أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9448
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وبعد أن استلم حزب حركة النهضة وتابعاها الحكم عرف الوطن حالة من السّفه في التصرف في مقدرات الوطن لا تختلف عن النهب المنظم إلا في التسمية، حيث اختلست خيرات الوطن وذهبت إلى غير مستحقيها، أثقلت الميزانية بآلاف التعيينات الحزبية في المواقع السياسية والإدارية فعرفنا جيشا جرّارا من الوزراء وكتاب الدولة والمستشارين الذين أثبتوا جدارة لا يحسدون عليها في العجز عن التسيير، وعرفنا مجلسا انتقل بقدرة قادر من كتابة الدستور إلى التشريع للتعويضات والأوقاف والزكاة ومُغِّطت مدته من سنة واحدة إلى أن يرث ربك الأرض وما عليها إن قدروا على ذلك، كلّ هذا بجانب القرارات الخاطئة المبنيّة على الجهل والحسابات الحزبية الضيقة الأمر الذي أدى إلى فرار حزب الحركة بجلده من السقوط الذي توفرت أسبابه وبانت وهو الحزب الذي قاد البلاد إلى حالة من الإفلاس لم نعرفها طوال تاريخنا إلا في فترة اثنين من أسوأ وأردأ وأفسد من تولى الحكم في القرن التاسع عشر مصطفى خزندار ومصطفى بن إسماعيل الذين سرقا واختلسا ورهنا مستقبل الوطن لدى المؤسّسات المالية الأجنبية الأمر الذي أدى إلى إنشاء الكوميسيون المالي ودخول الاستعمار، في بدايات القرن الحادي والعشرين يعيش الأحفاد نفس الظروف التي عاشها أسلافهم في عهد حكومتين مؤقتتين لحزب غدر بناخبيه وحلفائه والمتعاطفين معه وأصدقائه في الداخل والخارج بالكذب المصمّت الذي لم يعد يصدقه أحد.
ما جرني إلى هذا الكلام هو حالة الخراب التي نعيشها وحالة الإفلاس البادية في الأفق إن تواصل الحال ولأني بعد بحث طويل عمّا يمكن أن أساهم به لإنقاذ الوطن لم أجد إلا تقديم الأدلة الشرعية على ضرورة الإمساك عن أداء فريضة الحج هذا العام في إطار شدّ الأحزمة على البطون، وليعلم مؤمنونا ومواطنونا الذين صوّتوا لحزب الحركة عن حسن نية باعتبارهم يخافون الله أن ما تعّرض له الدين الحنيف والشرع العزيز في هاتين السنتين يحتاج إلى أسفار لتدوينه إذ انتهكوا حرمات المساجد ويحاولون الآن سرقة الزكاة من المؤمنين بسعيهم إلى وضع قوانين ما أنزل الله بها من سلطان وداسوا حرمات أضرحة الأولياء والمقابر أما فريضة الجهاد فقد أصبحت تحريضا على النكاح وذبحا لخلق الله وتنكيلا بهم والعلوم والفنون أصبحت كفرا وحشرت مؤسّساتنا البحثية والجامعية بالساقطين في تعليمهم المتخرجين من السجون، اليوم لا مندوحة لنا عن الإسراع بمعالجة ما أفسد الذين قال في حقهم تعالى:"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ"(1).
نقول وعلى الله الاتكال يلحظ الناظر في كتب الفقه الأصلية أنها جميعها إن تناولت فعلا تعبديا فإنها لا تتناوله إلا من جهة تعلقه بالفرد الواحد وكيفية إتيانه والشروط الواجب توفرها فيه دون أن يكون لذلك أي مدخل في أثر الفعل على مجموع الأفراد، لذا ذهب العديد إلى القول بأن الفقه الإسلامي هو فقه أفراد لا جماعات وهم محقون في وصفهم لأن حقوق الجماعة وواجباتها غائبة كمباحث مفصّلة ولكنها حاضرة في القواعد العامة التي استنبطها الفقهاء وحاضرة كذلك في الشروط التي وضعوها لتحكم تصرّف الإنسان الذي بصلاحه يصلح حال المجتمع كما يقولون، هذا المعنى حرّره الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في قوله:"لم يبق للشك مجال يخالج به نفس الناظر من أن أهمّ مقصد للشريعة من التشريع انتظام أمر الأمّة وجلب المصالح إليها ودفع الضرّ والفساد عنها، وقد استشعر الفقهاء في الدين كلهم هذا المعنى في خصوص صلاح الأفراد ولم يتطرّقوا إلى بيانه وإثباته في صالح المجموع العام، ولكنهم لا ينكر أحد منهم أنه إذا كان صلاح حال الأفراد وانتظام أمورهم مقصد الشريعة فإن صلاح أحوال المجموع وانتظام أمر الجامعة أسمى وأعظم، وهل يقصد إصلاح البعض إلا لأجل إصلاح الكلّ، بل وهل يتركب من الأجزاء الصالحة إلا مركب صالح وهل ينبت الخطيّ إلا وشيجُه"(2) .
من نافلة القول أن العديد من المسائل والقضايا التي بحثها الفقهاء ومحّصوها قد عفى عليها الزمان ولم تعد أحكامهم وفتاواهم صالحة اليوم لتغيّر الأوضاع والظروف الزمنية والمكانية بحيث لا مناص لنا من إعادة النظر فيما نصّوا عليه حتى تتلاءم أحكام الشرع مع واقع الحال وحتى لا يكون الشرع متقاعدا عن وصف المستجدات والدفع بها إلى تحقيق المصالح التي هي لبّ الشريعة ومقصود الشارع في كل أوامره ونواهيه، ضمن هذا الإطار دعا روّاد النهضة إلى فتح باب الاجتهاد وحملوا على أولئك الذين تجمّدت عقولهم وتكلست نفوسهم وأحكموا على الناس طوق الجهل والجهالة فسدّوا باب الاجتهاد وأحكموا إغلاقه ورغم أن عهود الظلام طالت فإننا لم نعدم فقهاء كانت لهم صولات وجولات رفعوا فيها من شأن العقل ودعوا إلى النظر في الأحكام بعين المصلحة التي هي المقصد الأسمى للشارع قال الزرقاني (ت 1710م) في شرحه لموطأ الإمام مالك:"ولا غرو في تبعية الأحكام للأحوال"(3) وقال الأفغاني:"وتتبدل الأحكام بتبدل الزمان"(4).
اليوم والأمة مهدّدة في وجودها حيث تكاتفت عليها قوى البغي والشرّ لمنعها من الأخذ بعوامل التقدم وأسباب الرقي، اليوم وبلادنا تتعرّض لمخاطر جسيمة قد تؤدي إلى الإفلاس حيث بلغ العجز التجاري حوالي التسعة مليار دينار بعد أن كان في السنة الماضية في نفس الفترة حوالي سبعة فاصل خمسة مليار دينار وهو مبلغ مهول يعني أن أبناءنا وأحفادنا يولدون وهم مدانون للبنوك والقوى المالية الأجنبية بما فعل السفهاء منا، فحتى نحدّ من الأخطار وحتى نحافظ على استقلالية قرارنا لا مندوحة لنا عن التفاني في العمل ولا مجال للاختيار بين شدّ الأحزمة على البطون أو تركها تنفلت لتأتي على الأخضر واليابس.
من موقع الاختصاص وشعورا منا بواجبنا تجاه وطننا وأمتنا نقول فرض الله تعالى الحجّ مرّة في العمر وقد ذهب الفقهاء المعتبرون إلى أن هذا الوجوب ليس على الفور بل هو وجوب مُوَسّع على التراخي أي أنه يبقى في الذمة دَيْنا إلى أن تتوفر الظروف المساعدة على أدائه قال الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور:"وذهب جمهور العلماء إلى أنه على التراخي وهو الصحيح من مذهب مالك ورواية ابن نافع وأشهب عنه وهو قول الشافعي وأبي يوسف واحتج الشافعي بأن الحجّ فُرض قبل حجّ النبي صلى الله عليه وسلم بسنين فلو كان على الفور لما أخّره ولو أخّره لِعُذر لبيّنه أي لأنه قدوة للناس"(5) وبيّن ممّا ذكر أنه لا حرج في تأخير الحجّ، واشترط لوجوبه الاستطاعة، وقد تناول الفقهاء هذا الشرط بالبحث والتمحيص فقالوا إن الاستطاعة الموجبة للحج هي القدرة على الوصول إلى مكة وتتم:
أ) بقوة البدن وتوفر الصحة المعينة على تحمّل مشاق السفر.
ب) وجود الزاد وهو أن يجد الحاج ما يكفيه ويكفي عياله حتى يرجع.
ج) السبيل وهو الطريق المسلوكة ويشترط فيها الأمن فإذا غلب على الظن حصول المكروه سقط الوجوب وفي البحر تفصيل يخرج عن نطاق بحثنا.
بعد كل هذا تتبادر إلى الذهن ملاحظتان هامتان:
أولاهما أن الفقهاء تناولوا الاستطاعة حال انطباقها على الفرد فاستجابوا بذلك لِما عليه مجتمعاتهم وهي مجتمعات مفتوحة تغيب فيها الحدود التي نعرفها اليوم ولا تقوم فيها الدولة إلا بدَوْرَيْن دور عسكري يستهدف بسط السيادة وحمايتها ودَوْر مالي لا يتعدى جباية الجزية والخراج دون أن يكون لها مدخل في توجيه النشاطات الاقتصادية والمالية والاشراف عليها كما هو الحال اليوم.
وثانيتهما أن الفقهاء لما بحثوا شرط الاستطاعة يسّروا قدر ما وسعهم الجهد حتى لا يكون الحج مجلبة للمشقة ومدخلا للعنت فقد عقد الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه المقاصد فصلا كاملا عنوانه "ليست الشريعة بنكاية".
إذا وضعنا في الاعتبار أن:
1) الاستطاعة اليوم لم تعد تتناول الأفراد فقط بل إن معناها ينصرف شئنا أو أبينا إلى المجموعة نظرا لتعقد مسالك الحياة وترابط المؤسّسات وتداخل المصالح الفردية والجماعية وتشابك العلاقات الدولية وتأثير كل ذلك على مصالح الأمة من حيث هي مجموعة أفراد مناعتهم بمناعتها وقوتهم بقوتها، والمتأمل في العوامل المساعدة على أداء هذه الشعيرة يلحظ بجلاء أنها تلامس قطاعات ومؤسّسات متعددة منها ما هو رسمي ومنها ما هو خاص لتنتقل بذلك الاستطاعة من حالتها الفردية إلى حالتها الجماعية التي تشمل البنك المركزي والبنوك الفرعية ومؤسّسات الأسفار وشركات الطيران ووزارات الداخلية والخارجية لذا وجب النظر إلى الاستطاعة اليوم ضمن مفهوم أشمل وأوسع.
2) أداء فريضة الحج يتكلف على الميزانية العامة للدولة بمبالغ مهولة من العملة الصعبة وهي العملة التي نستصرخ للحصول عليها عن طريق السياحة حتى نوفر بها مستلزمات الحياة ممّا يجب استيراده من الخارج ومن الأجدر تخصيص هذه المبالغ لِما يحفظ بيضة الأمة ويخفف عنها غلواء التداين والارتهان إلى الأجنبي.
3) سلامة الوطن وحمايته والعمل على توفير الضروريات هي أولى الأولويات بحيث نحتاج اليوم إلى التصرّف الحكيم الذي يمكننا من استغلال كل القدرات المتاحة أو التي ستتاح فيما ينفع الناس ويردّ عنهم غوائل الدهر من تآمر الأعداء والفقر والمرض والبطالة قال العز بن عبد السلام في فصل عنوانه في المشاق الموجبة للتخفيفات:"الضرب الثاني مشقة تنفك عنها العبادة غالبا وهي أنواع، النوع الأول مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأطراف، فهذه مشقة موجبة للتخفيف والترخيص لأن حفظ المُهج والأطراف لإقامة مصالح الدارين أولى من تعريضها للفوات بعبادة أو عبادات ثم تفوت أمثالها"(6) وأي مشقة أعظم من تعريض الوطن إلى المخاطر والمهالك.
4) المصلحة العامة هي الأصل والتضحية بالمصلحة الخاصة أمر جائز عند الضرورة قال الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في تعريفه للمصلحة العامة بأنها:"ما فيه صلاح عموم الأمة أو الجمهور ولا التفات منه إلى أحوال الأفراد إلا من حيث إنهم أجزاء من مجموع الأمة"(7) وقال كذلك:"فلو فرض أن الصلاح الفردي قد يحصل منه عند الاجتماع فساد فإن ذلك الصلاح يذهب أدراجا ويكون كما لو هبت الرياح فأطفأت سراجا"(8) أما ابن نجيم فقد لخص المسألة كلها بتفريعاتها في قوله:"يُتَحَمَّلُ الضرر الخاص لأجل دفع الضرر العام"(9) الأمر الذي يعني أنه على المؤمنين أن يتحملوا إرجاء شعيرة الحج دفعا لِما يمكن أن تتعرّض له الأمة من مشقة.
5) حق العبد مقدّم على حق الشرع كما يقول الفقهاء، إذ كلما تعارضت الأحكام الشرعية مع مصالح المكلفين إلا وقدّمت هذه الأخيرة لأن المقصود من الشرع هو حفظ الجماعة وتمكينها ممّا ينظم حالها ويؤدي بها إلى القوة والمناعة، وقد عقد العز بن عبد السلام فصلا في المسألة عنوانه فيما يُقدّم من حقوق العباد على حق الربّ رفقا بهم في دنياهم، جاء فيه:"ومنها ترك الصلاة والصيام وكل حق يجب لله على الفور بالإلجاء أو الإكراه"(10) وقال خاتمة المحققين ابن عابدين (ت1836م):"قوله لتقدّم حق العبد أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود وفيها حق العبد يبدأ بحق العبد لِما قلنا ولأنه ما من شيء إلا ولله تعالى فيه حق فلو تقدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان وأمّا قوله عليه الصلاة والسلام فدين الله أحقّ فالظاهر أنه أحقّ من جهة التعظيم لا من جهة التقديم"(11).
6) في الحالات غير العادية لضرورة عامة مؤقتة يجوز التصرّف في الأحكام الشرعية بالتقديم أو بالتأخير أو بالمنع المؤقت بحسب ما يقتضي الحال، قال الشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور في شرحه للمسألة:"وذلك أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها تستدعي إباحة الفعل الممنوع شرعا لتحقيق مقصد شرعي مثل سلامة الأمة وإبقاء قوّتها أو نحو ذلك..... ولا شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتبار الضرورة الخاصة وإنها تقتضي تغييرا للأحكام الشرعية المقرّرة للأحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة"(12).
7) نصّ الأصوليون على قاعدة فقهية جليلة هي درء المفاسد أولى من جلب المصالح وهي قاعدة يقع الاستئناس بها عند تعارض المصالح والمفاسد يقول ابن نجيم:"فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة قُدِّم دفع المفسدة غالبا لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشدّ من اعتنائه بالمأمورات.... ومن ثمّ جاز ترك الواجب دفعا للمشقة ولم يسامح في الإقدام على المنهيات خصوصا الكبائر"(13) وفي الموضوع المبحوث نلحظ أن السماح لمواطنينا بأداء فريضة الحج يؤدّي حتما إلى الإضرار بالاقتصاد وإفساد خطط التنمية وإهدار الثروة العمومية لذا أباح الشرع العزيز أن يقع تأجيل القيام بهذه الشعيرة اتساقا مع القاعدة الأصولية سالفة الذكر.
8) جاء في الفتاوى الهندية:"وإذا كان له منزل يسكنه ويمكنه أن يبيع ويشتري بثمنه منزلا أَدْوَنَ منه ويحجّ بالفضل لم يلزمه ذلك"(14) الأمر الذي يعني أن الفرض يسقط في الحالة التي تصبح فيها الشعيرة تكليفا بما لا يطاق، قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور:"لأن الله تعالى ما شرع التكليف إلا للعمل واستقامة أحوال الخلق فلا يكلفهم ما لا يطيقون فعله"(15) وقال ابن قيم الجوزية:"فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجَوْر وعن الرحمة إلى ضدّها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل"(16).
تأسيسا على ما ذكر أعلاه ندعو مواطنينا إلى رعاية الله في هذا الوطن ونحثهم على الإمساك عن أداء فريضة الحج هذا العام وهم في فعلهم هذا يستجيبون للمقاصد الأساسية للشرع فقد ورد في الأشباه النظائر لابن نجيم:"أما المشقة التي تنفك عنها العبادات غالبا فعلى مراتب الأولى مشقة عظيمة فادحة كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء فهي موجبة للتخفيف وكذا إذا لم يكن للحج طريق إلا من البحر وكان الغالب عدم السلامة لم يجب"(17) وأي مشقة أعظم من أن يكون الوطن مهدّدا، اليوم والوضع على ما هو عليه ليس لنا إلا أن نلجأ إلى تخفيفات الشرع وأوّلها:"تخفيف الإسقاط كإسقاط العبادات عند وجود أعذارها"(18).
ولا التفات لمن يقول بغير هذا لأن شرط الاستطاعة الذي هو شرط وجوب غير متوفر اليوم وهو عذر كاف ليسقط به فرض الحجّ عن عباده مؤقتا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى عزائمه".
--------------
الهوامش
1) سورة البقرة الآيات 8 إلى 13.
2) "مقاصد الشريعة الإسلامية" نشر الشركة التونسية للتوزيع، تونس1978، ص139.
3) " العقيدة والشريعة في الإسلام" لجولد تسيهر، دار الكتاب المصري 1946، ص228.
4) خاطرات جمال الدين الافغاني، دار الحقيقة، ط2، بيروت 1980، ص165.
5) "التحرير والتنوير" 4/24، وبداية المجتهد 1/324 والقوانين الفقهية لابن جزي129.
6) "القواعد الكبرى الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام" للعز بن عبد السلام، تح نزيه كمال حمّاد وعثمان جمعة ضميرية، دار القلم، دمشق 2000، ط1، 2/13 و14.
7) مقاصد الشريعة الإسلامية ص65 و66.
8) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص139.
9) "الأشباه والنظائر" لابن نجيم، تح محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، سوريا 1983، ص96.
10) قواعد الأحكام 1/255.
11) "ردّ المحتار على الدرّ المختار" 2/144.
12) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص125.
13) الأشباه والنظائر، ص99 و100.
14) 1/218.
15) التحرير والتنوير 3/135.
16)"أعلام الموقعين عن ربّ العالمين" تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت دون تاريخ، 3/3.
17) ص91.
18) الأشباه والنظائر ص92.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: