الدلالات السلبية للإقبال المكثف على الدعاة القادمين لتونس
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9819
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كانت زيارة الداعية المصري محمد حسان لتونس مناسبة للتذكير بظاهرة تكاد تميز الصف الإسلامي بتونس، وهي الإقبال الجماعي المكثف كل مرة يحضر لتونس رمز من أولئك الذين يتحدثون في شؤون الإسلام، تكررت هذه الظاهرة مع زغلول النجار وعمر خالد وعائض القرني وغيرهم.
في كل هذه الحالات تحركت الأطراف المعروفة باتجاهها التغريبي بتونس رافضة لقدوم هؤلاء، على أن هذا لا يعني أن كل من ينتقد ظاهرة الإقبال الكثيف على الدعاة الوافدين هو بالضرورة في صف التغريبيين، لأن جوانب التناول للموضوع تختلف، ولا يمكن أن يكون اشتراك بين الرافضين للموضوع إلا حينما يشتركون في منطلق الرفض.
سأحاول أن أبرهن على أن هذا الإقبال المكثف هو اقرب للإمعية الذهنية ومؤد لا محالة للصنمية، وهو بهذا المعنى أمر سلبي لا يصح الاحتفاء به، فضلا على أن يعتبر مؤشرا على فاعلية أو نحوها.
- يمكن تمييز ثلاث جوانب في المسالة، القادم لتونس، ليكن تجوزا داعية، والمقبلون على اجتماعات هؤلاء ثم المواضيع المتناولة بالحديث في تلك الاجتماعات التي توصف بالمحاضرات.
- إذا أخذنا عينات لعديد القادمين لتونس، فان الظاهرة المشتركة بينهم هي التوافد الضخم في كل الحالات، ولكن الملاحظ أن التفاوت النسبي في قوة حضور اجتماعات هؤلاء القادمين متعلق بحسب البروز الإعلامي لهؤلاء وصيتهم لدى الناس، وليس بالنظر للمواضيع المتناولة، فمحمد حسان أكثرهم بروزا ثم وجدي غنيم ثم عائض القرني ثم زغلول النجار ثم التميمي وأكثرهم تجميعا للتونسيين هو أكثرهم بروزا على القنوات الفضائية (علميا يجب البرهنة على هذه الخلاصة بإحصائيات، ولكن يمكن بالملاحظة المجردة شبه التأكد منها).
- المواضيع المتناولة عموما في كل لقاءات هؤلاء لا تحمل أي محتوى متميز وهي كلها مواضيع مشتركة مكررة باستثناء مواضيع زغلول النجار التي تناولت الإعجاز العلمي بالقرآن، فهي كلها مواضيع تتحدث حول وجوب التقوى والالتزام بالإسلام، فهي عموميات وهي مسائل معروفة ابتداء لدى كل مسلم، ولا يتوقع من حضور تلك الاجتماعات أي إضافة جديدة.
- لما كان هناك عاملان ممكنان لتفسير ظاهرة التوافد المكثف وهما الموضوع وصيت القادم، وكان احدهما من شبه الثابت انعدام تأثيره وهو عامل موضوع الاجتماعات، ثم إن الظاهرة تختلف قوة من قادم لآخر، كان معنى ذلك أن العامل الثاني الذي هو صيت الشخص هو المؤثر في تغير نسب التوافد.
- إذن عامل الإقبال ليس في المواضيع المتناولة وإنما في الصيت الإعلامي للقادمين، أي أن رأي الآخرين حول القادم لتونس (الذي هو الصيت) هو الذي جعل الناس تقبل عليه، لان الرأي المكون من خلال الإعلام هو رأي خارجي نسبة للشخص الذي يحضر تلك الاجتماعات، عكس الرأي المكون ذاتيا لو تم القدوم للحضور اعتمادا على المواضيع المتناولة في الاجتماعات.
- نخلص لحقيقة كون الناس تقبل على اجتماعات هؤلاء الدعاة اعتمادا على ما يقوله الآخرون حول الشخص القادم، والآخرون المكونون للرأي الذي يمجد هؤلاء الدعاة، إما أن يكون الآخر الواقف ابتداء وراء إنشاء الرأي الممجد لذلك الداعية، أو الآخر من الذي لن يكون إلا ناقلا لرأي ممجد وليس منشآ له، لان احتمال أن يكون طرفا ما ممجدا لذلك الداعية ممن يعرفه شخصيا لن يكون إلا عن طريق وسيلة إعلام وبذلك نرجع للاحتمال الأول.
- إذن نحن بإزاء أناس يكوّنون مواقفهم ليس اعتمادا على المواضيع المتناولة وإنما حسب الأشخاص التي تتناول تلك "المواضيع"، ثم إن تقييم هؤلاء الناس المقبلون على تلك الاجتماعات للأشخاص الدعاة أساسا لا يتم من خلال رأي ذاتي وإنما من خلال ما ينقله الغير حول ذلك الشخص.
- النظر في التقييم للأشخاص عوض الفكرة يقود للصنمية، والاعتماد على الغير في تكوين الرأي يقود للامعية أي التسليم للغير في مسائل النظر العقلي، وعليه فان الإقبال المكثف على هؤلاء الدعاة يمكن تفسيره بانتشار الفكر الصنمي لدى عموم المقبلين على تلك الاجتماعات بالإضافة لتميزهم بإمعية ذهنية.
- سأحاول أن انظر للموضوع بطريقة عكسية للبرهنة على سلبية ظاهرة الحشود، سأنطلق منها كونها معطى واقعي، ولننظر في ذلك الأمر من زاوية موضوع الاجتماعات التي يعقدها الدعاة ثم من زاوية ظاهرة الحضور المكثف.
- الموضوع المتناول في أي اجتماع أو لقاء جماهيري إما أن يكون أمرا فكريا ذهنيا مستقلا في فهمه عن الأشخاص وإما أن يكون أمرا مرتبطا برؤية شخص قائله أو منتجه، فوجوب التقوى مثلا أمر مستقل في معرفته واستيعابه لدى المسلم عن الشخص المذكر بهذه البديهية، ولكن الانتشاء بنجم غنائي مثلا لا يتم إلا بحضور حفل ذلك النجم بالتحديد من خلال رؤيته مباشرة، وهذا يعني أن هناك جانبان لمعالجة مسالة التلقي، الحالة الأولى المعالجة تتم من خلال العقل إبتداء، والحالة الثانية تتم المعالجة فيها من خلال العاطفة إبتداء.
- الفكرة لا يشترط في معالجتها فهما ونقلا، الحضور المباشر مع منتجها أو ناقلها، لان عوامل إنتاج الفكرة ومعالجتها هو الذهن المفكر وهو مستقل في أموره عن الشخص إلا أن يكون من الدواعي الموضوعية لتتمتها وهو أمر لا يتعلق بحالتنا.
- لما كان حضور اجتماعات الدعاة مباشرا ومطلوبا لذاته في حالتنا، فان الحاضرين لا ينظرون لصاحب الاجتماع كمنتج للفكرة وإنما ينظرون إليه كرمز لذاته، أي انه ليس ناقل فكرة وإنما مصدر تمركز لعواطف الحاضرين لذلك التجمع الجماهيري، فالفكرة تغيب ويحضر محلها الشخص النجم أو الزعيم أو منبع النشوة الجماهيرية، بمعنى أننا في وضعية تضمحل فيها الفكرة ويقوى محلها الصنم.
- لو نظرنا للأمر من زاوية الكثافة الجماهيرية لذاتها ومدى علاقتها بالفاعلية، هل يمكن اعتبار الحشود دليلا على فاعلية في المطلق.
- يمكن أن اعرف الفاعلية في بعض أصنافها (سنرى بعد ذلك أن هذا تعريف ناقص) أنها مقياس درجة انجاز أمر ما نسبة لطاقة انجازه ومدة انجازه، فالفاعلية تتعلق بكم منجز نسبة لطاقة مستهلكة في إنتاج ذلك الانجاز، وتغير حاصل المنجز للطاقة المبذولة هو الفاعلية، لان في منجز واحد يمكن أن توجد احتمالات متعددة تتعلق بطاقات متعددة، فبناء بيت يمكن أن ينجز بطريقة تقليدية تدوم مدة ويستهلك طاقة بشرية كبيرة ولكنه يمكن أن ينجز بفاعلية أكبر في مدة اقصر وبجهد أقل، وعليه فلما كانت الفاعلية هي أساسا العمل على التقليل من كم الطاقة، فان اعتماد الكم العددي في المطلق كعامل فاعلية ليس صحيحا لان السليم هو التفاخر بالانجاز الكبير بطاقة عددية اصغر وتلك هي الفاعلية، هذا جانب من الفاعلية.
- لكن الفاعلية لا تقاس بالكم العددي إلا في المسائل التي تستدعي طاقة فيزيائية لان الأمر يتعلق بتراكم كمي، فهناك فاعليات أخرى لا دخل للكم فيها بل قد تكون فاعلية مبنية على النوع، ففاعلية الطاقة الكهربائية نسبة للطاقة البخارية لا دخل للعدد والكم فيها وبالمثل الطاقة الذرية نسبة للطاقة الكهربائية، وكذلك فاعلية السيارة نسبة للدراجة وفاعلية منظومة ويندوز" المعلوماتية نسبة لمنظمة "دوس" القديمة وغيرها من الأمثلة.
- إذن فالفاعلية إما أن تكون كمية عددية في الظواهر الفيزيائية وإما أن تكون ذات طبيعة أخرى في الحالات الغير كمية، والذي يخلط بين الأمرين كمن يقول إننا حينما نجمع عشر دراجات مثلا فهي أكثر فاعلية من سيارة، أو كمن يقول أننا حينما نجمع عشرة حواسيب قديمة مجهزة بمنظومة "دوس" فهي أكثر فاعلية من حاسوب حديث مجهز بمنظومة "ويندوز".
- في حالة الحشود الكثيرة التي تقبل على اجتماعات "الدعاة"، فان حالتنا هذه بما أنها ظواهر غير فيزيائية، فان الحكم بفاعلية الناس الحاضرين لا يقاس بعددهم، وإنما بأمور أخرى تستنتج حسب الحالة كأن نقول مثلا أن الفاعلية هي مدى التميز باكتشاف ما أو اختراع أو تأليف كتاب أو إنشاء نظرية مستحدثة أو غرها من اعتبارات فاعلية الناس في مجالات غير العمل الكمي، فكثرة الجموع في حالتنا وهي الحضور المكثف لهذه الاجتماعات لا معنى لها في مسالة الفاعلية، فتلك الحشود إذن حمالة دلالة سيئة من حيث أنها من جهة لم تتميز في آحادها أي الأفراد بفعل متميز وفي كثرتها لم تراكم إلا السلبيات
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: