أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6820
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إن أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما باختلاف العلماء
الشاطبي
نصّ الفصل السادس من مشروع الدستور الذي يعدّه مجلس 23 أكتوبر على حرية الضمير وتحجير التكفير وهما العبارتان اللتان أثارتا الأطراف التي تستعمل الدين لتمرير خططها السياسية، ضمن هذا الإطار نشر نصٌّ سُمِّي "فتوى" تحرّم الموافقة على هذا الفصل برمّته بدعوى أنه يشجع على الكفر، وقد نشر هذا النصّ في وسائل الاعلام، واللافت للانتباه أن هذا النوع من "الفتاوى" تكاثر عددها وتناولت مختلف المسائل بعد أحداث 14 جانفي وهو ما أردّه إلى انتشار الرداءة والجهالة وشيوع الاستسهال الذي لم يسلم منه قطاع أو مجال ولنا على ما صدر جملة من الملحوظات تخصّ:
أصحاب "الفتوى"
قُرئَت هذه "الفتوى" بحضور عدد من الأشخاص ممّن لبسوا الجبائب والكبابيس والكشط في إشعار للمتلقّي بأن ما سيُتلى عليهم يحمل شيئا من القداسة الدينية وغاب عن هؤلاء أن الجبة لدينا لا تحمل أي رمزية دينية فهي اللباس التونسي التقليدي يلبسها المواطنون على اختلافهم نجد الطبال يرتديها وكذا الأستاذ والعريس والجالس في المقهى أو الحانة وغيرهما من الأماكن، بعكس اللباس الأزهري المسمّى كاكولة الذي يؤشر على أن مرتديه طالب علم أو مدرّس في الأزهر ولا يلبسها غيرهم، هذه الظاهرة انتشرت خصوصا بعد أحداث 14 جانفي فأصبحنا نشاهد البعض يفتي في التلافز ويتجرّأ على الشرع الحنيف زاده الوحيد جبة وكبوس.
كاتب هذه السطور من عائلة زيتونية أبا عن جدّ درس على أيدي آخر طبقة من شيوخ جامع الزيتونة في معهد ابن شرف (الحي الزيتوني سابقا) وفي كلية الشريعة وأصول الدين ومتابع للحياة الدينية بشكل جيّد نصوصا وشخوصا إلا أنه لم يسمع بأسماء هؤلاء الذين أمضوا ما نحن بصدده إلا بعد أحداث 14 جانفي، فالأصل في الأشياء أن المتصدِّر للفتوى يجب أن يكون معروفا بعلمه وتمكّنه من أصول التشريع وسبق له أن كتب في الموضوع أو ساهم في النقاش حول قضية دينية، إلا أننا في حالتنا هذه لا نجد أيّ واحد من الممضين كتب حرفا واحدا أو نشر رأيا دينيا في مسألة ما أو كان له حضور ملحوظ في المجامع الفقهية أو العلمية، كلهم نكرات لا وجود لهم إلا في الاجتماعات السياسية التي تعقدها ما يسمى "حركة حزب النهضة" ومشتقاتها أو في مظاهراتها، واللافت للنظر أن هذا البيان احتوى على أخطاء حماريّة يعاقب تلميذ الابتدائي إن وقع فيها من بينها:
1) جاء في الفقرة الثانية من البيان قولهم (فإن العلماء والشيوخ والأئمة الممضون أسفله) والصحيح الممضين أسفله لأنها نعت والنعت صفة تتبع المنعوت الذي قبلها في جميع الأحوال والممضين اسم إن العلماء والشيوخ لذا يتوجب أن يكون منصوبا ونصبه بالياء والنون.
2) جاء في الفقرة الثالثة قولهم (كما إن الإسلام) والصحيح كما أن الإسلام، يقول ابن مالك في ألفيته محدّدا أحوال الكسر في إنّ:
فَاكسِر فِي الابْتِدا، وفي بَدْءِ صِلَهْ *** وَحَيْثُ "إنَّ" لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ
أوْ حُكِيَتْ بِالقَوْلِ، أوْ حَلَّتْ مَحَلّْ *** حَالٍ، كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ
وَكَسَرُوا مِنْ بَـعْـــد فِـعْـل عُـلِّـقَا *** بِاللاّمِ، كَاعْـلَـم إنَّه لَـذُو تُـقَى
3) أخطأ معدّو النصّ في كتابة اسم الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور فحذفوا الألف في ابن.
إن كان هذا حالهم مع نصٍّ لا يتجاوز الأسطر المعدودات هل نستثيقهم في تفسير آية أو الاستدلال بحديث فمن لا يحسن اللسان العربي لا يحقُّ له أن يحشر نفسه في قضايا الشرع الحنيف.
ولا تفوتنا الإشارة إلى أن أغلب المساهمين في هذا النص أمضوا البيان باللسان الفرنسي فمن بين عشرين إمضاء نجد 17 إمضاء أعجميا، لو كان هؤلاء يحترمون لغة القرآن وهويّة الأمة أو على دراية بالتشريع وأصوله لمنعوا هذا النوع من الإمضاءات التي تؤشّر على أن أصحابها من الأعاجم الذين لا يميِّزون بين الفتوى الشرعية والعريضة السياسيّة الحزبيّة.
يعلم كل من له إلمام بالشرع الحنيف أن التصدّر للفتوى يستلزم توفر جملة من الشروط العلمية والمعرفية حتى تتطابق الفتوى مع الشرع وفي حالة المجامع العلمية وجب أن يكون أعضاؤها جميعهم ممّن تتوفر فيهم الشروط التي نصّ عليها الشارِع من علم باللغة وبالقرآن وبالسنة وبأسباب النزول ومعرفة بمواطن الاجماع وآيات الأحكام وغيرها ويضيف فضيلة الشيخ المرحوم الدكتور محمد سعاد جلال شروطا أخرى هي المعرفة بـ:"علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد لأن هذه العلوم تتضمن الكشف بصورة مباشرة عن القوانين النفسية والاجتماعية التي هي مدار السلوك الطبيعي للفرد والمجتمع"(1) فهل توفرت هذه الشروط في معدّي "الفتوى" والممضين عليها؟ وهل كان بيانهم الذي سمَّوه "فتوى" يستهدف إرضاء الحاكم أو اختيار الأصلح والأوفق لعباده؟.
حتى يتضخّم عدد الأعاجم الممضين أضاف معدّو النص جملة من الجمعيات كجمعية الأئمة وجمعية العلوم الشرعية وغيرهما والحال أن هذا النوع من الجمعيات مفتوح لكل من هبّ ودبّ بحيث يُقبل انخراط كلّ من رغب في ذلك دون شروط أو محدّدات، كما تحوم شبهات حول الأدوار التي تؤديها هذه الجمعيات فبعضها مُتَّهم بتسفير أبنائنا إلى المحرقة السورية وبعضها الآخر متَّهم بانخراطه وتيسيره سُبل الظهور لتنظيمات صُنفت إرهابية، أمّا تمويلها فلم يتمّ لحدّ الآن تحديد مصادره هل هو داخلي أو خارجي، وما مدى استقلالية هذه الجمعيات والتزامها بقانونها الأساسي الذي بمقتضاه تحصّلت على تأشيرة العمل القانوني؟، علما بأن الوطن اليوم يفتقر إلى الاختصاص الفقهي الذي يؤهّل صاحبه للفتوى إذ لا نجد ممّن تتوفر فيهم هذه الشروط سوى شيخ وحيد تشرفت بالدراسة عليه أمدّ الله في أنفاسه، ولا تفوتنا الإشارة إلى أن من يسمّى اليوم مفتي الجمهورية لا يختلف عن معدّي النصّ في شيء فهو يلهث وراءهم في كل مندبة إذ لم نقرأ له حرفا واحدا، ويعلم القارئ الكريم أن المعرفة تظهر من خلال سبيلين اثنين لا ثالث لهما إمّا الفصاحة في القول أي الخطابة أو الكتابة لأن هذين الإثنين يؤشران على أن صاحب واحد منهما له فكر وعلم وفي حالتنا من لا يكتب لا يمتلك فكرا، أمّا صفة دكتور التي تضاف لهذا الذي يسمّى مفتي الجمهورية فلا ندري لها سببا لأن العادة تقتضي أن ينشر أساتذة الجامعة أطاريحهم إلا إذا تعمّد أصحابها إخفاءها لسبب ما كأن تكون ضعيفة البناء أو مسروقة، وبالعودة إلى ما كنّا بصدده نقول بأننا لم نعرف عن هذا الذي يسمى مفتي الجمهورية إلا أنه كان واعظا طالما حضر ملتقيات الوعّاظ بوصفه مستمعا ويعلم الجميع أن الوعظ لا يؤهل صاحبه لإبداء الرأي في الدين أو غيره لأن مجال حركة الواعظ المعرفية لا تتجاوز النصح والإرشاد دون تعليل، كما أننا سمعنا باسمه ضمن الذين عيّنهم الرئيس السابق أعضاء في مجلس النواب ورغم مَكْرُمَة ابن علي التي نفضت عنه التراب فإنه يتصيّد الفرص للتعريض به وبالزعيم بورقيبة تمسّحا على أعتاب من عيّنوه، في الفترة الأخيرة أتحفنا المذكور باحتلاله مساحة زمنية في التلفزة الوطنية يخبط فيها خبط عشواء صحبة موظفيه بديوان الإفتاء متوهّما أنه البوطي أو الشعراوي، في المجلس الإسلامي الأعلى عُيّن شخص كان محرّرا في مجلة المعرفة التابعة لحركة الاتجاه وقد درّس في كلية الشريعة لفترة إلا أنه كان يكلف بتدريس مواد لا صلة بينها كالفلسفة والتفسير وعلوم القرآن ممّا يؤكّد أنه غير مختص في مجال معرفي محدّد بل كان وجوده سدا لشغورات وقد أصدر هو الآخر بيانا لم نطلع عليه إلا بعد إتمام تحرير هذا المقال وهو الآخر يعج بالأخطاء والفوضى المعرفية قد نعود إليه في مرة قادمة، عن إمام جامع الزيتونة حدّث عن الهرج ولا حرج، أمّا ثالث الثلاثة فهو الوزير الوهابي لشؤون البدو الرحّل الدينية المدعوّ نور الدين بن حسن الخادمي الذي يعدّ أوّل من منع القرآن من التداول في بلد إسلامي بجمعه مصحف الجمهورية من المساجد والجوامع في سابقة لا نظير لها قديما وحديثا في كامل أرجاء العالم الإسلامي، تلك هي الصورة الدينية في بلادنا أناس لا علاقة لهم بالدين العلم والدين المعرفة يتصدّرون المسؤوليات والبرامج التلفزية والإذاعية ويدلون بدلوهم بين الدلاء دون حسيب أو رقيب وقد ذكرني هؤلاء بوصف رائع للإمام الشوكاني عن الذين لا زاد لهم من المعرفة وهم المقلدة من أتباع مذهب فقهي قديما أو مقلدة زماننا من أتباع الأحزاب السياسية حديثا فتراهم "يلبسون الثياب الرفيعة ويديرون على رؤوسهم عمائم كالروابي فإذا نظر العامي أو السلطان أو بعض أعوانه إلى تلك الحلقة البهيميّة المشتملة على العدد الكثير والملبوس الشهير والدفاتر الضخمة لم يبق عنده شك أن شيخ تلك الحلقة ومدرّسها أعلم الناس فيقبل قوله في كل أمر يتعلق بالدين ويؤهّله لكلّ مشكلة ويرجو منه من القيام بالشريعة ما لا يرجوه من العالم على الحقيقة المبرّز في علم الكتاب والسنة وسائر العلوم التي يتوقف فهم المعلمين عليها.... فإذا تكلم عالم من علماء الاجتهاد ـ والحال هذه ـ بشيء يخالف ما يعتقده المقلدة قاموا عليه قومة جاهلية ووافقهم على ذلك أهل الدنيا وأرباب السلطان فإذا قدروا على الإضرار به في بدنه وماله فعلوا ذلك"(2).
مضمون النص
الأصل في الفتاوى أن تستند إلى نص كالقرآن أو الحديث أو الاجماع أو القياس أو غيره ممّا جاء في كتب أصول الفقه كالمصالح المرسلة والاستصحاب وغيرهما غير أن هذا النص جاء خلوا من أي سند شرعي معتبر سوى آية انحرفوا بها عن معناها الأصلي أو فقرة للشيخ محمّد الطاهر ابن عاشور اجتزؤوا منها سطرا وطرحوا الباقي وتفصيل ذلك، ذهب معدّو النص إلى القول بأن من مهام الدولة حماية المعتقد الإسلامي وقد بحثنا عن سند لهذا الذي ذكروا فوجدنا العكس تماما، ففي حديثه عن إصلاح العقيدة يذهب الشيخ ابن عاشور إلى القول:"حاط الإسلام إصلاح العقيدة ودوام إصلاحها بأمرين عظيمين هما التفصيل والتعليل فأما التفصيل فهو بأمور ثلاثة أوّلها بتمام الإيضاح لسائر المسلمين وبإعلان فضائح الضالين في العقيدة على اختلاف ضلالهم والإغلاظ عليهم وبسدّ ذرائع الشرك واجتثاث عروقه.... وأمّا التعليل فذلك باستدعاء العقول إلى الاستدلال على وجود الله وعلى صفاته التي دلّ عليها تنزيهه، وأعظم ذلك، الاستدعاء إلى النظر في النفس وهو أصل الحكمة"(3) وبيّن أن الشيخ في حديثه هذا لا يستدعي الدولة لفرض احترام العقيدة بل ينبه إلى الوسائل التي تتفق مع الشرع لإصلاحها وهي كلها مندرجة في إطار النظر والفكر والتدبر والاستدلال وذلك من خلال "إعلان الفضائح" و"الإغلاظ" وحتى لا تذهب الظنون بالبعض إلى غير ما قصد الشيخ نقول إن الإغلاظ هو التعنيف بشديد الكلام بحيث لا يتحوّل إلى إكراه أو تعنيف مادي من أي جهة دولة كانت أو مؤسّسات، أمّا"سدّ الذرائع" الذي هو الإغلاظ في القول فيستهدف تحقيق المصلحة وذلك ضمن السياق العام لخطاب الشيخ الداعي إلى الحوار والنقاش وعرض الحجة ونقيضها، ويذهب الشيخ في شرحه إلى مزيد التحديد حتى لا يتحوّل سدّ الذرائع إلى سيف مسلط على الأمة يقول:"وممّا يجب التنبيه له في التفقه والاجتهاد في التفرقة بين الغلو في الدين وبين سدّ الذريعة وهي تفرقة دقيقة، فسدّ الذريعة موقعه وجود المفسدة، والغلوّ موقعه المبالغة والإغراق في إلحاق مباح بمأمور أو منهي شرعا أو إتيان عمل شرعي بأشد ممّا أراد به الشارع بدعوى خشية التقصير عن مراد الشارع وهو المسمّى في السنة بالتعمق والتنطع"(4).
أما الفقرة التي استشهد بها معدّو النص فقد اقتطعوها من سياقها واجتزؤوا منها ما يحقق غرضهم في القول بوجوب تدخل الدولة لفرض معتقدات بعينها قال الشيخ:"فحفظ الدين معناه حفظ دين كل أحد من المسلمين أن يدخل عليه ما يفسد اعتقاده وعمله اللاحق بالدين وحفظ الدين بالنسبة لعموم الأمة أي دفع كل ما من شأنه أن ينقض أصول الدين القطعية" عند هذا الحد توقف معدّو النص ولم يكملوا البقية وبما أن البيان يتحدث عن الدولة وموجّه إلى سلطة من سلطاتها يذهب في ظن القارئ أن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور يدعو إلى تدخل السلطة لفرض إيمان بعينه ومحاربة معتقد آخر وهو تزييف وتزوير للحقائق لأن الشيخ ينفي إمكانية ذلك من خلال المزيد من الشرح في قوله:"ويدخل في ذلك حماية البيضة والذب عن الحوزة الإسلامية بإبقاء وسائل تلقي الدين من الأمة حاضرها وآتيها"(5) وهو هنا يحدّد دور الدولة في حماية البيضة والذب عن الحوزة التي تعني لديه:"الدفاع عن الحوزة وحماية البيضة حفظ الأمة الإسلامية من اعتداء عدوّها عليها وحفظ بلاد الإسلام من أن ينتزع عدوّها قطعة منها أو يتسرب إليها"(6) والمستفاد ممّا ذكر أن حفظ الدين لدى الشيخ يعني توفير وسائل التلقي كالتربية والتعليم والتثقيف وليس من مهام الدولة أن تحشر نفسها في علاقة الإنسان بربه.
صدّر أصحاب البيان مقالهم بالقول إن الفكر الغربي يقوم على حرية تغيير الدين والحال أن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان تنص على ضرورة توفر الحرية التي تحفظ للفرد الحق في اختيار العقيدة التي يقتنع بها ويرى أنها الأنسب والأوفق وما التغيير إلا جزء من الحرية ككل التي نصت عليها المواثيق وهكذا يزوِّر أصحاب البيان المفاهيم والأحكام بتعميم حكم الجزء على الكل كما أنهم ما زالوا مصرّين على وهم صنعه القادة القدامى لحركة الإخوان المسلمين الذين لم يتمكنوا من الحياة إلا في ظل اختلاق عدوّ هو الغرب والحال أن هذه التسمية التي هي الغرب سقطت بحكم التطور المعرفي والاتصالي الذي ألغى الحدود ولا يمكن عدّها إلا من الأوهام الرائجة في أوساط الذين يخلطون الدين بالسياسة في هذا المعنى يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور:"فأما الأوهام وهي المعاني التي يخترعها الوهم من نفسه دون أن تصل إليه من شيء محقق في الخارج كتوهّم كثير من الناس أن في الميّت معنى يوجب الخوف منه أو النفور منه عند الخلوة، وهذا الإدراك مركّب من الفعل والانفعال لأن الذهن الواحد نجده في هذا فاعلا ومنفعلا معا فهو يفعل الاختراع ثم يدركه"(7) فسيادة الأوهام على بعض العقول أدّت إلى استسهال تكفير خلق الله دون حجة أو دليل من ذلك قول أصحاب البيان إن تحجير التكفير إسقاط لحكم شرعي، فلو كانوا من أهل الاختصاص أو يمتلكون ولو قدرا ضئيلا من المعرفة بالشرع لما تقوَّلوا على الله زورا وبهتانا ولما خلطوا المسائل بعضها ببعض ذلك أن الأحكام الشرعية خمسة لا سادس لها وهي الواجب والمستحب والمباح والمكروه والمحرم أما الكفر فليس إلا وصفا قد يصيب في حالة وقد يخطئ في حالة أخرى وقد نفّر كبار العلماء من استسهال إطلاق وصف الكفر على المؤمنين يقول الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور:"غير أن القرآن قد نبه على أن المعاصي إذا خالطت الإيمان لا تبطله قال تعالى بعد أن عدّد ذنوبا (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) ولم يسم تلك الذنوب كفرا..... فالذي يعتبر الذنوب كفرا يلزمه أن يعتبرها خروجا من الجامعة فيرزأ الإسلام جمهرة عظيمة من أتباعه ويحرمه فوائد جمة من انتصاره بهم وانتفاعه، هذا عمرو بن معديكرب كان من وجوه المسلمين وسادة العرب ويُذكر عنه أنه لم ينفك عن شرب الخمر من بعد تحريمها، فلو أنه بشربه للخمر عدّوه كافرا لرجع إلى صفوف المشركين فخسر الإسلام مواقفه العظيمة في الفتوح في القادسية وغيرها، فرحمه الله وإن شرب الخمر ورغمت أنوف المكفرين بالذنب لا أنف أبي ذر. ثم لا يخفى ما ينشأ عن هذا الاعتقاد السيء اعتقاد تكفير العصاة من استباحة دمائهم وأموالهم ومن مهاجرة مخالطتهم والخروج عن إمارتهم وإلقاء العداوة والبغضاء بينهم وبين من يزعمون أنهم لم يقترفوا الذنوب كما ظهر من فتن الحرورية والأزارقة والنكارية بالمشرق والمغرب مما سجل سوادا في بياض تاريخ الإسلام وكان أوّل شق وانثلام فيه"(8) قال تعالى مخاطبا رسوله(ص):"أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"(9) وقال له كذلك:"لست عليهم بمصيطر"(10) إن كان هذا حال الرسول (ص) فمن أين كل هذه الجرأة التي يدعيها لأنفسهم أعاجم البيان وسواهم من أتباع حزب الحركة، ذاك ما يقول تعالى في كتابه وما يأمر به رسوله الكريم وذاك ما يقول العلم وتلك هي المنظومة الفقهية الإسلامية المبرأة عن الهوى والجهالة وصدق تعالى في قوله:"أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور" صدق الله العظيم
---------
الهوامش
1) "مقدمة في التعريف بعلم أصول الفقه والفقه" نشر الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، مصر دون تاريخ، ص194 و195.
2) "القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد" للإمام الشوكاني، دار الكتاب المصري واللبناني، القاهرة بيروت 1991، ص40 و41.
3) "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" الشركة التونسية للتوزيع والدار العربية للكتاب تونس 1979، ص49 و50.
4) " مقاصد الشريعة الإسلامية" الشركة التونسية للتوزيع، تونس1978، ص118 و119.
5) مقاصد ص80.
6) أصول النظام الاجتماعي ص215.
7) مقاصد ص53.
8) أصول النظام الاجتماعي ص87 و88.
9) سورة يونس 99.
10) سورة الغاشية 22.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
25-01-2014 / 08:35:25 فوزي مسعود
مقال مليئ بالمغالطات
جزء كبير من المقال لايخرج عن كونه حشوا لاقيمة علمية له، ثم هو مبني على المغالطات
- نحن نتحدث عن صوابية رأي من عدمه، فما دخل ان يكون قائله لابسا كبوسا او غيره
-الحكم على الراي لايلزم فيه التوفر على أمر مضاف للرأي الموضوع، يعني يناقش فقط الراي ولايلزم منه ان يكون قائله زيتونيا او غيره
- الانتماء لعائلة زيتونية لايعني شيئا من حيث القدرة العلمية للمتحدث، فأن يكون الكاتب من عائلة زيتونية حشو ومحاولة لإعطاء مصداقية مضافة للكلام خارجة عن مدلول الكلام المكتوب بالمقال.
- بل ان تكون شيخا زيتونيا اصلا لايعني أكثر من تلقي تعليم زيتوني، ولايعني بالضرورة الانضباط بالقيم الاسلامية ولا الدفاع عنها، وقد راينا شيوخا زيتونيين كيف انهم ابانوا عن ضعف وازع ديني وفكري اذ ارسلوا ابنائهم يدرسون بالمدارس الاجنبية ما ينم اما عن ضعف فهم لاليات التاثير وتشكيل الاذهان واما عن ضعف التزام ديني وحس وطني إن كانوا عارفين بذلك، ولتكن عائلتا بن عاشور وجعيط كنماذج
25-01-2014 / 08:35:25 فوزي مسعود