د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6995
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لست أدري متى سينتبه السياسيون المعارضون في تونس ومعهم المحلّلون الذين لا يكادون يغادرون محطّة تلفرية حتى يتسلّلوا إلى محطّة أخرى ليكرّروا أنفسهم على المشاهد ويلوكوا خطابا متكلّفا يوارون خلفه نزعة من الكبر والتّعالي على مشهادين سئموا نفس الوجوه بنفس المساحيق وهي تعيد وتكرّر ذات الأفكار... هذا الانطباع خرجت به بعد متابعة جلّ إن لم يكن كل مداخلات ومشاجرات هؤلاء المتسيّسين والمحلّلين المقتحمين على الأسر مخادعها وعلى البيوت حرمتها. دون إضاعت الوقت في ذكر الأسماء ودون ضرب أمثلة فإنّ المتتّبع لكل الآراء على اختلاف انتمائها الفكري والإيديولوجي يرى فيها استنساخا سمجا لتشخيص وضع اجتماعي واقتصادي وسياسي لبلد شارف على الإفلاس.
لم أعثر على تحليل واحد قدّم حلاّ حتى لا أقول مجموعة حلول للخروج من الأزمة القاتلة التي تمرّ بها تونس... الكل يتستّر باسم ( شعب مرّة يريد... ومرّة يتألم... ومرّة يبكي قتلاه... ومرّة يشيّع شهداءه... ومرّة... ومرّة...) كل المتدّخلين هنا وهناك يحاول إسقاط رؤيته وفهمه لحقيقة لا يمتلكها سواه. الكل وبدون استثناء يدور في دائرة مغلقة إن دلّت على شيء فإنّما تدّل على ضيق الأفق نتيجة عدم دراية كافية بالتّغيير الذي أحدثه المجتمع التونسي على شخصيته القاعدية مباشرة بعد ثورة 14 جانفي 2011.
بات واضحا أنّ (النّخب) لم تنزل من أبراجها العاجية وهي تصّر على مخاطبة التوانسة بنفس أسلوب الحكم السّابق وكوادر التّجمع المنحل ونفسياتهم المتعالية على الرّعاع والدّهماء. كذلك هو سلوك الترويكا وعلى رأسها قيادات حزب النّهضة الحاكم الفعلي للبلاد مع نفحة من تهديد وشيء من وعيد. أمّا أحزاب المعارضة فسلوكياتها السياسية لا تختلف كثيرا في دوغماتيتها عن دوغماتية التّجمع سابقا وحركة النّهضة الآن. لمن لا يعرف معنى الدوغماتية نقدّم له التّعريف المبسّط التالي: " هي التّعصب لفكرة معينة من قبل مجموعة دون قبول النّقاش فيها أو الإتيان بأي دليل ينقضها لمناقشته فهي ببساطة وصفها الإغريق بالجمود الفكري. إنّها التّشدد في الاعتقاد الدّيني أو المبدئي أو الأيديولوجي".
بناء على التّعريف السّابق يمكن أن نستنتج مبدئيا تمسّك الجميع (سلطة ومعارضة) بأفكار لا يحيدون عنها، بل يتّعصبون لها ومستعدين للموت دونها. وكلّما جاءت دعوة للحوار بين الفرقاء إلا وتمّ إحباطها ظاهريا لأتفه الأسباب ولكن التّعطيل يأتي على خلفية نفسية هشّة ومعارف ضحلة وأفكار بائسة يخشى أصحابها أن ينكشفوا أمام الرأي العام فتتعرّى تركيبتهم السيكولوجية المتكلّسة في زمن انكشفوا فيه فعلا أمام الجميع وسقط خطابهم السياسي وبدوا عاجزين عن فهم عالم السياسية واستقراء الواقع واستشراف المستقبل وهم لا يعلمون، إضافة إلى عزلتهم عن القواعد الشعبية فيما عدى القلّة الموالية لهم والمتعصّبة لنفس مرجعايتهم الإيديولوجية.
لم تعي (النّخب) في بلدنا أنّ الفعل الجماهيري قد تجاوز تنظيراتها التي عفّ عنها الزمان، وهي لا تزال متمسّكة بها، وكم تمنيت لو أنّ كل النّخب المتشبّثة بمواقفها، قامت بتفعيل إيديولوجاتها واستنبطت منها برامج عملية، واضحة المعالم، معلومة النقاط، مضبوطة المراحل الزمنية ومحدّدة الخطوات مكانيا، تفتح أبواب الأمل في الجهات المحرومة وتبعث الحياة في مواطنين تفصلهم عن زمانهم سنوات ضوئية. الأحزاب الحاكمة في العالم العربي عموما وفي تونس خصوصا وأحزاب لا همّ لها إلا التّمسك بالسلطة و/أو الوصل إليها، في مقابل أحزاب معارضة لا هدف لها سوى إسقاط الحكومات؛ والغريب أنّ الحاكم والمعارضة لا برامج تنموية لديها للتّخفيف من معاناة العباد إلا التّسول والتّذلل ( للّي يسوى وإلّي ما يسواش)...
أمام هذا الوضع المشين الذي فرض علينا، أصبح من حقّنا التساؤل عن القروض والمنح والهبات التي قدّمتها الدول الصديقة لحكومتنا أين ذهبت تلك الإعتمادات؟ ديون سيتحمّل تبعاتها وتداعياتها أبناؤنا وأحفادنا على امتداد العشريات القادمة ولم نر إلى اليوم مشروعا واحد بعث بتلك الأموال في مدينة أو في قرية، أم أنّها لاقت نفس مصير الهبّة الصينية التي حطّت رحالها في حساب وزير الخارجية السّابق؟ أموال طائلة لم نلمس وجودها في معيش بسطاء التوانسة وفقرائهم، العاطل عن العمل لا يزال عاطلا، الموظف يتوجس من قطع راتبه، رأس المال الوطني في انكماش مطّرد، المستثمر الأجنبي متوجّس من الفراغ الدستوري والقانوني يخشى المقامرة بأمواله في بلد غير آمن... و" الحال حال الله".
أسئلة كثيرة قد لا تنتهي يمكن طرحها على من يتنازعون استعبادنا ويراهنون على طيبتنا، تونس يا قوم تتمزّق بين شدّ وجذب أحمق ! تونس يا أهلنا تضيع بين عناد الحاكم وتعنّت المعارض ! كلا الفريقين وضع نصب عينيه (الكرسي) ولا شيء غير (الكرسي) وما يترتّب عليه من جاه وسلطان وتكديس الذّهب والفضّة، أمّا نحن فقد ردّدنا صادقين ومقتنعين ومؤمنين ومسلّمين " نموت نموت ويحي الوطن". ليحي الوطن وينعم بخيراته الحاكم، ليحي الوطن ليكون ساحة تناحر للمعارضة، ليحي الوطن بدماء الشهداء الذين سيطول انتظار أهاليهم في الكشف عمّن قتلهم وقبض ديّتهم. هنا يطرح الجميع سؤالا مشروعا، من يضمن للشعب أنّ المعارضة لن تكون أسوأ ممن سبقها في الحكم؟ كل المؤشرات تدّل على توقّف المعارضة السياسية في زمن الإيديولجيات، هذا ليس اتهاما ولا إدعاء، بل استنتاجا موضوعيا لمَ يرّدده المعارضون " إسقاط الحكومة وحلّ المجلس التأسيسي" ليكن لكم ما تريدون، ما هو البديل يا سادة؟ ليس سؤالا تعجيزيا ولكنه سؤالا انكاريا، علما وأني رافض لحكم الترويكا وللمجلس التأسيسي الذي لم يؤسس شيئا ولم ينجز إلا قوانين قسمت ظهورنا وحطّمت كبرياء ثورتنا وانتبجت بها جيوبهم بأموال بغير موجب في أداء واجب (وطني).
من الواضح أنّ الصراع السياسي في تونس قد توقّف زمانه في سبعينات القرن الماضي وتثّبت في مكانه ولم يتمكّن من مغادرة الساحة الحمراء بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس (انظر مقالي: الصراع السياسي في تونس من الميكرو إلى الماكرو، موقع بوابتي 02/02/2013)، فنحن أمام مراهقة سياسية محورها الأنا ورافعتها الحزبية الضيّقة ووسيلتها الصراع الدّموي وغايتها السّلطة. أين أنت أيها الشعب الكريم؟ أين أنتم أيها المواطنون والمواطنات؟ أين أنتم أبنائي الكرام وبناتي الفضليات (على رأي بورقيبة)؟ أين حدسكم السياسي؟ هل تيقنتم أيها الطّيبون أنّ الترويكا قد انحرفت عن إرادتكم؟ هل استشعرتم أنّ الدستور والانتخابات لن يراه إلا من أمدّ الله في عمره إلى يوم يبعثون؟ هل أدركتم خطأكم التاريخي وقد مكّنتم الترويكا (إلى ما شاء الله) من الحكم ومن مصائركم؟ هل لديكم شعور بأن ثورتكم قد تبخرت بين أيديكم؟ وأخيرا وليس آخر، ماذا نحن فاعلون أمام ظاهرة الإرهاب، هل سنبقى متفرجين، مندّدين، متأسفين، مولولين؟..
.
لقد جنّد الغرب قوى اليمين المتأسلم في بلدان الثورات العربية لإنجاز مهمتين رئيسيتين: 1/ تفريغ الثورة من مضمنها التاريخي والحضاري وتحويلها إلى ذكرى احتفالية خاوية. 2/ تدجين الشعوب الثائرة وكسر إرادتها بشتى الطرق والوسائل، أبرزها إغراقهم في بعية شاملة، بتجذير الرّكود الاقتصاد وتضخيم التّضخم المالي، افتعال الخلافات السياسية وإلهائهم بدساتير ستولد مشوّهة جينيا والزّج بالأحزاب في خصومات صبيانية حول فاصلة في الدستور وشغلهم بانتخابات مؤجلة إلى حين، إلى جانب انتهاج سياسية التّرهيب والتّرويع بالسّماح للإرهابيين بالتّحرك بكل حرية على أرض الوطن. لم يأت رهان الأمريكان على اليمين الدّيني من فراغ، بل إنّ مردّه إلى تأكدهم من شخصية المتأسلمين التي " لا تنسى ولا تتعلّم" وهي الشّخصية المميّزة لملوك "آل بوربون" المتخلفين ذهنيا الذين حكموا فرنسا خلال القرن السادس عشر. أن لا تنسى فأنت حقود، متشفي وأن لا تتعلّم فأنت لن تنمو ولن تتقدّم لضعف مخزونك المعرفي وضحالة مراكمة تجاربك لأنّ تنشئتك السياسية تقارب الصفر.
في مقابل هذا الموقف الثوري الشّاذ نلاحظ موقفا سياسيا أكثر شذوذا وغرابة، إنّه موقف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تخلّى عن سياسته الراديكالية التي جعلت منه مؤسسة تقدمية ورأس حربة لمقاومة الرّجعية والإستعمار منذ عهد الآباء المؤسسين إلى سبعينيات القرن الماضي وما أحداث 26/01/1978 (الدعوة إلى الإضراب العام) وانتفاضة الخبز في الثمانينياته 03/01/1984 إلا دليلا على صلابة مواقف المنظمة العمّالية. مواقف خالدة، تجنّب فيها الاتحاد لعب دور الأحزاب والتزم خلالها بخلفيته البروليتارية وتوجهاته اليسارية من ناحية، كما رفض لعب دور الوسيط المحايد بين السلطة والشعب من ناحية أخرى. هذا التّاريخ المضيء في طريقه للنّسيان مادامت القيادات الحالية تمسك العصا من الوسط وتضع قفّازات في التّعامل مع دولة لا ترقى في قيمتها ولا في هيبتها الدّولة التونسية حتى وهي في أحلك حالات ضعفها في آخر عهد الرئيس بورقيبة.
في هذا المناخ الرّخو والميوعة المؤسساتية والرّعونة السياسية العامة، مرّ أمام التوانسة حدثان هامّان، خطيران أخطر من الإرهاب ذاته. مهدّ الحدثان لتصعيد الإرهاب بل منحاه الضوء الأخضر للعمل على الأرض التونسية الآمنة. يتعلّق الحدث الأول بإعفاء أو استقالة الفريق أول رشيد عمّار قائد القوّات المشتركة التونسية، وعلى غير عادته خرج الرجل على وسائل الإعلام ليشرح أسباب طلب إعفائه من الخدمة... تسبّبت مغادرة الفريق أول في إعادة الجيش الوطني إلى حالة التّفكيك التي كان عليها أبّان حكم الرئيس ابن علي، جيوش ثلاثة بقيادة عامة ثلاثة وقيادة عليا واحدة (رئيس الدولة) الذي تعمّد تحييد الجيش وشلّ حركته حتى كاد يُمْحَى من مخيّلة التوانسة بإلغاء التّجنيد الإجباري وتعويضه بما عرف بالتّعينات الفردية التي قتلت جانبا من الروح الوطنية لدى شباب تونس الذين بلغوا سنّ التجنيد. كما عمل الرئيس المخلوع على عزل المؤسسة العسكرية عن مجتمعها بشكل تام وحبسها خلف أسوار ثكانتها وعيشها في ما يشبه الطائفة المغلقة إلى حين ثورة الكرامة فخرج الجيش مؤيدا للثورة ليؤكد فشل مخطّط ابن علي. رغم التّنسيق الموضوعي بين القيادات الثلاثة، في غياب قيادة عامة ومشتركة للأسلحة الثلاثة عادة المؤسسة العسكرية إلى ما يشبه الكويكبات السابحة في فلك رئاسة الجمهورية، فلمّا كانت رئاسة الجمهورية مؤسسة محدودة الصلاحيات، أصبح الجيش التونسي تحت وصاية الترويكا وتحديدا تحت إمرت حركة النّهضة حزب الأكثرية وذلك منذ 25/06/2013 تاريخ استقالة الفريق أول رشيد عمار.
