الجمع ما بين القائمة والأفراد لتشكيل البرلمان: الشعب يرتب القوائم وليس الأحزاب
سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6718
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن التصور الفلسفي السياسي داخل منظومة الحوكمة المفتوحة التشاركية ذات البيانات المتاحة في بحثها عن حلول مجدية وفعالة وجديدة ومبتكرة تكرس فيها سلطة حقيقية للشعب من خلال تفعيل دور المواطن بتطوير تأثيره المباشر في حكم البلاد من موقعه، يقتضي تجميع كل ايجابيات طرق الانتخاب المتعارف عليها، سواء عبر القائمة، او عبر الأفراد، ومحاولة تجاوز سلبياتها.
حيث ان اهم مشكلة في نظام القوائم هو الترتيب المفروض على الشعب من طرف القوى السياسية، وأما منظومة الاقتراع على الأفراد فهي تدمر حركة التنظم القانوني المدني.
يفترض في ممثل الشعب ان يكون مؤهلا وله كل المقومات العلمية والتكوينية التي تؤهله ليقوم بمهامه على احسن وجه، اذ نحن نتحدث عن تكوين النائب وتأهيله داخل هذه المنظومة العلمية، وضرورة ان يكون ممثلا لجهته الترابية، يعيش ويقيم فيها، ليكون ملامسا عن قرب لمشاغل جهته.
فإعداد قائمة برلمانية في دائرة ما سواء حزبية او مستقلة، اجبارا يكون مكونوها مقيمين بأقدمية في الجهات الترابية المختلفة والمكونة لهذه الدائرة.
فالجهات السياسية تختار من يمثلها من تلك المناطق الترابية لتشكل قائمة وتترك امر الترتيب للشعب من خلال التصويت، ليكون لكل مشارك في قائمة حظوظ متساوية مع رفيقه في القائمة لشغل مقعد في البرلمان وكذلك متساوون في الخسارة، باعتبار ان عدد الأصوات التي سيتحصل عليها كل فرد لصالح قائمته في منطقته ستحدد ترتيبه في القائمة.
تقسيم البلاد إلى دوائر انتخابية كما هو معمول به، والدائرة الإنتخابية هي مجموعة من المقاعد لمنطقة ترابية على حسب عدد سكانها اعتمادا على الإحصاء السكاني وقيمة المقعد في البرلمان.
لجنة الانتخابات المتكفلة بهذه الدائرة تحدد جغرافيا على حسب العدد السكاني حدود المقاعد ، اي المقعد الأول يمثل المعتمدية الف وباء، والمقعد الثاني المعتمدية جيم ودال، وهكذا، اي كانها تصنع دوائر مصغرة داخل الدائرة وكأنها في انتخابات على الأفراد، وتضبط ارقام الصناديق ومراكز الاقتراع لأي مقعد ينتمون او دائرة صغيرة في الدائرة الكبرى.
يقدم الأحزاب والمستقلون قوائمهم المشتملة على افراد بحسب مقاعد هذه الدائرة موضحة كل فرد لأي دائرة صغيرة ينتمي، والمقياس هو الإقامة بالأقدمية في المنطقة الترابية المحددة لحدود المقعد.
رغم التمثيل الجغرافي المحدد للمترشح إلا ان العمل الانتخابي والحملات تكون جماعية، اي ببرنامج الحزب الموحد على صعيد الدائرة وحتى الوطني او البرنامج المستقل للقائمات المستقلة باعتبار ان الدوائر الصغيرة هي جزء لا يتجزأ من الدائرة الكبرى، بمعنى آخر، المعتمديات هي عناصر الولايات ولهذا يكون العمل جماعيا بتمثيل عام وعادل للعناصر المكونة (وهي المعتمديات) من اجل الصالح العام (وهي الولاية).
العمل بنظام القوائم في تشكيل البرلمان اضمن وأحسن لأن البرلمان يمتلك التشريع العام للبلاد والتقرير التنموي الشامل العام من خلال ضبط الميزانية، حتى نحافظ على تعادلية وتنمية عامة متوازنة ما بين الجهات بعيدا عن سياسة الإفتكاك.
تجرى الانتخابات على القوائم، ويقع الفرز، تضبط الأصوات الصحيحة المصرح بها، وتقسم على عدد المقاعد في الدائرة، ليعرف عدد الأصوات الموجبة لمقعد واحد في البرلمان، بنفس الطريقة المعهودة في توزيع المقاعد على القائمات باستعمال النسبية واكبر البقايا، وتضبط بالتالي احقية المقاعد لكل قائمة.
يأتي الفكر الإبداعي والتجديدي للمنظومة في هذه المرحلة، حيث تترك للقوى السياسية اختيار ممثليها في قوائم وتترك للشعب ترتيب الممثلين، وانها تقف في موقع نضج وحكمة لأن المنظومة تخالف الأصوات الداعية الي حرمان الأحزاب من اختيار ممثليها فيصبح التنظم السياسي لا معنى له، وتتصدى الي دكتاتورية القوى السياسية بان تسحب منهم احقية الترتيب وفرض الأسماء، وهذا لعمري من ركائز التعادلية التي تُبقى القوى فاعلة ومتوازنة ولا تسلط واحد على الأخر ولتمنع تحول العمل السياسي الي عمل رعواني.
هنا يكمن سر وقوة المنظومة التشاركية المفتوحة، وهو ان القوائم تعرف عدد مقاعدها المستحقة في البرلمان ولكن لا تعرف من سيكون في البرلمان من قائماتها، حيث ان تسمية المقاعد على اصحابها يعتمد على ما حصّل كل واحد لفائدة قامته في منطقته التي يمثلها.
فالترتيب تضعه لجنة الإنتخاب بالنظر الي ما جمع كل فرد في منطقته التي يمثلها للقائمة التي هو فيها في دائرتة المصغرة.
بعد النظر في الأصوات لكل قائمة داخل دائرة مصغرة واحتساب صناديقها، يوضع ترتيب الأشخاص في القائمة التي يمثلوها والذي اعطى وأنتج هذا الترتيب هو المواطن، وبالتالي نكون قد اعطينا المواطن فعله وقدره وتأثيره بان فرض ترتيب الأشخاص ولم تفرض عليه القوى السياسية اشخاصا مرتبة فاقتسم الشعب والقوى السياسية الأمر بينهم كل يتحكم في ناحية.
تعلن الهيئة المستقلة للانتخاب الترتيب داخل القوائم، ويفوز الأوائل بالمقاعد المخصصة للقوائم حسب تلك الدائرة بنفس الطريقة المعهودة في التوزيع، واذا ما استقال احد او مات يمر الى الذي يليه.
رغم ان للمنظومة التشاركية تنظيرا اكبر من هذا واعقد، ولكن بحكم المرحلة الانتقالية وعدم اكتمال النضج السياسي تكتفي المنظومة في هذه الفترة بهذا المستوى ولا تمر الى التفرع المعقد في تقسيم المقاعد على حسب الانتماء الترابي تحت قاعدة من يأخذ المقعد يلغي منافسه في نفس الرقعة الترابية، لأنه اكثر تعقيدا، والحياة السياسية حاليا لا تحتمل هذا في هذه الفترة الإنتقالية، وقد نصلها عندما تتركز الآليات المناسبة، وليس هذا فحسب، بل تطمح المنظومة الي التحول نحو التمثيل المدفوع ليفوز حزب واحد بالقيادة ويحصل على النسبة الدافعة حتى يتمكن من تنفيذ رؤيته التنموية وحتى تحمى الحكومات من التحولات التحالفية اذا كانت الكتل تشكل الحكومة وخاصة وان النظام البرلماني هو المسيطر في دستور تونس.
ولكن في هذا المستوى الآني نكتفي بإلغاء الترتيب المسبق المفروض من القوى السياسية في القائمات ونحول هذا الحكم للشعب، ولأننا نؤمن بأن النائب يجب ان يكون من نفس الرقعة الترابية فإذا ما اثمر هذا الترتيب اشخاصا من نفس الرقعة الترابية اي الدائرة المصغرة يمر الأقل اصواتا الى اقرب دائرة جغرافية له لم يصعد منها احد من مثليها للبرلمان، ففي كل الأحوال يكون من نفس الدائرة الموسعة، ليكون في علاقة مباشرة مع الشعب لأننا نعتبر ان النائب لابد ان يكون في عمل وتواصل دائم مع الشعب من خلال اجبارية فتح المكاتب على الرقع الترابية التي يمثلها ليبقى في اتصال دائم ومباشر مع المواطنين لينقل مشاغل السكان للسلطة وللتعامل مع ممثلي السلط المحلية الرقابية والسلط الجهوية.
الجميل في هذا اننا نلغي المشاركة الصورية في الإنتخابات لمتذيلي القائمات في المنظومة المعمول بها، ونلغي سيطرة الزعامات وتكرر نفس الوجوه في البرلمان، وتتاح فرصة حقيقية وجدية للجيل السياسي الصاعد وخاصة الشباب منهم ليجد نفسه في مراتب متقدمة في السلطة والقرار السياسي وهذه تعطيه مزيدا من التطور والخبرة وتصنع منه مستقبل سياسي ناجح، وكما تقي الأحزاب من سيطرة الشخصيات التي لا تتنحى الا بالموت وتكون عثرة امام القوى الشبابية الصاعدة باحتكارها الأبدي للمسئولية.
ورغم ذلك، ورغم كل هذه الإجراءات نرى دوما ان سيادة الشعب وقراره في خطر بحكم التلاعب السياسي من طرف الحاكم والمعارضة، ولأن الشعار في المنظومة هو الضمان قبل الإئتمان، فلابد من توفير ضامن قوي للشعب يكون فيتو اما كل القوى السياسية من معارضة او قوى حاكمة يستعملها الشعب ليتصدى ويردع كل من يحاول ان يتلاعب بإرادته او رده الي الدكتاتورية وإرساء الفساد، وهنا نرى ضرورة ان تصاحب كل انتخابات قائمة الفيتو السوداء، التي اذا اراد الشعب ان يعاقب به القوى السياسية ويخرجها يستعملها في ألاقتراع، وينجر عنها اقصاء كل القوى السياسية المشاركة في الانتخابات شكل مباشر او غير مباشر وإجبار القيادة الحالية للإنسحاب وصعود قيادات جديدة، فلابد من اعطاء الشعب اداة حقيقية لتحصين ارادته وحريته وثورته، فان مقاطعة الإنتخابات هو عمل جبان وضعيف وسالب للإرادة واستسلام لتيار الفساد السياسي.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: