البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

عندما يصلُ "البانديّة" إلى سُدّة الحكم

كاتب المقال فتحي الزغـــــــــل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8499


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


قال لي صاحبي و هو يُحاورُني : هل تعرف معنى كلمة "بانديّة" في الاصطلاح الشعبي؟ فقلتُ: هم على حدّ علمي الخارجون عن القانون، المتمرّدون على الأخلاق، البعيدون كلّ البعد عن الدّين. و لهم من التّسميات كثيرٌ في مجتمعاتنا العربيّة... فيُسمّونَ "بلطجيّة" في مصر مثلا، و "بلاطجة" في اليمن، و "شبّيحة" في سوريا الجريحة... فأعجِبَ بجوابي أيّما إعجابٍ دلّ على أنّه تعلّمَ منّي هذه المرّة، لأنّ الظاهر من حزمه أنّه أراد توريطي بجهلي أمام علمه، ثمّ سألني سؤالا آخر: ألا علمتَ أنّ "البانديّة" في بلدنا قد نفّذوا انقلابا أبيضا، و قد اعتلَوا منذ مدّةٍ سُدّةَ الحُكمِ، و هم الآن في قمّتها حاكمون؟ يأمُرون، و ينهُون، و يخطّطُون، و ينفّذُون، و لاستراتيجيات الظّلم و الغصب يُنَظِّرُون و يُنجِزون؟ أم أنّ خبرا كهذا، و حقيقة كهذه غائبةُ عنك؟ و أنت الذي تدّعي لنفسك التّحليل و الرّأي و الفكرَ. فلا شكّ أنّك و أمثالُك مأخوذون بمشاكل البلاد و النّاس الظاهرة، و نائمون عمّا يقع بين ظهرانينا؟ فلم تُوجِّهوا مِكشافَكُم على ما نحسُّ و نعاني كلّ يوم، و اكتفيتم بما تُسمّونَه بالقضايا الهامّة، و ما أنتم في واقع الأمر إلاّ جاهلون بها، و عَمُونَ عليها.

فأصابني الذّهولُ من سؤاله، و الدهشة من هجومه، و الجلل من ردِّه عليّ بتلك الطّريقة. و أخذتُ أقلِّب في ذاكرتي السّريعة عن خبر انقلابٍ وقع هذين اليومين و لم أسمع به. و هل لا نزالُ في زمن الانقلابات، و في حقبة البيان رقم واحد؟... و لكن كيف لي أن لا أعلم بحدثٍ كهذا؟ و أنا كغيري من الذين يتنفّسون السّياسة هذه الأيام كلّ صباح و مساءٍ، فعن أيّ انقلاب يتحدّث هذا الجاهل؟ و من هم "البانديّة" الذين وصلوا سُدّةَ الحكم؟ و لماذا لم يُعلنوا عن ذلك في "وطنيّتنا السّابعة" و لا في "نسمتنا" الملوّنة" و لا في "تونسيّتنا" الآفلة حتما و لو بعد حين؟ و هل لخبرٍ مثل هذا أن يغيب عن "حوارنا" التي عوّدَتنا على تصوير و نـــــــــــقل أي نشاط فيه فوضى أو احتجاج ضدّ الحكومة، و لو كان خصومة بين اثنين من حومة واحدة؟
إلاّ أنّي و لفرط إحساسي بالهزيمة أمامه، و أمام إصراره على خبره، تظاهرتُ بالجـــهل و بالجـــــهالة، و تناسيت الحكمةَ و الفراسَةَ و رباطة الجأش، و أجبتُه بـأنّي الغافلُ، و عن ما ورد في بلادنا شاردُ، و أنّي للحقيقة منه طالبُ، و عن أولئك "البانديّةِ سائلُ، و لكيفيّة استتباب الأمر لهم داهشُ...