لقد تعلّم حزب حركة النّهضة من الدّرس المصري الذي خُيِّلَ للإخوان أنّهم كسبوا ودّ الجيش بما قدّموه لقياداته من (رشوة) لم تفّل في عقيدتهم الوطنية ولم تغريهم حتى يبيعوا شرفهم العسكري، فلجأ الإخوان في تونس إلى الضغط على قائد القوّات المشتركة حتى انسحب من السّاحة السياسية، فأزالوا بخروجه ما يعتبرونهم حجر عثرة في طريق مشروع تمّكنهم من البلاد واستعباد العباد. لم تكن الأسباب التي قدّمها الفريق أول رشيد عمّار مقنعة، بقدر ما كانت تحمل في طيّاتها إشارات خفية لمَ تعرّض له من ضغط، وقد تأكد لنا ذلك من الدّعوة التي أقامها ضدّه أحد المحامين للنيابة العمومية متهما فيها بالاسم ثلاثة من رموز البلاد من ضمنهم الفريق أول بقتل المتظاهرين وتُهَمٍ أخرى ألصقت بثلاثتهم استكمالا لفصول مسرحية الاتهام لمواراة حقيقة خوفهم من الرجل ومواقفه الوطنية.
أما الحدث الثاني الذي لم يعره التوانسة أهمية فقد تمثل في إقالة الشيخ عثمان بطيخ مفتي الدّيار التونسية من منصبه في 06/07/2013. ودون الخوض في أسباب الإقالة التي تخفي دون شكّ خلافا عميقا بين رئيس الجمهورية وسماحة المفتي الذي أزعم أنه خلاف مفتعل بين الرئيس والمفتي، ولكنه صراع وجود حقيقي بين وسطية المالكية، مذهب الدولة التونسية وكل ألوان طيف المتأسلمين من تكفيريين وجهاديين وغيرهم ممن تربطهم تحالفات إيديولوجية وإستراتيجية وتكتيكية مع حزب حركة النّهضة الحاكم الذي سخّر رئاسة الجمهورية في صراع لا ناقة لها فيها ولا جمل.
أنا شخصيا وبعد العودة إلى كتابات السيد المنصف المرزوقي العديدة قبل وبعد الثورة التونسية لم أعثر له على كتاب واحد ولا مقال وحيدا اهتن فيه بإشكالية الدين والمذهب والدولة في تونس. الرجل طبيب ذو خلفية وضعية وامتددات سياسية/حقوقية، حافظ عليها قبل تعيينه رئيسا مؤقتا للجمهورية ولايزال، لكنه أُكْرِهَ على تنحية المفتي لأسباب قد لا يعلم خفاياها ولم ينتبه لخطورة تداعياتها التي ظهرت واضحة جلية للعيان.
تلقى رأسمال الرمزي للتوانسة خلال أسبوعين ضربتين خبيثتين موجعتين، تفتيت الجيش وتغيير سماحة المفتي الذي هاجمته شخصيا في إحدى مداخلاتي باعتباره الزعيم الديني لكل التونسيين، وكانت في احتفاليات الذكرى الثانية للثورة التونسية بتاريخ 11/01/2013 بعنوان: "الثورة التونسية، العوائق والحلول الممكنة" وهي منشورة على موقع بوابتي الإلكتروني. كتبت يومها متسائلا: " وإنّي أتساءل فيما يتعلق بالبلاد التونسية، أين فضيلة مفتي الديار التونسية، حامي المالكية وراعي "الوسطية" الذي لم نسمع له رِكْزًا؟" وكنت ساعتها بصدد تحليل إستراتيجية المتأسلمين بعد صعودهم للسلطة وسعيهم لإسقاط الدولة المدنية وطمس مذهبها المالكي والتّخطيط لإقامة دولة دينية على أي مذهب كان، ما دام دعاته يدفعون دون حساب وينفقون بسخاء على حكّام لم ينسوا سنوات الجمر والحرمان، استغلوا فرصة الجاه للتّعويض عمّا فات. حدثان سيدمّران الدولة الوطنية في تونس إن عاجلا أو آجلا، ما لم ينتبه التوانسة ويفيقوا قبل فوات الأوان.
نعيش نحن التوانسة جميعا حربا خفية لا تدركها العقول إلا عقول أبالسة الإنس، تخطّط لإعدام الثورة بعد الالتفاف والقضاء على أصحابها الحقيقيين. مشروع سحق الثورات العربية التي أفسدت (بالصدفة) مشروع الشرق الأوسط الجديد وأطاحت بأهدافه، سرقة الثروات العربية وتحقيق الأمن الأبدي لإسرائيل وتقسيم المنطقة إلى دويلات مهنّزة وضعيفة، كما وضعته وخطّطت له عقول صهيو-أورو-أمريكي، وأوكلت مهمّة تنفيذه إلى أدوات متأسلمة لتخرب بيوتها بأيدها وباسم إسلام ما أنزل الله به من سلطان.
ثمّ نقف نحن التوانسة حائرين، مشّوشي الأفكار، عاجزين عن إيجاد حلّ جذري يخرجنا من أزمة إذا ما استمرت ستؤدّي بنا جميعا إلى ما لا تحمد عقباه. بعد فشل كلّ دعوات الحوار الوطني التي وجهها الاتحاد التونسي للشغل للفرقاء السياسيين والمحاولات المتكّررة لجمعهم حول مائدة الوطنية، بسّب عدم إيمان الطّرف الرئيسي في النّزاع بالوطنية وارتباطه بأجندة الأممية الإخوانية والاستماتة في الدّفاع عن مشروع الردّة الحضارية وانقلابها على الهوية التونسية من ناحية والتزامها بوعود قطعتها على نفسها و تنازلات قدّمتها لولي النّعم الأمريكي في سبيل البقاء في السّلطة من ناحية أخرى؛ ماذا بقي أمام التوانسة وقد طعنوا من الخلف في جيشهم الوطني وأمنهم الجمهوري الذي كلّما حاول العودة إلى أحضان الشعب إلا وأفشل رجال الخفاء مسعاه.
يكمن الحلّ في صلب ولاء كل التوانسة بدون استثناء لوطنهم، إلا من فضّل أن يكون ولاءه خارج تونس. نحن اليوم مطالبون أن نكون رجلا ونساء، كمواطن واحد وجندي واحد قرّر أن يستعيد ما فرّط فيه، ثورة تاريخية دفع ثمنها غاليا من بين أيادي من أحسن الظّن بهم فتستّروا بشرعية انتخابية وظّفوها في غير موضعها وتمّسكوا بها درءا لفشلهم في إدارة السياسة العامة ودعما لتمسكّهم بسلطة لم يراعوا حرمتها. نحن في حاجة إلى دعم الموقف الموّحد الذي اتخذّه الشعب وسادنه فيه بعض نوّاب المجلس التأسيسي الذي نفضوا أيديهم منه ومن حكومة الترويكا المؤقتة وخاب أملهم في رئيس مجرّد من الصّلوحيات وصيّره الإخوان إلى عصا موسى يتوكؤون عليها في الإطاحة ببعض خصومهم ويهشّون بها على توجهاتهم وقراراتهم ومصالحهم. لقد آن الأوان لوقف هذه المهزلة السياسية التي يسقط ضحيتها بين الفينة والأخرى شهداء من الوطنيين الأحرار ومن أفراد الجيش التونسي الذي يمارس معه الإرهابيون سياسة تشتيت القوى والإلهاء في منطقة جبل الشعانبي ليأخذ الإجرام طريقه إلى العاصمة وبقية المدن الكبرى.
يا سياسيي تونس اتركوا خلافاتكم جانبا، واعلموا أنّكم وإيّانا في قلب الجيل الرّابع من الحروب التي تشّن على الأمة بعقول أجنبية وأيادي داخلية. تونس تغرق والوضع الأمني في انفلات مستمر، توحدّوا أيها السّادة المحترمون وكونوا على قلب رجل واحد إلى حين تفعيل الشرعية الثورية من جديد وعودة الديمقراطية، بعد أن أُلْقِيَتْ في سلّة المهملات. تونس تدعونا جميعا، تونس تستنجد برجالها ونسائها الشرفاء الغيورين على أرضهم وعرضهم واستقلاليتهم وسيادتهم في زمن نفتقر فيه إلى زعامة ذات كاريزما حقيقية، تتجمع وراءها كل القوى التّقدمية في مواجهة نهايتنا الحضارية.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: