البرلمان المفتوح: كيف تصنع البرلمانات؟...
هل نحن في حاجة لبرلمان؟
سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6382
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قد يبدو سؤالا غريبا... ولكن نطرحه في ظل هذه التغيرات التي نعيشها ليساعدنا في بحثنا ونجانب الصواب في ايجاد الحلول... نطرحه بعقلية المستثمر... ونطرحه بعقلية المواطن الذي اخذ في يده زمام السلطة... لأننا نتساءل حقيقة عن جدوى انجاز برلمان والإستثمار فيه ودفع اموال كبيرة من خزينة المجموعة الوطنية وفي الأخير نحصل على استبداد وفساد وتغييبا للمواطن الذي من اجله استثمرنا هذه الأموال لإيصال صوته والحفاظ على مكاسبه...
هل يعقل ان تنفق المجموعة الوطنية اموالا على مؤسسة تكون اداة تشريعية لتمرير الفساد ونهب ثروات البلاد... او تصبح بمثابة مغارة على بابا كل من دخلها ينهب من كنوزها... باسم الشرعية وباسم الحكم والتمثيل... إن كان هذا واقع المجالس النيابية فالأفضل ان لا يستثمر الشعب امواله فيه... ويعمل بحكمة الأجداد" مخزن مسكر ولا كرية مشومة"...
إن البرلمان هو عقلية قبل ان يكون مؤسسة عمومية سياسية... وفسلفة جاد بها الفكر الإنساني لتحقيق مبدأ الشورى في منظومة الحكم ليرتقي الى العدل في الإنجاز... وتحصل كل الفيئاة على نصيبها العادل في الجهد التنموي... ويحد من الحكم الفردي... ويمنع الإستبداد والفساد...
ولكن اذا تحول البرلمان إلى اداة لأضفاء مشروعية على الإستبداد والفساد ونهب اموال الشعب بغير حق وتغييب العدالة في التنمية الجهوية لجهة على حساب اخرى كما كان في السابق... فما الجدوى من هذا البرلمان...
وإن كان ايضا يؤسس للفوضى وارباك السلطة وتهميش مؤسساتها ويصنع الفراغ في سدة الحكم من خلال اقالة الحكومات في كل مرة بداع او بدون داع، ويحبس فعل التنمية تحت صراع اغلبية واقلية مثل ما هو حاصل في بعض الدول التي لها برلمانات يقال انها قوية وديمقراطية ونذكر منها لبنان والعراق كمثال قريب... فهمش ارادة الدولة ومؤسساتها...
ولعل تجربة المجلس التاسيسي اعطت صورة شنيعة عن العمل البرلماني واحقية تواجده، وهدد هيبة الدولة ومؤسساتها، وهذا يعود إلى عدة اعتبارات، منها انه انتج مجلسا تأسيسيا بآليات برلمانية وهذا الخطأ بيناه وتحدثنا عن مخاطره في مقالات سابقة، ولكن ابت القوة السياسية ألا ان تسلك هذا المنحى فجاءت هذه النتيجة وفق الركائز التي بني عليها ولهذا لا نستغرب الفوضى العارمة داخله.
حتما هذه النوعية من البرلمانات هي وبال على شعبها، لأنها لم تبني على صيغة تعاقدية واضحة لها مرجعية المشروعية الإنجازية، إذ قامت على اساس فضفاض غير مبين لكل آليات التعاقد ما بين النائب ودوره ووالتزاماته تجاه ناخبه، فأبقت على التشريف وهمشت التكليف، وتحولت النيابة إلى تأشيرة لنهب اموال الشعب وفرصة للثراء والشهرة واكتساب علاقات تمكنه من انتاج مشاريع او الإستفادة من صفقات تبرم في الجانب التنموي.
فهل يحق لنا اليوم ان نلغي هذه المجالس ونطبق حكمة الأجداد " مخزن مسكر ولا كرية مشومة"؟...
طبعا لا،
لأن الخطأ والإعوجاج ليس في المنظور التنظيري، ولكن في المسلك التطبيقي والإختيار السياسي، وفي عقلية السياسي التي لم تتحين مع تطورات العصر ومنتجاته من ابتكارات جديدة وتنظيرات مستحدثة في الآلية البرلمانية ومنظومة الحكم بصفة عامة خاصة في المنظومة الحديثة التي تعتمد على الديمقراطية التشاركية والبرلمان المفتوح وقاعدة البيانات المتاحة.
يعمل الفكر الإنساني على مدى عمر الحضارة على تطوير منظومة الحكم وتحسينها وانتشالها من روتينيتها واخراجها من نمطيتها الباردة وتحريرها من سجن السكون الى فضاء الحرية.
في ظل انسداد الأفاق وانتفاء الحلول السياسية المبدعة تظهر الأزمات وتعلن الصراعات والحروب وتسقط الحكومات وتعم الإضطرابات.
تأتي اليوم منظومة البيانات المفتوحة والحوكمة التشاركية لتقدم الأمل وتصنع الأفاق الرحبة لحسن هيكلة هذه المنظومة وتطوير الفعل التنظيري فيها بادخال فعل الرقابة من طرف الفرد والمواطن وتوضيح وتفصيل البنية التعاقدية والتكوينية التي تقوم عليها المؤسسة البرلمانية لتخرجها من التشريف إلى التكليف، وتسعى إلى تأسيس رادكالية عمل وانجازا حقيقيا تحت لواء السرعة بعيدا عن البيروقراطية والإدارة المعطلة، ميزتها الإتقان والعلمية والحرفية، تؤسس لهيبة الدولة وتكرس لمدينة هياكلها وعلوية القانون ودولة المؤسسات.
اننا ننظر للبرلمان كصناعة وليس كحتمية موجودة في شكل لا يتحول، البرلمان هو استثمار حقيقي عليه ان يربحنا ولا يخسرنا، تتعامل معه المنظومة والشعب كما تتعامل المؤسسة مع منتوجها، تطوره وتجعل منه مصدر ربح ودخل، ومواكبا للإحتياجات.
نسعى من خلال هذه المنظومة الحديثة ان نجعل في البرلمان كل مواصفات الفعالية والأداء والنجاعة، وإلا لن تنجح البضاعة المنتجة في ماكينته ( التشريعات والقوانيين) وتسبب خسارة وافلاس البلاد وادخالها في الفوضى وتهديد السلم الإجتماعي
لهذا نتحدث عن صناعة برلمان وليس عن ايجاد برلمان، فما فائدة برلمان يبارك الإستبداد، او يعطل العمل التنموي، او تصدر عنه تشريعات تهتم بالمصلحة الحزبية والتوجهات الإديولوجية والحسابات الإنتخابية على حساب الوطن والمواطن.
تتيح منظومة الديمقراطية التشاركية مراقبة المواطن للأداء النواب وتقييم الإنجاز الحكومي تحت لواء مبين من الصفة التعاقدية، تحميه قوانيين وآليات تقنية تفصل الحركة الإنتخابية عن السلطة الحاكمة.
وكأي مؤسسة انتاجية يرتبط جودة انتاجها بجودة العملة فلا يكون لنا برلمان جيد بدون نواب جيدون، وهو ما يدفع نحو صناعة النائب وتكوينه وفق آليات وتكوين مخصص للغرض.
ولا يكون برلمانا مفتوحا إلا اذا كان مفتوحا للجميع وكل مترشح في قائمة له حظوظ وإمكانية الدخول فيه حتى ولو كانت قائمته او حزبه لم يحصد الإنتصار أو الاغلبية، وفي المقابل ايضا لا يضمن مترشح مقعدا في البرلمان حتى ولو كان حزبه او قائمته فائزة.
ان منظومة القوائم والدوائر وتوزيع المقاعد بمبدأ النسبية واكبر البقايا هي جيدة، ولكن لابد من حذف الترتيب ورئاسة القوائم، والجمع ما بين التمثيل الفردي والعمل داخل قائمة واحدة سواء حزبية او مستقلة، ليكون للجميع حظ في بلوغ البرلمان، ويبقى البرلمان مفتوح ولا يبقى يكرر لنا نفس الوجوه بحكم ان الأحزاب تضع على راس القوائم في كل انتخابات نفس الأشخاص.
ولابد من حماية صوت الناخب بعدم تحول النائب ما بين الأحزاب فما انتخب الناخب شخصا إلا على اساس برنامج عام للقائمة التي هو فيها، واعتماد القائمة يفرض على النائب الإلتزام ببرامج التي قامت عليه القائمة.
اننا فعلا نطمح لصناعة برلمان بكل ما تستوجبه هذه القيمة من معنى، وما تتطلبه الصناعة من فعل حداثي وتطويري وتكويني، تصنع برلمانا ناجحا فعالا، يعطي للدولة هيبتها وللحكومة فعاليتها باعتبار ان الحكومة هي نتاج لهذا البرلمان، واداة تنفيذ للبرنامج التنموي الذي يتنافس فيه المتنافسون لياخذو شرعية الحكم ومنه يمرون الي مقياس المشروعية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: