فتحـــي الزغــــــل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7415
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت تعمّدتُ عدم نشر مقالاتٍ في التّحليل السّياسي طوال الفترة التي تلت حادثة اغتيال الشّهيد "البراهمي" و التي بِتُّ مقتنعا اليوم بأنّها من تدبير حلفاء المعارضة التّجمعيّة و اليساريّة و اللّبيراليّة الحداثيّة و القوميّة، وتنفيذ غبيّ من أغبياء طريقة من طُرق الفِرق الدّينية. و كان ابتعادي عن النّشر مَردُّه عدم الانخراط في الضجّة الإعلاميّة التي أحدثَها الصّحفيُّون و الإعلاميّون الذين يتمنّون إلقاء "النّهضة" و "المؤتمر" في البحر و ما أكثرهم. و حتّى لا أكون جزءا من تلك الماكينة التّعبويّة الضّخمة التي يدور تُرسُ محرّكها في باريس في "فرانس 24" ، فتنتقل حركته بالسّلكي و باللاّسلكي إلى تلفزتنا العموميّة و بعضٍ من قنواتنا النوفمبريّة، و من ثمّ إلى ساحة "باردو" عندما كان أهل اعتصام الرّحيل يُمنُّون أنفسهم بأنّهم الشعبُ و أنّ الشّعب لهم، و من ثمّ إلى بعض المناطق الحدوديّة و الولايات و الجهات، التي خرج منها عشراتٌ يُطلِقُ عليهم المتواطئون معهم من ذلكم الإعلاميين تسمية "الشّعب" و "الأهالي" و "سكّان المنطقة" لمكاتب الولاّة، و لمكاتب المعتمدين لـــ "عزلهم" ، كما يقولون، و تنصيب "شريفٍ" منهم، لا يهمّ إن كان قد وصل في دراسته إلى السّنة السّادسة "ب" أو السّادسة "أ" فكلّهم أولاد التسعة.
لكنّي قد حذّرتُ منذ تلك الحادثة إلى أنّ كلّ ما يجري و سيجري، سيكون ضمن افتعال الأزمة لنصدّق حدوثها، أو بالأحرى لتُصدِّق "التّرويكا" حدوثَها، و كنتُ معتقدا إلى اليوم بأنّ الاعتراف بالأزمة وحده، سيُطوّق حبلًا على رقبة من يحكم البلاد اليوم. لأنّ ذلك الاعتراف هو عتبة مُزلِقَةٌ نحو حفرة عميقة مظلمة تنتهي بانتهاء حلم تحقيق ما قامت لأجله الثورة. و لأننّي من الّذين يرونَ أنّ كلّ مؤشّرات الفشل و حضور الأزمة سببُها آتٍ من فجّ المعارضة بأطيافها الكثيرة و أعدادها القليلة. تلك المعارضةُ التي اشتركت في هدفها مع اتّحاد الشّغل، و اتّحاد الأعراف ،و اتّحاد المحامين، و اتّحاد التّجمّعيين، و اتّحاد اليساريين، و اتّحاد الحداثيين، و هو إسقاط الحكومة. فعمل كلّ منهم على تحقيق ذلك الهدف بتنسيق واضحٍ و جليّ، لا يخفى على أحدٍ، بل تجاوز ذلك التّنسيق الذي كان من المفترض أن يكون بين أعضاء "التّرويكا".
"الترويكا" التي تلوّن التّكتل فيها بألوان المعارضة حينا، و بألوان السّلطة حينا آخرَ، و هو ما يُعدُّ ضربًا من ضروب الخيانة الائتلافية، و ترنّحتِ " النّهضة" فيها للابتزاز، وأبدعت بتنازلاتها المتكرّرة تحت عنوان "مصلحة المرحلة" ، تنازُلا أظهر لي "ترويكا" مطيعةً تُصدِّقُ ضِرّتَها على أنّها قبيحةٌ، فما كان منها إلاّ أن وافقت على اصطحابها معها إلى مشعوذِ القريةِ، و ربّما كان يكفيها نظرةٌ إلى المرآة لتعلم درجة خلْقِها، و عدد أنصارها من أولئك الذين ينظرون إليها تُصدّقُ المشعوذَ، و الذين هم في حالة دهشة و مرارة و ذهولٍ لما وصلت إليه بتلك المواقف.
فمتى كان اتّحاد الشّغل محايدا حتى يُؤتمَن في وساطةٍ؟ و هو غارق حتى أنفه في المنظومة البنعليّة؟ و هو الذي لا يخجل من تنظيمه الإضراب تلو الإضراب؟ و هو الذي تمكّن به الفكر اليساريّ من رأسه حتى أخمص قدميه؟ ومتى كانت رابطة حقوق الإنسان محايدةً و رئيسُها قياديٌّ في الجبهة الشّعبية؟ نفسُ الجهة التي نظّمت حملات مضحكة لإسقاط الحكومة أسابيعا و أسابيع، فلم يأتِ لها أحدٌ من الشّعب باستثناء عائلاتهم؟ و متى كان اتّحاد الصّناعة و التّجارة محايدا حتى يُؤتمَن في وساطة؟ و رؤوسه قد جمعوا أموالَهم التي هم بفضلها هناك، من اتساقهم التّام مع منظومة الاستبداد؟ و متى كانت هيئة المحامين محايدة لتُؤتمَن على الوساطة ؟ و هي ترنَحُ تحت ملفّات فساد المنتسبين إليها في أيّام الطّاغية، و لم تفتح أيّا منها حتّى اليوم؟
و لماذا تصرّ "النّهضة" إعلاميّا، في تصريحاتها و بياناتها على وصف الثّعلب بالحَمل؟ و لم تصارح الشّعب و لو لمرة واحدة بأنّها تتلقى الضّربات الموجعةَ تحت حزامها من أولئك الثّعالب؟ حتى أنّي أراها تنهشها في رجليها ، و هي تحاول الظّهورَ في أعلى الصّورة تضحك و تضحك.
كلّ هذه الأسئلة يطرحها العديد من المتابعين للشأن السّياسي التونسي و لازالُوا يطرحونها على أهل "التّرويكا"، و لأحدِّدَ أكثر على حزب "حركة النّهضة" ، لأنّه هو المستهدف من كلّ المؤامرات، و لأنّه هو الذي أراه سيُسحَلُ في الشّوارع إذا ما استولى أولئك على الحكمِ تحت أيِّ غطاءٍ، و لأنّي أراه سيعودُ إلى النّشاط من داخل السّجون و من داخل مراكز الشرطة و من "لندن"، إذا استمرّ في تجاهله لحقيقة اللّعبة. كما لأنّي أعتبر أنّ حزب "المؤتمر" قد أصبح من الأثاث القديم في النسيج الحزبي الرّاهن، و أنّه لا يعدو أن يكون أسماءا لا يتجاوز عددها أصابع اليدين. كما لأنّي أعتبر أن حزب "التكتّل" لا لون له و لا طعم و لا راحة، يقفزُ رئيسه بين السلطة و المعارضة لا تستطيع مسكه في رأيٍ أو في موقفٍ أو في مبدإ، درجةَ أنّه يُصرّحُ على منبر السلطة بالكلام الذي تُسطِّره المعارضة بالأحمر عندها، لإبرازه و استغلاله دوليًّا و إعلاميًّا .
لكن بعد تلك الندوة الصحفيّة التي عقدتها الرّباعية - نسبة إلى لجنة الوساطة و رعاية الحوار الرباعية - و التي صفّق فيها الصّحفيُّون و الإعلاميون بتفاعلٍ أعمى مع كلام أمين عام اتحاد الشغل، في مشهد مُزرٍ يقال أنّه كشف مستواهم و مهنيّتهم و مصداقيتهم، و فضح انتماءهم – فكرا و هوًى - إلى الكتلة السياسية المعارضة للترويكا العوراء. هل سقطت ورقة التوت من الرباعية؟ و التي كانت النهضة تراها و تصدّقُ أنّها تسترها؟ فإذا كان الجواب منها بـ"لا"، فتلك مصيبةٌ، و إذا كان الجواب بــ"نعم" فسيصدُق من قال "صحّ النّوم يا "ترويكا""
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: