الناصر الرقيق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7543
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
رحل أنيس و ترك وراءه عائلته الصغيرة التي كانت مسيطرة على كلّ تفكيره حين بدأ بنشر ملفّات الفساد داخل إدارة الملكية العقارية،
ربّما لم يأت أنيس بجديد حين تحدّث عن مافيات الفساد لأنّ جميعنا يعلم ذلك لكنّه على خلافنا فقد إمتلك الشجاعة ليصرّح بذلك علنا، نعم فقد قررّ أنيس فضح مافيا تدليس العقود و الإستحواذ على العقارات دون وجه حقّ و لم يكن يخشى التهديدات عكس الكثير منّا الذين يصمتون أمام هذه المجموعات الإجرامية خوفا من عواقب الكلام.
لم ترعبه تهديداتهم لأنّه كان واثقا ممّا يقوم به، إذ كيف لا يستحي السارق حين يسرق و أصمت أنا على قول الحقّ، هكذا كان يفكّر أنيس حين إختار أن يواجه تلك العصابات المافيوزية.
حصلت المواجهة و أستنجد أنيس ببعض أصدقاءه لنصرته كان يحسّ أنّ أجله قد إقترب هكذا هي قلوب الرجال لا تخش الموت لكنّها تستشعر النهاية فترتفع دقّاتها ليس خوفا من الفراق بل ألما على وطن سيبقى مستباحا حين تتوقّف قلوب أبناءه الشرفاء عن الخفقان بفعل " مفكّ براغي " سرعان ما تكشف النيابة العمومية الموقّرة أنّه صُنِعَ في الصين و نحن أهل الضحيّة ننتظر أن يأتينا خبر القبض على القاتل الذي سيكون حتما مختلّا عقليّا إذا ما قُبِضَ عليه، حتّى لو كان كذلك رغم أنّنا لم نصدّق لن يشفي غليلنا سوى الدمّ.
دم عزيزنا مقابل دمه و لن نقبل الديّة، و نقولها للجميع دم أنيس في رقابكم كما دماء إخوانه الذين ضحّوا بأرواحهم من أجل هذا الوطن، أنيس كان ثائرا في صمت مثله مثل الكثير من الأبناء الشرعيين لهذا الشعب المسكين لم نشاهده في القنوات و لم يحكي لنا قصصا و روايات عن بطولات مزعومة في تحدّي النظام المقبور و أزلامه الماكثين بين ظهرانينا بل كان شَعْبًا لوحده يدافع عن مصالح شعبه، لم يكن أنانيّا، بل فاق في كرمه حاتم الطائي فإن كان الأخير قد قدّم فرسه لضيوفه جودا و كرما فإنّ أنيس قدّم حياته كقربان لشعبه المكلوم في ثورته و ثروته.
أبناء تونس ثاروا من أجل أنيس يريدون القصاص من القتلة لكن رغم ذلك فإنّ رؤساء تحرير نشرات الأخبار في مختلف وسائل الإعلام لم يبالوا بكلّ ما حدث، فحتّى حدث القتل و إزهاق نفس بشريّة لم يحز على إهتمامهم و لو من باب الإنسانية، ففي نشرات أخبار قناتنا الوطنيّة إفتراضا التي تفتها الأحداث في كلّ بقاع الأرض سمعنا كلّ أنواع الأخبار...جبّة الوزيرة، برونس الوزيرة، " كحّة " الوزيرة، " توالات " الوزيرة، " روبة " بنت عمّة الوزيرة...لكن لم نسمع عن أنيس و لو ترضية للخواطر.
هكذا هم لا يبالون بدمائنا و لا يهتمّون لموتنا و من يدري فربّما كانت ألسنتهم تنطق سرّا " يستاهل آش لزّوا "...فتخيّلوا مثلا لو كان أنيس واحدا من أفراد مافيا العقارات التي تحدّث عنها، عندها سيطلقون عليه لقب الشهيد النّظيف و ستقام له المنابر لتحليل ما تعرّض له و كنّا سنشاهد نقلا مباشرا لمواكب العزاء التي ستقام له و قِسْ على ذلك من تلك السينما التي ألفناها في كلّ مرّة تكن لهم مصلحة أو تحقيق منفعة من وراء موت أحدهم، دم أنيس لا يصلح للترويج الإعلامي لأنّه ببساطة لا يحققّ مكاسب سياسويّة رخيصة لهذا غاب كلّ تجّار الدم عن موكب عزاءه و لم نشاهدهم يتباكون و يقدّمون التحايا لروحه الطاهرة، رحل إذن أنيس طاهرا كما عاش و الحمد لله أنّ جنازته لم تدنّس من قبل أدعياء ردّ الحقوق لأصحابها لكن السؤال الذي يطرح هل ترك أنيس وراءه رجال كما كان يتمنّى...رحم الله أنيس و رزق أهله صبر أيّوب و تحيّة من أعماق القلب لأمّه و لزوجته الصابرة و أهديهما و لتونس هذه الكلمات على لسان أنيس رحمه الله رحمة واسعة :
لو لم أكن ذاك
ما جعلت الفؤاد يهواك
ألست من أسهرت عيني
و طابت للقياك
ألست من سكنت القلب
و أخذته معاك
فرغم الجنب منك يجانبني
فإنّ الروح تشتاق للقاك
فالودّ منك غالي
و كلّ غال يهون فداك
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: