرئاسة. الجماعة التي زاد في ضعف مردودها، ما يسمعه ويراه التونسيون كلّ فترة من مُشادّات كلاميّة ومناكفات شخصيّة فيما بينها في أعلى هرم السلطة. الشيء الذي ولّد لديهم نقطة استفهام كبيرة، بكبر الوطن، عن الحجم الحقيقي للحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة دون شيخه، ومدى التزام قياداته بخطّه السياسيّ وبوعوده الانتخابية.

الصورة التي تُخفي صورة أخرى لا تقّل أهمّيّة عنها، تلك التي أظهرت إعادتهم لرموز المخلوع إلى مراكز القرار الإداري والسّياسي والإعلاميّ والأمنيّ. فكلّ المتابعين أصبحوا يشاهدون هذه الأيام بوقا من أبواق المخلوع يُديرُ حواراتٍ تلفزيَّة، مثل ما تابعوا كيف يمثلهم في الولايات المتحدة الأمريكية من كان يختار النمور والقرود لصهر المخلوع، ويتابعون عودة رموز القضاء الذين أبعدتهم إجراءات ثورية بعد الثورة إلى صدر المشهد، ويتابعون عودة قيادات أمنيّة عزلتها الثورة إلى مناصبها، ممّا بعث عن فقدان أمل في من وراءهم من قيادات سياسية وبرامج سياسية ووعود سياسية.

فقدان أملٍ قد يشعر به المواطن العاديُّ إذا ما رأى الصورة الموالية، وهي تلك الأخبار المُربِكة من خطفٍ لتونسيين في ليبيا - ملعب فشل الخارجية – و زلاّت بروتوكولية أصبحت متكرّرة وعديدة لرئيسهم، وفتح مجال لجمعيات تنادي بالشذوذ الجنسي وبالسّحاق تحت يافطة حرّية الأحوال الشخصية. هذه الأحوال التي لا يزال عديد التونسيين يرزحون تحت ظلم المجلة التي تُنظّمها لهم. حيث تقابل المُناداة بالرجوع إلى الهويّة بإجراءات تغريبيّة، لا تمُتُّ لمجتمعنا ولا لدين مجتمعنا المنصوص عليه دستوريا بأي صلة.

صورٌ التقطتُّها بتريُّثٍ، وقرأتها بألمٍ، وتأمّلتها بحزنٍ، وسأحفظها في أرشيف فكري بأمل في أن يقيّض اللّه لهذا الوطن قيادات، سواء من هذه التي تقود أو من غيرها، لتسير به نحو الرّقيّ والنّمو المطّرد في ما يرضي اللّه والعباد، لتتحقّق هناك...السّعادة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، بقايا فرنسا، حكومة النداء، حكومة الصيد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 26-05-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي عبد العال، د- جابر قميحة، سيد السباعي، محمد يحي، محمد العيادي، أحمد النعيمي، مراد قميزة، د. عبد الآله المالكي، إيمى الأشقر، المولدي الفرجاني، رضا الدبّابي، عراق المطيري، د - المنجي الكعبي، حاتم الصولي، الهيثم زعفان، سلوى المغربي، محمود طرشوبي، رافع القارصي، سعود السبعاني، طلال قسومي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، د - الضاوي خوالدية، أنس الشابي، أشرف إبراهيم حجاج، صلاح الحريري، خبَّاب بن مروان الحمد، حميدة الطيلوش، د. طارق عبد الحليم، عبد الله الفقير، سليمان أحمد أبو ستة، محرر "بوابتي"، عبد الله زيدان، حسن عثمان، د. أحمد بشير، د - محمد بنيعيش، صفاء العراقي، رشيد السيد أحمد، مجدى داود، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، رمضان حينوني، سلام الشماع، خالد الجاف ، محمد اسعد بيوض التميمي، كريم السليتي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الغني مزوز، د - عادل رضا، د. مصطفى يوسف اللداوي، جاسم الرصيف، فهمي شراب، د. خالد الطراولي ، كريم فارق، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد عمر غرس الله، سفيان عبد الكافي، الهادي المثلوثي، سامح لطف الله، حسن الطرابلسي، فتحي الزغل، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ياسين أحمد، يزيد بن الحسين، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفى منيغ، رافد العزاوي، محمود سلطان، أحمد ملحم، محمد أحمد عزوز، العادل السمعلي، منجي باكير، يحيي البوليني، محمد شمام ، أبو سمية، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، علي الكاش، نادية سعد، تونسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صالح النعامي ، إياد محمود حسين ، د- محمد رحال، أ.د. مصطفى رجب، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، د. صلاح عودة الله ، سامر أبو رمان ، د- هاني ابوالفتوح، وائل بنجدو، الناصر الرقيق، ضحى عبد الرحمن، صفاء العربي، د - صالح المازقي، د.محمد فتحي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، عمر غازي، محمد الطرابلسي، فتحـي قاره بيبـان، د - مصطفى فهمي، عزيز العرباوي، صباح الموسوي ، إسراء أبو رمان، فتحي العابد، محمد الياسين، عمار غيلوفي، د- محمود علي عريقات، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود فاروق سيد شعبان، فوزي مسعود ، أحمد بوادي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء