أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6981
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تلهث العديد من الأحزاب والشخصيات التي تصنِّف نفسها مستقلة من أجل التقرب من حزب حركة النهضة وزعيمها الأبدي منذ التأسيس علّها تحوز رضاه الذي تعتقد أنه سبيل التجديد والعودة إلى مجلس 23 أكتوبر أو هو مفتاح الولوج إلى المناصب العليا بعد أن تمّ إفراغها من أي صلاحية كرئاستي الجمهورية والبرلمان المفترض، هذا الوهم الذي انتشر انتشار النار في الهشيم يصدر عن قصور معرفي بالحركة من ناحية وعن طمع مفضوح كما يقول المثل العامي البليغ: "طامع في العسل من..." من ناحية ثانية.
فمن الناحية المعرفية نقول إن حزب الحركة يصدر في كل مواقفه عن ثوابت لم تتغير منذ تأسيسه هي نفسها اليوم وستبقى هي ذاتها غدا، ومن الخطأ أن يتعامل المرء مع هذا التنظيم دون أن يضع في اعتباره هذه الثوابت التي هي برنامجه وأداته أيا كانت تسميته كأن يكون الجماعة الإسلامية أو حركة الاتجاه الإسلامي أو حركة النهضة أو حزب حركة النهضة، هذه الثوابت والقواعد والأصول نجدها مبثوثة في ثنايا بيانات وتصريحات وكتابات رأس الحركة ونجدها كذلك عند المتابعة الدقيقة لخط السير السياسي والتعامل مع الآخرين.
ورغم مرور الحركة بتجارب متعدّدة كان من المفروض أن تترك آثارها وتتفاعل معها نجدها تعود بعد غياب 20 سنة حاملة معها نفس الثوابت كأن الزمن لم يتغير، والعجيب حقا أن الذين يقدِّمون أنفسهم خصوما لها البارحة واليوم لم يستوعبوا هم أيضا الدروس من خيباتهم المتكرّرة فتجدهم اليوم وبإصرار عجيب يجارونها في كلّ ما تذهب إليه بِوهم دفعها إلى أن تصبح حركة مدنية وحتى بِوهم شق صفوفها بمساندتهم الموهومة لِمَن اعتقدوا خطأ أنهم حمائم، ليس للحركة من هدف سوى تغيير النمط المجتمعي الذي ارتضاه التونسيون، وفي سبيل ذلك أجازت لنفسها الكذب والالتفاف والتراجع والتحريف والغدر والاستكانة في حالة الضعف والبطش في حالة القوة وإنشاء الأجهزة الموازية.
تصدر الحركة في تعاملها مع الآخرين عن جملة من القواعد التي لا تحيد عنها ولا تعلنها بل تضمرها ولكنها تظهر في لحظات الانفعال لديهم:
1) التكفير والإصرار على استعماله في الخلافات السياسية ومن ثم لا حوار مع المخالفين وليس أمامهم إلا واحد من اثنين إما السيف أو قبول الدعوة، فاحميدة النيفر نائب أميرهم في فترة من الفترات، وهو الذي يُقدّم اليوم داعية للتسامح والاعتدال يعتبر أن مخالفيه لا يمثلون سوى الاختيار الصفر والخارج الثقافي وهي صيغة لغويّة مخفّفة للتكفير في حين يمثل غيرهم من دعاة الخلط بين الدين والسياسة الوفاء التاريخي(1)، إن كان هذا قول المعتدل فيهم فكيف هو حال من يدعو إلى سحل الناس في الشوارع وتقطيع الأوصال من خلاف ويهدّد بسيل من الدماء المسفوح؟.
2) لم تف هذه الحركة طوال حياتها بأي التزام وحتى ما تمضيه قيادتها ينسحب عليه هذا الموقف العام الذي يمثل لديها آلية للتفصي من أي تعهّد والأمثلة كثيرة أبرزها الالتزام بمدّة سنة واحدة لإعداد الدستور الذي أمضاه رئيس حزب الحركة مع غيره من الأحزاب بعد أحداث 14 جانفي في حفل طبّلت له وسائل الاعلام واللجنة طويلة الذيل لابن عاشور ولكن الغنوشي نكص عن الوفاء بإمضائه فيما بعد، والبيان الفضيحة لـ 18 أكتوبر الشهير الذي تعهّدت فيه الحركة باحترام المواثيق الدولية ومجلة الأحوال الشخصية ومدنيّة الدولة والمساواة بين الجنسين... ولكنها ارتكست عن كل ذلك بعد انتخابات 23 أكتوبر وذهبت حتى إلى اقتراح قوانين مناقضة كتلك التي تتعلق بالأوقاف والمساجد والتكامل وغيرهما وللعلم فقد أمضى هذا البيان الفضيحة عن النهضة علي العريض رئيس الحكومة المؤقتة الثانية بعد انتخابات 23 أكتوبر(2).
3) في العمل السياسي قد تلجأ بعض الأطراف إلى التحالف كسرا للجمود السياسي إذا تقاربت نسب الأصوات، ويبدو ذلك من خلال آلية التحالف الذي يضمر اختلافا في المواقف أو التحليل أو الأهداف، والمتأمل فيما عليه حزب حركة النهضة منذ تأسيسه يلحظ أنه وإن التقى مع بعض الأطراف السياسية في أزمان مختلفة إلا أنه سرعان ما يتنكر لتعهداته لأنه لا يؤمن بالتحالف والسبب في ذلك يعود إلى أن الحركة لا تعترف إلا بما يقع داخل الساحة الإسلامية ولا تتعامل إلا مع المنتسبين إلى تلك الساحة، يقول راشد الغنوشي في رسالة له نشرها باسم معاذ الصابر: "فالاختلاف.... يغدو مهدّدا لوحدة البشرية وسلامها بالتمزق والدمار إذا لم يلتزم بالإطار العام للإسلام وهو يتألف من أصول الدين.... وهي جملة عقائده وتشريعاته وقيَمه ممّا هو صريح معلوم من الدين بالضرورة.... والمتشابه وهو ما التبس معناه فيُردّ إلى الراسخين في العلم"(3) والمستفاد ممّا ذكر أن الذين يتوجّه إليهم الكاتب بالحديث هم الذين يشتركون معه في الإيمان بالثوابت وردّ المتشابه إلى الراسخين في العلم أمّا غيرهم من مواطنيه الذين يخالفونه الرأي فالاختلاف معهم مهدّد لوحدة البشرية ومؤذن بالتمزق والدمار، بعد كل هذا هل يجوز التحالف أو حتى مجرّد الالتقاء مع من يهدّد وحدة البشرية؟ هذا الكلام يقوله علي بلحاج الذي يصنف في خانة التطرف والسلفية الغالية في رسالة له عن التحالف يقول: "ليس من شروط نصرة المظلوم أو الأخذ على يد الظالم أو التآخي في جنب الله تبارك وتعالى أو التعاون على البرّ والتقوى إبرام تحالفات ما للقيام بذلك، بل الواجب الشرعي بنصوص القرآن والسنة وما جرى عليه السلف الصالح القيام بذلك دون حلف أو تحالف.... ولذلك علينا نحن معشر المسلمين أينما كنا أن ننصر بعضنا بعضا وأن نكون يدا واحدة على من سوانا وإن اختلفنا في بعض القضايا الفقهية ممّا لم يضعف فيها الخلاف، وممّا لا يتعلق بأصول العقيدة الإسلامية الصحيحة أو بثوابت الشرع وقواطع الإسلام العظيم"(4)، أمّا ما حدث بعد انتخابات 23 أكتوبر من الإيهام بوجود تحالف بين حزب الحركة والكائنين المُشوَّهين المؤتمر والتكتل والدعاية التي صاحبت ذلك بالقول إنه لقاء بين إسلاميين وعلمانيين فقد ثبت أنه تحالف مغشوش تتعدّد فيه الأسماء والمضمون نفسه شبيه بإشهار ثلاثة في واحد أي أن حزب الحركة الذي لا يؤمن بالتحالف أصلا هو الذي يخطط وما على الإثنين إلا الموافقة والتنفيذ والتبرير، الأمر الذي يعني أن ما سُمِّي ترويكا ليس إلا نصبا واحتيالا سَرق فيه الثالوث أصوات المواطنين في غفلة منهم.
4) تلويث الحياة السياسية وذلك بالحضّ على إنشاء الأحزاب وتوليدها من بعضها البعض بهدف تشتيت الأصوات المنافسة، ولأن حزب الحركة متيقن أن كتلته الانتخابية التي لا تتجاوز 17 في المائة ستصوّت له اتجه إلى الإكثار من هذه الكائنات المشوّهة وقد وصل الأمر إلى حدود خرق القانون عند إسناد الرخص كما حصل مع حزب التحرير، هذا التوليد القسري باشره علي العريض أيام كان في السلطة بهدف إرباك المواطن وتشتيت انتباهه وافتعال الخيارات المعروضة أمامه حتى ينجح التُـبَّـع والأذيال في الانتخابات، خصوصا لمّا نضع في الاعتبار أن الذين لم يحدّدوا مآل أصواتهم عددهم معتبر، علما بأن هذا النوع من الحركات والجمعيات التي تشكل حزاما حول حزب الحركة وتدور في فلكه من بين أهدافها التي خلقت لأجلها تشويش الرؤية وخلط الأولويات والانحراف بأيّ حوار إلى متاهات كتلك التي عشناها فيما سُمِّي الحوار الوطني، ومن النوادر أن حزبا حديثا من هذا النوع وُعد أمينه العام بوزارة ثم أعارته الحركة نائبا نهضويا من مجلس 23 أكتوبر ليتمكن من حضور الجلسات ويؤدّى الدور الذي كلفه به حزب الحركة تشويشا واعتراضا إلا أنه لم يحصل على الوزارة رغم اجتهاده في تبرير ما لا يبرّر.
5) الاستعراض وهو القتل دون السؤال عن حال المقتول ودون ذنب أو جريرة وقد استمدته التنظيمات الإرهابية جميعها من فرقة الأزارقة التي وصل بها التطرّف إلى حدود إجازتهم قتل أطفال المسلمين بدعوى ارتداد الآباء، والمتأمل فيما حدث في بلادنا منذ تولي ما يسمى حزب حركة النهضة الحكم يلحظ أن الاستعراض أصبح حرفة لدى التنظيمات الدينية باختلاف مسمياتها، فقد ذُبح الخيرة من شبابنا جنودا وأعوان أمن واغتيل الخيرة من مناضلينا كشكري بلعيد والبراهمي ونقض وابن المفتي كما استُهدفت عيون شبابنا في سليانة بالرش المحرّم دوليا قال الغنوشي: "وعلى كل فرد من الأمة أن يعمل للخلاص منه لأن وجوده على رئاسة الدولة يؤدي بحدّ ذاته إلى الفتنة حتى لو كان ذلك عن طريق الاستعراض أي القتل غيلة"(5) لم يقف الأمر عند حدود التحريض على القتل بل تجاوز ذلك إلى تبرير وجود الأجهزة السرية المكلفة بتصفية الخصوم، ففي مقال له قال الغنوشي: "ويبدو أن ما يطلق عليه اليوم بلجنة الخميني وهي القائمة على حراسة النظام والتصدي لأعداء الثورة من اليساريين وملاحقة أنصار النظام السابق هو صورة من صُوَر الجهاز السري للإمام وكما كان للخميني تنظيمه السري كان للبنا كذلك"(6).
أما بالنسبة للمنتسبين لحزب الحركة فقد عمل هذا الأخير على محاصرتهم وسدّ كل منافذ التفكير الحرّ في وجوههم وذلك بتحريضهم ودعوتهم إلى قراءة نوعية محدّدة من الكتب لمؤلفين بعينهم حيث يتصدّر القائمة سيد قطب الذي اختار له الغنوشي نصوصا من ظلاله سمّاها "من أجل تحرير الفعالية القرآنية" ونشرها بعد أن قدّم لها، كما نجد في القائمة أسماء أخرى من بينها محمد قطب وعماد الدين خليل والمودودي والندوي ومالك بن نبي وغيرهم دون أن ننسى كتابات قادة تنظيم الإخوان المسلمين كالبنا وعبد القادر عودة ومحمد الغزالي والقرضاوي، ولم تغفل الحركة منذ تأسيسها أن توجد لنفسها دار نشر خاصة كان اسمها دار الراية ثم تغيرت الأسماء فيما بعد لتصبح الزيتونة أو السنابل أو الجديد وغيرها، هذه الدور دأبت على نشر الكتيبات الصغيرة المؤدلجة والرخيصة الثمن، واللافت للانتباه أن الحركة لم تتوقف عند هذه الحدود بل تجاوزتها إلى مصادرة الكتب المناوئة ففي سنة 1977 صدرت الطبعة الأولى من كتاب "حسن البنا، متى... كيف... ولماذا؟" للدكتور رفعت السعيد وهو دراسة تاريخية تناولت الدَّوْر الذي لعبه حسن البنا في تأسيس الأجهزة السرية والتنظيمات الخاصة وقد وصل الكتاب للتوزيع في معرض الكتاب في تونس، فخلال سنة 1982 لاحظت أن بعض الملتحين سارعوا منذ الدقائق الأولى إلى جمع الكتاب واقتنائه من موزِّعه وهو ما يؤكد أن الحركة مستعدة للقيام بأي شيء لمنع أعضائها من الاطلاع على كتابات ناقدة أو مخالفة لما هي عليه، بعد ذلك بسنوات كتب الجورشي الذي كان أيامها قياديا ولا يمكن وصفه بمعاداة الإسلاميين ما يلي: "حتى أن البعض دفعه الحرص للحيلولة دون تسرب الشك في الثوابت إلى أن يُصدر أمرا بجمع كل نسخ كتاب حسن البنا، متى... كيف... ولماذا؟ لرفعت السعيد الموجودة بالسوق وإتلافها حتى لا تصل إلى أيدي الملتزمين فتفسد أمرهم"(7)، فمن لا يثق في منتسبيه إلى حدود التوجيه والمنع والمحاصرة هل يمكن أن يستسيغ حوارا أو اختلافا أو نقاشا أو تحالفا؟.
ذاك هو أسلوب حزب الحركة وتلك هي ثوابته مع الآخرين ومع أتباعه، فمن كانت له عينان فليتأمل.
------------
الهوامش
1) انظر في ذلك الافتتاحية التي كتبها احميدة النيفر تحت عنوان "بين الوفاء التاريخي والاختيار الصفر" المنشورة في مجلة 15/21 العدد الثالث المؤرّخ في شهر فيفري 1983 ص12 وما بعدها ردًّا على مقال لي عنوانه "هل هناك يسار إسلامي" نشر في جريدة الطريق الجديد العدد63 بتاريخ 25 ديسمبر 1982، وفي العدد77 من الطريق الجديد بتاريخ 26 مارس 1983 نشرت تعقيبا مطوّلا تحت عنوان "بين الاختيار الثوري والوفاء الصفر".
2) مقال "حركة النهضة ترتد عن التزاماتها وتستهدف حقوق النساء" لحمّة الهمامي، جريدة المغرب بتاريخ 8 أوت 2012.
3) "حق الاختلاف وواجب وحدة الصف" جوان 1983 ص14 و15.
4) "فصل التخالف في قضية التحالف" لعلي بلحاج، نشر دار العقاب، بيروت 1993، ص18 و19.
5) "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" لراشد الغنوشي، نشر مركز دراسات الوحدة العربية لبنان، ص184.
6) مقال "قادة الحركة الإسلامية المعاصرة، البنا ـ المودودي ـ الخميني" في مجلة المعرفة، العدد4، السنة5، ص18.
7) "الحركة الإسلامية في الدوّامة، حوار حول فكر سيد قطب" إعداد وتعليق صلاح الدين الجورشي، دار البراق للنشر، تونس 1985، ص74.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
8-05-2014 / 21:06:40 أنس
ما كتب الغنوشي في ثمانينات القرن الماضي يطبقه اليوم وهو في السلطة ثم لا أفتش عن رضا أي كان ونقول للسيد فوزي رجاء أفدنا إن كان للحركة جديد على مستوى الكتابة والنشر وإن كان لديها ما يخالف هذا الذي كتبنا.
8-05-2014 / 13:57:30 فوزي
مقال خارج الزمن
يبقي سؤال لو يجيبنا عنه الكاتب، وهو هل يعرف اننا في سنة 2014 وليس ثمانينات القرن العشرين، لان مايستشهد به الكاتب كله من فترة السبعينات
مثل هذا المقال يعطي صورة سلبية عن كاتبه واعداء الحركة الاسلامية عموما، ويصورهم انهم يعيشون خارج الزمن، وان عدم استشهاد الكاتب بماهو جديد دليل ان الحركة انما تخلت عما تهاجم به منذ عقود، لعدم توفره اذ لو توفر لاعتمده الكاتب
8-05-2014 / 21:06:40 أنس