فما كان منه إلا أن حملق فيَّ بنظرة أكرهُها، تُذكِّرني بنظرة زوجتي عندما أنسى يومَ عيد ميلادها، و أخذَ يدي اليُمنى، و قلَّبَ أصابعي فيها، و أخذَ يتكلّم يُعدِّدُ مظاهر تخلُّفي، و ظواهر جهلي و عِظَم علّتي و قال: ألم تعلمُ بأنّكم و بثورتكم على مخلوعكم فتحتم الباب لسُرّاقِكم- صبيانُه - أن يَحكُموكم في أيّام ثورتكم الأولى؟ فقلت له: بلى. فقال ألا تعلمُ أنّ سُرّاقَكُم فتحوا الباب بدورِهم لصبيانِهم ليعيثوا في البلاد فسادًا في كلِّ شبرٍ منها؟ فقلت: لا. فقال: ألا تعلم أنّكم بعد ذلك و بعد أن وحل الفأسُ في الرأسِ انتخبتم مجلسا يؤسّس لمستقبلكم؟ فقلت: بلى. فقال: ألا تعلم أنّكم فوَّضتم لجماعةٍ من مجلسكم أن يحكُموكم؟ فقلت: تقصد "الترويكا"؟ فقال: ذاك ما أقصد. فقلت: بلى. فقال: ألا تعلم أن هؤلاء ظهر عليهم التّعب قبل بداية الجــري، و التّردّد قبل النتيــجة، و الخوف من خصومهم قبل المواجهة؟ حتى وصل بهم الحالُ درجة من العلّةِ تقمّصوا فيها دور المعارضة و هم في الحكم. فقلت: بلى أعلم هذا، و أعلمُ أنّهم ساروا بتردّدهم ذاك، و بضعفهم ذاك إلى الفشل، و إلى إنجاح جهود المعارضة و المتحالفين معها من النقابات في ترويع البلَد و الناس، و تكبيد اقتصادنا الخسارة تلو الخسارة، و هم يتلذّذون في كلّ يومٍ وفي كلّ برنامجٍ إعلامِيٍّ بما يفعلون. فقال: أنت في طريــق الفهم أراكَ، و على درب الكياسة أخالُكَ. ثم عاد يسألني: ألا تعلم بأنّ ضعفَ الحُكومة شجّع سُرّاقَكُم على إعادة صبيانهم إلى الملعب؟ فقلتُ: بلى. فقال لي: ألا تعلم أن صبيانَهم هم الذين يُسمّون "الباندية"؟ فقلتُ: بلى. و لم يترقّب إجابتي و واصل كلامَهُ: عبثوا بأسواقها، فأصبحت السّلع لا تمرُّ إلاّ برضاهم، فأحكموا الخناق على المستهلكَ باحتكارهم، وأصبح الميزان لا يعدِلُ الكيل بينهم... و أضحى الكيلو الواحد ممّا يكيلون لكم في أسواقكم لا يزن كيلوغراما ممّا عهِدتُم ... و أصبح فيهم و في سلُوكِهم الغشُّ يحمل ثوب الوقاحة و اغتصاب أموال الناس المعدومة أصلا... و عبثوا في محطّات السّيارات، فأصبحت موطن ابتزازٍ لأصحابها، حتى أن الواحد منكم أصبح لا يتركُ سيارتَه و مركوبته على قارعة الطريق، إلاّ بعد أن يكون قد عقد اتفاقا مع كمشة من "البانديّة" على ثمن بقائها في مكانها دون إضرارٍ بها. فتحوّلَ المعلومُ عوض الضّررِ، لا عوضَ الحراسةِ... و عبثوا في الحافلات، و في محطّات النقل العمومي... فأصبحت و كرًا لهم و لألاعيبهم، يسرقون الناس فيها عُنوةً و علانيةً، و ينشلونـــــــــهم و يتفنّنون في اغتصابهم... و عبثوا في الأماكن العامّة أين يُفترَضُ النظام واحترام الغير و عدم إقلاقهم، فأضحت ملعبًا لهم يُعملون فيه الكفرَ، و قلّة الحياء... و عبثوا بمؤسّساتكم، فأضحت مرتعًا لهم، يُغلِقونها متى يشاءون، و يمنعون عنها و منها المواطنَ متى يُريدون، و يمنعون حتى موظّفيها من دخول مكاتبهم متى يُقرّرُون... و عبثوا بالطُّرقات العامّة فتمتّعوا في اغتصابها، و تواطؤوا على فضِّها، و تقطيع أوصالها.

ثمّ ترَكَ يدي، و سألني: ألا يُسمّى ذلك انقلابًا على السّلطة؟ إذا أصبحت سلطتُهم تُرى و تُعايَن و الحكومة غائبة؟ فمن يحكُم بربِّك... فقلت له بسذاجة بادية على مُحيّايَ: هم. فقال: ألا يسمّى ذلك مسكًا للحكم و تفرُّدًا بالأمر؟... إنّهم يحكمون و أنتم لا تعلمون ؟ انقلبوا على الحكم و أنتم لا تبصرون... و استتبّ الأمر لهم، و أنتم لا تُدركُون.
فقلت له: أجل، قد فهمتُك الآن، و ليتني ما فهمتُك... فغُصَّتي على بلدي زادت حدّةً و ألمًا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-05-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سلام الشماع، علي الكاش، رافع القارصي، الهادي المثلوثي، خالد الجاف ، رضا الدبّابي، عراق المطيري، نادية سعد، جاسم الرصيف، سيد السباعي، سامر أبو رمان ، صباح الموسوي ، أحمد الحباسي، فتحي العابد، ضحى عبد الرحمن، رمضان حينوني، عبد الرزاق قيراط ، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم فارق، بيلسان قيصر، سلوى المغربي، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد بشير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صفاء العربي، الهيثم زعفان، محرر "بوابتي"، إسراء أبو رمان، محمد العيادي، وائل بنجدو، العادل السمعلي، محمود طرشوبي، ماهر عدنان قنديل، منجي باكير، صلاح المختار، د. خالد الطراولي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الغني مزوز، د. عبد الآله المالكي، صالح النعامي ، رشيد السيد أحمد، أحمد النعيمي، أشرف إبراهيم حجاج، أبو سمية، عمر غازي، عبد الله الفقير، عبد العزيز كحيل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد يحي، طلال قسومي، د - الضاوي خوالدية، ياسين أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فهمي شراب، د.محمد فتحي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، محمد اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، د - محمد بن موسى الشريف ، حاتم الصولي، يحيي البوليني، أ.د. مصطفى رجب، حسن الطرابلسي، علي عبد العال، محمود فاروق سيد شعبان، حميدة الطيلوش، د - مصطفى فهمي، سعود السبعاني، مجدى داود، عواطف منصور، أنس الشابي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود سلطان، سفيان عبد الكافي، د - عادل رضا، د - صالح المازقي، د - المنجي الكعبي، محمد أحمد عزوز، مصطفي زهران، صلاح الحريري، د. طارق عبد الحليم، أحمد ملحم، فوزي مسعود ، د- هاني ابوالفتوح، محمد الطرابلسي، محمد شمام ، حسن عثمان، د- محمود علي عريقات، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، إيمى الأشقر، عمار غيلوفي، محمد علي العقربي، د - شاكر الحوكي ، سامح لطف الله، صفاء العراقي، د - محمد بنيعيش، رافد العزاوي، د- محمد رحال، د. عادل محمد عايش الأسطل، طارق خفاجي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عزيز العرباوي، د- جابر قميحة، المولدي اليوسفي، أحمد بوادي، كريم السليتي، محمد عمر غرس الله، تونسي، الناصر الرقيق، مراد قميزة، يزيد بن الحسين، إياد محمود حسين ، عبد الله زيدان، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، مصطفى منيغ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء