وائل بنجدو - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6456
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تمثل حركات الإسلام السياسي بمختلف تفريعاتها التعبيرة السياسية الأوضح للثورة المضادة منذ اندلاع الانتفاضات العربية في تونس . و قد أصبح الخطر الذي تمثله هذه الحركات يصل حد تهديد الوجود المادي للأمة العربية عبر ممارساتها المتوحِّشة المعادية لكل أشكال الحضارة الإنسانيِّة من تفجيرات إرهابيِّة و إغتيالات و سبي للنساء و التهجير القصري للسكَّان و تسليط العقوبات الجسدية المستخرجة من زمن الرعب كالصلب و الجلد و قطع الأيادي و الرؤوس . و بسبب هذه الممارسات وصلت المأساة العربية إلى ذروتها فترى السوريِّين يهربون من سوريا و العراقيين يهربون من العراق و الليبيِّين يهربون من ليبيا . هذا المشهد العربي المفزع لم نعشه منذ تهجير الفلسطينيين سنة 1948 و سينتهي خلال بضع سنوات إلى تغيير الخارطة الجغرافية و السياسية للمنطقة و نشوء كيانات و بلدان جديدة ( و هو ما يحصل الآن ) . كما ستصل إلى السلطة جماعات و أشخاص و أحزاب معادية عداءً أكثر فجاجة مما هي عليه اليوم للمضطهدين و رافضة لكل القيم الحداثة التي راكمتها الإنسانية عبر قرون .
في خضم هذا المخاض العسير الذي يعيشه الوطن العربي فإنه على كل الثوريين و التقدميين الإضطلاع بمهام جسيمة لتجاوز الواقع المظلم الذي يحاصرنا و مواجهة الحركات و التنظيمات الإسلامية الإرهابية التي تجتاح المنطقة . و حتى تُكلَّل هذه المعركة بالنصر فإنها يجب أن تُخاض على عدة جبهات .
لنبدأ من معادلة بسيطة : كل من يحمل السلاح ضد الأوطان و الشعوب يجب أن يواجه بالسلاح ، فليست المقالات و الكتب و القصائد هي من ستقضي على هاته المجموعات و مثلما يقول أنجلز و ماركس في كتاب الإديولوجيا الألمانية ‘ ليس النقد هو القوة القائدة للتاريخ بل الثورة ‘ .
لكن في المقابل السلاح الأعمى الذي لا يهتدي بنور الفكر الثوري و التقدمي هو سلاح للقتل و ليس للتحرير و قد تأكد عجزه عن تحقيق النصر على الرجعية . فعلى سبيل المثال بالرغم من التضييق على الحركات السلفية و الإسلامية خلال فترة لا بأس بها من حكم بن علي فإنهم عادوا بقوة بعد سقوطه إثر إنتفاضة 17 ديسمبر و ظهر على السطح ما كان راكدا في القاع . و كذلك في سوريا تبيَّن أن للإسلاميين إمتدادهم الشعبي رغم الحصار و الملاحقة التي فرضها النظام السوري عليهم خاصة منذ الأحداث الدامية التي تسببوا بها في حماة سنة 1982 (كان حُكم الإنتساب للإخوان المسلمين في سوريا الإعدام ) . و هو ما يحيلنا على جبهة مهمّة في مواجهة الإسلام السياسي وقع إهمالها و هي الجبهة الثقافية و الفكرية . فَفي هذا الظلام الدي يحاصرنا يضاهي البعد الثقافي في النضال أهمِّية الكفاح السلاح لأنه يهدف إلى خلق شعلة تنير درب الجماهير التي لا يود لها الأعداء أن ترى النور. من هنا فإن تعرية الإسلام السياسي عبر تقويض أسسه الفكريَّة تعدُّ من أوكد المهمات المطروحة على الثوريين و فضح العداء الذي يكنه الإسلاميون بجميع تفرُّعاتهم للديمقراطية و للمرأة و للفكر التقدمي بصفة عامة . و في هذا الصدد يقول المفكر التونسي العفيف الأخضر في بحثه ـــ الشعبوية الأصولية : من أين و إلى أين، صفحة 115 ـــ : ‘ يرى راشد الغنوشي في مقالة ‘برنامج الفلسفة و جيل الضياع’ ( مجلة المعرفة العدد 10 سنة 1973 ) أن تدريس ماركس ، فرويد و سارتر في برنامج الفلسفة بتونس كارثة على الأجيال الناشئة . أما مهزلة المهازل في نظره فهي برنامج الفلسفة الإسلامية الذي يبث بعض آراء المعتزلة ، ابن رشد ، ابن سينا و الأشعري بدلا من أراء إقبال ، المودودي ، الندوى ، البنَّا، محمد و سيد قطب و مالك بن نبي ، خاتما مقاله : ‘ لذا فإني أقترح أن يوارى التراب على هذه المشكلات الزائفة و كفانا ما أحدثته في تاريخنا من اضطراب و فتن و حروب ‘.
إن نقد الإسلام السياسي و مرجعياته الفكرية يفترض دراسة الظاهرة الدينية ـــ التي تمثل ركيزته ـــ دراسة موضوعية جريئة ، و تسعى سعيا حثيثا ليطال التفكير عديد السواكن و المسلمات في المجتمع العربي لأنه كلما إنحسرت دائرة المقدس إلاَّ و حقق العقل قفزات إلى الأمام في إتجاه تحرير الإنسان . و إذا كانت هذه المهمة قد إضطلعت بها البورجوازية ـــ و إن بشكل محدود ـــ في الدول الرأسمالية فإنها في دول الأطراف ـــ و منها الوطن العربي ـــ مهمة المثقفين الثوريين الذين يمثلون تطلعات الكادحين نحو التحرر و الإنعتاق .
تجد الجماهير في الدين عزاء لهم و تعويضا عن البؤس التي تعانيه و يمثل الإسلام السياسي الإجابة السهلة للكثير من المسحوقين عن أسباب معاناتها و تمردها ضد واقعها و كما يقول سمير أمين ‘ ظهور الحركات التي تنتسب للإسلام هو في واقع الأمر التعبير عن التمرد العنيف ضد النتائج السلبية للرأسمالية القائمة فعلاً، وضد الحداثة غير المكتملة والمشوهة والمضللة التي تصاحبها.’ و من هذا المنطلق فإن مواجهة الإرهاب الإسلامي يتطلب مواجهة الأنظمة العميلة في الوطن العربي و النضال من أجل بناء العالم الإشتراكي على أنقاض العالم الرأسمالي المتوحش . إنها جبهة أخرى في غاية الأهمية : ‘الجبهة الإقتصادية ‘ وهي مكملة للجبهتين السابقتين(العسكرية و الثقافية) في هذه المعركة المفتوحة على كل الإحتمالات مع الإسلاميين . هذا النضال الإقتصادي يجب خوضه على مستويين رئيسيين :
ـــ الأول : النضال من أجل تحسين الظروف المعاشية بالنسبة للجماهير لأن هذه التيارات كثرا ما تراهن على المهمشين و المعطلين و المفقرين ذلك أن ‘الإنسان عندما يعيش حياة بائسة فإنه يفكر تفكيرا بائسا ‘ (Don Deschamps- Le vrai systeme).
ـــ الثاني : فضح العلاقة الوثيقة بين الرأسمال العالمي و الإسلام السياسي حيث أن كلاهما ينظِّر للصراع بين الحضارات بديلا عن الصراع الطبقي و التناقض بين البلدان الإمبريالية و الأطراف المهيمن عليها . أضف إلى ذلك تقديس الإسلاميين للملكية الخاصة و تخريبهم للوعي الطبقي و الإنحراف به عبر مفاهيمهم الرجعية كالتسليم للقضاء و القدر والتسليم بواقع التفاوت الإجتماعي و الطبقي بين الناس و الصَّبر على الظلم و الإستبداد أملا في جنة السماء . ذلك هو الإسلام السياسي : إنه تيار للخضوع و التسليم و ليس تيارا للتقدم و التحرير.
و خلافا لما يعتقده كثيرون عن إمكانية تقسيم الإسلاميين إلى معتدلين ومتطرفين فإن للإسلام السياسي نفس الغايات و الأهداف رغم إختلاف تكتيكاتهم و وسائلهم و هم ينهلون من نفس المرجعية الفكرية المتحجرة لابن تيمية و سيد قطب . و بالتالي فإن مقاومة الإرهاب هي في نهاية الأمر مقاومة للإسلام السياسي في كلِّيته .
إن مواجهة المجموعات الظلامية و إرهابها هي مواجهة شاملة تخوضها أساسا القوى الثورية التي تحمل بديلا إقتصاديا إشتراكيا و ترفع راية الفكر التقدمي الذي يساهم في إعادة بناء الإنسان العربي المتحرر من شوائب الإقطاعية و الأفكار الغيبية في نظرته لنفسه و للعالم ، و هي القوى التي تؤمن قولا و فعلا أن البندقية هي السبيل للحرية .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: