فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6692
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
... و عندما نظرت إلى عمليّات تصنّف "إرهابيّة" توزّعت جغرافيّا على مناطق متباعدة في العالم ، و توزّعت تاريخيّا على أكثر من مائة سنة، رأيتُ أنّها تشترك في أركان و مميّزات ثابتة، مهما يكن مكان وقوعها أو سببه أو طريقة تنفيذها. مميّزات يخصّ أحدها العمليّة نفسها و يخصّ الآخر دافعها.
فالمميّزات الّتي تخصّ العمليّة هي في نظري "السرعة" و "محدوديّة المجال" و"الفجئيّة" و"التّخفّي".
فخاصّيّة السّرعة تظهر جليًّا في ما تتّصف به تلك العمليّات من الخطف في مقياس الزّمن، بحيث لا تكون ممتدّة عليه، لتستغرق شهورا أو أياما أو حتّى ساعات عديدة مثلا، بل يكون زمن وقوعها دقائق أو ثواني أو أكثر من ذلك بقليل.
أمّا محدوديّة المجال، فالقصد منه أن تكون العمليّة مستهدِفَةٌ لمكان بعينه، أو لمصلحة بعينها، أو لشخص أو لأشخاص بعينهم، فلا يمتدّ مجالها على رقعة واسعة من الأرض . و قد سجّل التّاريخ هنا، أنّ منفّذين لعمليّاّت "إرهابيّة " أرادوها منتشرة على مجال جغرافيّ واسع، قد التجأوا إلى تنفيذ عمليّات عديدة في نفس الوقت في أمكنة مختلفة ليضمنوا اتّساع مجال تأثيرها. ممّا يجعلها تصنّف عمليّات عديدة تأخذ صفة الاستقلاليّة عن بعضها البعض، لا عمليّة واحدة في مجال جغرافيّ ممتدّ.
و ثالث ميزات تلك العمليّات ميزة "الفجئيّة"، الميزة الّتي تجعل التّكهّن بها، و بمكان وقوعها و بزمانه، أمر غير ممكن. فكلّ العمليّات تحدث بلا إشارات مسبّقة لحدوثها، أو علامات تعلن عن تنفيذها، و عنصر "الفجئيّة" هذا، لا يتعارض مع تلك التّحذيرات الّتي تصدرها بعض الدّول من حدوث عمليّات هنا أو هناك. لأنّ التّنبّؤ، هو نتاج عمل استخباراتيّ يعتمد على الوشاية، و ربط أحداث و تحرّكات يعلمون مسبقا بأنّها تشابه إلى درجة ما تلك الّتي يستعملها منفّذون بعينهم في عمليّاتهم، و الّتي تكون معروفة لديهم بحكم تكرارها. و المعلوم أنّ تلك التّحذيرات لم تنجح في صدّ معظم العمليّات التي وقعت، رغم علميّتها و اعتمادها على معلومات و أساليب تصنّف حديثةً، ممّا يؤكّد ميزة "الفجئيّة" الّتي صنّفتُ بها هذه العمليّات.
أمّا الميزة الأخيرة لتلك العمليات فهي "التّخفّي" عند تنفيذها. فجلّ مخطّطيها و منفّذيها لا يعلنون عن أنفسهم، و عمّا سيقومون به قبل قيامهم به. و ذلك لأنّهم يُدركون أنّهم سيحاصرون و سيطاردون في الجهة المصنّفة عدوّة لهم. فهم يخطّطون في سرّية تامّة، و يتوجّهون إلى مكان العمليّة في سرّيّة تامّة، أو ينفّذون عمليّاتهم عن بعد في سريّة تامّة كذلك . إلاّ أنّ هذه الميزة تختلف حسب نوع العمليّة نفسها، و هو موضوع سأورده له مجالا خاصّا به. ففي حين تشترك فيها كلّ العمليّات قبل وقوعها زمن ضربتها إلاّ أنّها تحضر في نوع منها، و تغيب في نوع آخر. فمتى كانت الجهة المنفّذة تنتقم من عدوها، فإنّها تعلن عن نفسها بعد تنفيذها للعمليّة، و متى كانت الجهة المنفّذة تريد نشر فوضى لتهيمن على واقع معيّنٍ، فإنّها لا تعلن عن نفسها أبدا، بل يمكن أن لا يقع كشفها و اكتشافها إلّا بعد عقودٍ و سنواتٍ ضمن اعتراف ما، أو تسريب وثائق مثلًا أو محاكمة بعد فوات الأوان.
و هذه الدّوافع هي التي ستكون محور تحليل الجزء القادم بإذن الله، فإلى اللقاء.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: