البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

مجلّة الأحوال الشّخصية ونَكْبةُ النِّساء في تونس

كاتب المقال رضا الدبّابي - فرنسا / تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7828


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بورقيبة هو الذي أمر بكتابة هذه المجلّة وهو الذي فرَضها على التّونسيين بوصفه رئيساً لتونس مستفيداً من منصبه السّياسي المتقدّم في الدّولة. لم تكن هذه المجلّة نتاجاً لمناقشات اجتماعية وسياسية وتشريعية بل فُرِضت فرضاً على المجتمع التّونسي في بداية الاستقلال. لم يكن وقتَها التّونسيون على وعي ومعرفة بما يجري في تونس من تغريب بدأ مع صعود بورقيبة إلى السلطة والقارئ لهذه المجلّة يدركُ أنَّ الدّافع وراء كتابتها ليس تحرير المرأة كما يزعم هؤلاء التّغريبيون بل محاولة القضاء على الهوية العربية الإسلامية لتونس من خلال تغريب المرأة وفصلها عن هويتها وعن سياقها المجتمعي والثَّقافي.

والمتمعّن في فصول هذه المجلّة يدركُ أنّ لغتها نخبوية تغريبية بالأساس تخاطب عصابة من أشباه المثقَّفين الذين يَكرهون حضارتنا وإنَّما يدينون بالولاء للحضارة الغربية والفرنسية في المقام الأوّل. هذه المجلَّةُ جسمٌ قانوني غريب ومستغرِب قصَدَ به أصحابُهُ تفكيك روابط المجتمع الإسلامي التّونسي والحقيقة أنّ هذه المدوّنة نتاجٌ مكتوبٌ بالعربية لفكرٍ غربي وغريب عن أصولنا. كان "الزّعيم الهالك" بورقيبة صاحب الفكر الفرنسي وأحد روّاد الغزو الثّقافي الاستعماري المنفِّذ الفعلي للمشروع الثَّقافي المستورد وليس وحده مَن نادى بالأخذ عن الغرب بل سبقتهُ وأعقبته أصواتٌ مريبة قديماً وحَديثاً إلى هذا المَنحَى نذكر منهم على سبيل الذّكر لا الحَصْر الطّاهر الحدّاد وطه حسين الذي قال "خذوا على الغرب حُلْوهِ ومُرِّه".

إنّ دُعاةَ التّغريب والانفصاليون عن ثقافتنا هم أوّلُ من دَعَى إلى تحرير المرأة بدعوى أنَّ في الإسلام قصورٌ وعنصرية تعيقانِه عن إنصاف المرأة والواقعُ أنَّ هؤلاء ينطلقون أصلاً من فكرةٍ نَموذجية ساذجةٍ مَفادها أنَّ الحضارة الأوربية هي أسمَى الحضارات وأرقاها. من المعروفِ تاريخياً أنَّ الحضارة الغربية ذات الأصول الأربعة اليونانية الرّومانية واليهودية المسيحية كامت مهداً لاضطهاد المرأة لقرون طويلة. في اليهودية والمسيحية المرأة كائن فِتنةٍ وَغِوايةٍ، تمَّ اعتبارها شيطاناً أو حيَواناً وليسَ انسانا وإلى هذا ذهبتْ المسيحية أشواطاً في احتقار المرأة وسُلِبتْ كثيراً من الحقوق والنّظرة الدّونية وضعتها بينَ مرتبتين إمّا شيطانية أو حيوانية. بلغتْ المرأةُ الغربيةُ في عصورنا هذه أرقَى ما وصلَتْ إليهِ المرأة من حيثُ منزلتِها الانسانية والحقوقية وهِيَ في الحقيقة تحرَّرتْ مثلها مثلَ الرَّجل ممّا كانت عليه من أغلال وقيود تحتَ حُكمِ الكنيسة في العصور الوسطى. غيرَ أنّنا ننبِّهُ إلى كثيرٍ من المَظاهر السَّلبية التي تعوقُ دون اكتمال انسانية المرأة، إذ قُدِّرَ لها أن تُصبحَ قيمةً سِلَعيةً وموضوعاً للعهرِ والدَّعارةِ ولسنا ننكرُ ما وصلتْ إليهِ الحضارة الأوربية في هذا المضمار، حاشى لِلَّه "ولا يجرمنّكم شَنَآنُ قومٍ على أن لا تعدِلوا اعدلوا هو أقرَبُ للتقوى" ولكِنّا نُجلي مَظاهر البؤسِ والشَّقاء لدَى هذه الحضارة.

لقد خطَى الغربُ أشواطاً لا نَضيرَ لها في اعتبارِ الانسان وتكريمهِ وتخلّفت الحضارة الاسلامية تخلُّفاً عظيماً ونزلتْ منزلةُ الانسانِ إلى أسفلِ سافلين والدَّليل على ذلك القتل المنهجي بالآلاف للبشر وهَذا ظاهرٌ ونسي المسلمون معنى هذه الآية "ولقد كرَّمنا بني آدم". هلْ سمعتمْ في هذا العالم من يقتفي أثرَ جلاّده ويفتخر بأفعاله؟! ذاكَ هوَ حالُ عصابةٍ من المستغربينَ في بلادِنا العربية. العلمانية ومجلّة الأحوال الشّخصية وانتشار الفرنسية واستبعاد العربية ولستُ معادياً للغات كلُّها مَظاهر انفصام شخصية أو ذوبان المغلوب في الغالب على حدِّ عبارة ابن خلْدون وكأنَّ لا قرارَ ولا شخصيةَ لأمَّتنا بل لا بدَّ أن تصيرَ في رِكابِ غيرها وهنا ينبغي أن أُشير إلى مستوى ذلك التطوّر القانوني الرّهيب الذي بلغهُ المسلمون في العلوم والفقه ممّا حَدى بالغزالي المعاصر أن يقول كلمةً حقٍّ "عندما يقارن الفقه الرّوماني بالفقه الإسلامي يكون الأوّل كوماً والثّاني جبلاً".

تضمَّنت المجلَّةُ مخالفاتٍ شرعية أو على الأقلّ فصولاً مُثرةً للجدل ممَّ دفعَ بعضَ الفقهاء والمختصّين في العلوم الإسلامية إلى الإشارة لهذه التَّجاوزات.

يجدر بالذّكْر أنَّ أكبرَ معضلةٍ طرحتها المجلّة هي منعُهاَ للتَعدُّدِ الزَّوجات فيكون هذا الفصل أكبرَ الفصول التي جنتْ على المرأة ذاتها. والمعضلة هو منع التعدّد بمقتضى قوَّةِ القانون فتَكونُ المرأة التّونسية هي الضحية. والتعدُّدُ في حدِّ ذاتِه ليسَ مطلباً مجتمعياً ولا عقيدةً نتَديَّنُ بها ولَكنّهُ حلٌّ لظاهرة العنوسة المستعصية في مجتمعِنا حيث بلغت نسبَةُ العنوسة في تونس درجاتٍ قياسية لا نَضيرَ لها في العالم العربي. وقد أدَّتْ هذه المعضلة إلى شيوع العلاقات الحرَّة وهذا بديلٌ طبيعي لمجتمعٍ لا تتوفّرُ فيه فرص الزَّواج. كما فتحَ قانون الأحوال الشّخصية الباب على مصراعيْه لظاهرة الخليلة عوضاً عن الحليلة وتأخّرَ السنُّ الطَّبيعي لزواج الشَّباب وخاصّة منهم الشَّابات فانتشرت الفاحشة بينهم وضعُفتْ نسبةُ الوِلادات وهَذِه النَّتائج الكارثية لنظام استبدادي أفسدَ البلاد والعباد على مدار أكثر من نصف قرن.وليسَ لأحَدٍ أن يدَّعي خلافَ ذلك ومن يقول بالخلاف فإنَّهُ يزعمُ الكذب والباطل. والشّاهد على استفحالِ العنوسة والعزوبَةِ هي قرانا المهمَّشةِ وجهاتُنا المنسية والمحرومة من أبسط مَرافقِ الحياة الكريمة. أمّا إعلامُ الشّيطان فلا يقول إلا الكذب وليسَ خروجُ لَفيفٍ من النِّساء في شوارعِ العاصمة للتعبير عن آرائهنَّ دليلٌ على رقي المرأة التّونسية. تلك نساء المال والسّياسة والإعلام الكذوب! نساءُنا في المناطق المنكوبة والمَحرومة عبيدٌ في مصانع الاستعباد في السّاحل وصفاقس ولا يتقاضيْن سوى أُجوراً زهيدةً وحياتُهنَّ على القليل والكفاف. وإنّي لَأعَلمُ بِمِحنةِ نساءنا وأمّهاتنا وأخواتنا في بُيُوتهنَّ وقُراهنَّ النّائية، فالفقر والجهل والفاقة والحرمان والمرض لهوَ خيرُ شاهدٍ على ذاكَ المرض الاجتماعي الذي تعذَّبَ به المحرومون فأين ضميرُكِ أيَّتها الأُمَّةُ القعيدة؟!؟


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، مجلة الأحوال الشخصية، بورقيبة، المرأة، مشاكل المرأة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-08-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
إياد محمود حسين ، وائل بنجدو، رضا الدبّابي، رافع القارصي، مراد قميزة، عراق المطيري، محمد الياسين، أ.د. مصطفى رجب، فهمي شراب، بيلسان قيصر، الهيثم زعفان، د. أحمد محمد سليمان، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، رافد العزاوي، محمود سلطان، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامر أبو رمان ، صفاء العراقي، سامح لطف الله، فتحي العابد، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، طلال قسومي، عبد الله الفقير، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد ملحم، مصطفي زهران، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود فاروق سيد شعبان، العادل السمعلي، د- جابر قميحة، نادية سعد، كريم فارق، أحمد بوادي، رمضان حينوني، د. خالد الطراولي ، مجدى داود، رشيد السيد أحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي الزغل، د- محمود علي عريقات، سليمان أحمد أبو ستة، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، علي الكاش، علي عبد العال، د. عبد الآله المالكي، د. أحمد بشير، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حاتم الصولي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - محمد بنيعيش، د. صلاح عودة الله ، د - عادل رضا، صالح النعامي ، محمد أحمد عزوز، أشرف إبراهيم حجاج، أنس الشابي، إيمى الأشقر، د - المنجي الكعبي، ماهر عدنان قنديل، إسراء أبو رمان، محمد عمر غرس الله، صلاح الحريري، فتحـي قاره بيبـان، سفيان عبد الكافي، عمار غيلوفي، د.محمد فتحي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، رحاب اسعد بيوض التميمي، حميدة الطيلوش، د - صالح المازقي، عزيز العرباوي، د - مصطفى فهمي، محمد الطرابلسي، عبد الله زيدان، مصطفى منيغ، محمد شمام ، محمد علي العقربي، تونسي، يحيي البوليني، د. مصطفى يوسف اللداوي، أبو سمية، سلام الشماع، المولدي الفرجاني، أحمد النعيمي، عمر غازي، فوزي مسعود ، د - الضاوي خوالدية، محمود طرشوبي، د. طارق عبد الحليم، صلاح المختار، ياسين أحمد، عبد العزيز كحيل، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، حسن عثمان، محمد يحي، الناصر الرقيق، طارق خفاجي، محمد اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محرر "بوابتي"، منجي باكير، صفاء العربي، جاسم الرصيف، المولدي اليوسفي، محمد العيادي، صباح الموسوي ، عواطف منصور، سعود السبعاني، د- محمد رحال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، حسن الطرابلسي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء