البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

هل أتاك حديث القايلة

كاتب المقال فتـحي الزغـل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6911


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بعد ظُهرِ يوم حافلٍ مرّت عليَّ فيه جميعُ صنوف الهمّ و الغمّ، وكلّ مظاهر الكرّ و الفرّ، زاد في حدّتها كثير من الحــــــرّ و قليل من الأمل في البِرّ، دخلتُ بيتي و أنا ألعنُ السّياسة و السّياسيين، و المنافقين منهم إلى يوم الدّين، مُمنِّيا نفسي بقيلولة تُنسيني في ما وقر في قلبي و صدّقه عقلي من أنّ أوضاع السياسة و الإعلام في بلدي قد ارتطمـــــــــت بالحائط و انتهت، و هاهــي راجعةٌ القهقرى، و بآمال شعبٍ كاملٍ قد اختفت بالورى...

قلتُ لكم... أنّي و ما إن استلقيت في مكاني الذي لا يستقيم اختياري له مع رأي زوجتي كلَّ يوم... و ما إن بدأت استمتع بالنّوم في قائلة هذا الشهر المحسوب على القارس من البرد... حتّى رنّ جرسُ الباب المزعجِ المصنوع في الصين، و الذي عدّل رنّتَه صانعهُ هناك على وقعِ اسمِه، فجمع – الرّخيصُ - منكرَين: صوتٌ عالٍ و معنى مُبهمٍ.

فقُمتُ و كُلّي كَللٌ، و من الطّارق مللٌ... وولّيتُ وجهيَ شطرَ باب الدّار مستحضرًا ضحك ذلك الصينيّ صاحبُـــــــــنا عليّ، و تمكّنَه منّي في خطّته بجرسه. إذ ليس لي حلٌّ سوى فتح الباب، وإن لم أفعل فذلك الصوتُ المزعجُ.... و لا تنسوا أن الوقت قائلة أو يُشبهها كما أردفتُ لكم...

فتحتُ... فإذا بحمارٍ عند الباب يرمُقني مستهزئًا بعين فيها حيلةٌ و مكرٌ، فهِمَ بها حيرتي و دهشتي، لأنّي كنت و هو ينظر إليَّ تلك النظرة المُتهكّمة أبحث عن شخص لعلّه كان معه و اختفى عند ظهوري أمامه... ثمّ حدّق فيَّ و كأنّه صاحــــب الدّار و الضعيفُ الطّارق، و بادرني بالخطابِ بأنّه الطّارق عينُه.

فأخذتني رجفة الدّهشة، و جزع الفجأة، و دُوارُ اللّحظة، من نطقه، و سلاسة فرزه، و بلاغة فصله... و قلتُ له: كيف لحمار مثلكَ أن يطرق جرسًا أو يتكلّم فصاحةً؟... هل بدأ عصر الحمير الآن بعد دخولي منزلي؟ و هل لحمارٍ مثلك أن يتكلّم مع فاهمٍ مثلي؟ ...

هَمهَم الحمارُ بنهيق خافتٍ من أعماقه، وبكلامٍ غير مفهومٍ. ثمّ أخذ ينظُرُ ناحية رأسي بعينٍ على ناصيتي، و قال: دهشتَ لحمارٍ تكلّمَ يا من تدّعي في العلم معرفةً... و لم تدهش لمفكّر صمتَ و لربٍّ يُهان و لفتاةٍ عرّت نفسها لفرط إصابتها بما تُسمّيه نُخَبُكُم "حرّيّة"؟

فاستعدتُ توازُني، و استعرتُ رباطة جأشي، لينقشعَ عنّي ذُهُــولي و دهشتي. وسألتُه عن سبــبِ مجيئه إليَّ في هذا الوقت و قد خرجنا لتوّنا من ثورة؟ و من حكومة بعد حكومة بعد حُكومة بعد حكومة؟ و لماذا لم يظهر أيّامها؟ بل أين كان قبلها؟...

عندها يا إخوتي... بدأتُ ألمحُ غضبا بين عينيه، و حنقا في وجنتيه، و صلفا في مُقلتيه... قبل أن ينقلب منّي ساخـــــــــــرا، و بسؤالي مستهزئا و ضاحكا قائلا: هل رأيتَ كمَّ جهلكَ، و عِظَم علّتكَ، و سقمكَ الذي أصاب منك العقلَ و الرأيَ؟... بِربِّك ألم تكن تراني منذ بدأتَ تقرأ نُصوصَ مادّة القراءة في مدرستِكَ؟... ألم تلحظني عند أحداث الخبز؟... ألم نتقابل في المظاهرات التي خرجت تساند العراقَ لمّا تهافتَ عليها الإنسُ و الجنُّ و كلّ من له حقد على المِربَد؟...

ثم دعْكَ من التّاريخ... ألم أكن عمادَ الاستقلال ببلدك الذي تُحب؟... ألم تلحظني في صُور الزعيم المرصّع بالنياشين الكاذبة؟ ثم من يعودُ له الفضل في استتباب الأمن لعشرات السّنين الخوالي لجلاّد مثقّفٍ تلاه جلاّد جاهلٌ؟... ألا يعود هذا الفضل لي؟... ألم أكن المُعيـــــلَ والمُعينَ و المنيرَ؟...ألم أجمع حولهما المثقفين و أنصاف المثقفين؟ و الضالّين إلى يوم الدّين؟

ثمّ أردف ...بالله عليكَ... هل تتخيّلُ ما حدثَ لكم بعد انتخاباتكم من فوضى، وعدم رضاء الخاسرين بفوز الأغلبية؟ هل كانت كذلك لولاي؟... و هل تحسب خروجك للثورة لوحدك؟... ألم أكن في كلّ صفّ وفي كل نهج و زنقة و كلّ بيت و كل شاشة... مع من يُطبّلون للمخلوع وقتها و يُنادون بصدقه و إيمانهم بما قاله في خطاباته الثلاثة، و الشهداء من رصاصه و من حولهم يتساقطون كلّ يومٍ بالعشرات؟...

ثمّ ها أنّكم ثُرتم على جلاّدكم ذاك، و هاهو فارٌّ يستمتع بأرض الحرمين... هل كانت الأمور لتنتهي على ما هي عليه الآن لو لا وجودي بينكم؟... و هل كانت قنواتُكم الفحلةُ تتجَاسرُ على مقدّساتِكم و أخلاقكم، و على اختياركم الانتخابي لولا وُجودي المحترم بين مثقفيكم و نخبــــتكم أو ما يُسمّى نُخبــــــكم؟... و هل كنتَ تدخل بيــــــتك اليوم في هذه القايلة تلعــــن السّاسة و السّياسيين، لولا أني أحوم بينهم أحرّضهم على القتال كلّ يوم و كلّ ساعة؟ حتّى أنّ منهم من الذين لم يُصوّت له من الشعب سوى زوجـــــتُه و صديقتُه، صار اليوم يتكلّم باسم الوطن و الشعب و الأمّة، و يَحوم كلّ ساعة من برنامج إذاعيّ إلى حوارٍ تلفزيٍّ إلى مقابلة صحفيّة، و هو – بفضل وجودي – كأنّه قد خلف الجلاّد في نسبة نجاحه التّسعينيّة العالية... و أنّ منهم من أولائك الذين لم يثق فيهم شعبُك الكريم، من فُرِض عليكم فرضا، تحت مسمّيات و صِفاتٍ تتغيّر كلّ يومٍ و ساعةٍ، فمرّة يقدّمونه "محللٌ سياسيُّ" و مرّة "خبير اقتصاديّ" و مرّة "ناشط حقوقيّ" و أنتم تتجرّعون رأيه و قوله إلى ساعتكم هذه غصبا و عُنوةً... وهل كان المجلس التأسيسي الذي علّقتم عليه آمالَكم، يهتمّ بتوافه الأمور، و يُعرِض و يُؤجّل - الشهر تلو الشهر- تحييد من ناشد زعيمَكم المجرمَ، و من كان من جلاّديه و "قوّاديه"، بل أصبح هؤلاء ينعتون من خرج للشوارع أيّام الجمر بالفوضويّين و الإرهابيّين. فهل لذلك أن يتمّ لولا خطاباتي الناريّة في أروقته؟ و صَولاتي و جولاتي في كلّ مقــــعدٍ فيه و مصدحٍ؟...

لكن قل لي... هل نسيتَ أنّي المشرفُ العامُّ على معارضتِكم؟ و أنّي القائد الأعلى لقنواتكم التلفزيّة؟ تلك التي منها ما جمعت في أسمائها التاريخ و النسيم و اسم الوطن، و معاولُها تَهدِمُ التاريخَ و الهدوءَ و الوطنَ، و هي إلى اليوم تبُثّ من بين ظهرانيكم ما يُشتّتُ لُحمتَـكم و يُعلي سوافلَكم، و يُقزّم أولي الفضل فيكم؟...

ثمّ نظر إليّ نظرة حميرٍ ثاقبة، و قال لي: هل تسمح لي بسؤالك؟ فأجبتُه مندهشا من لباقته و كُلّي رجاء في صمته: بلى... فقال لي و هو نازلٌ في الدّرج تاركا وراءه صرحًا من الفكر هوى....
هل من اتبَعَك يُقارعُ من اتبعني من الغاوين عددًا؟


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-03-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الياسين، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. خالد الطراولي ، مراد قميزة، حسني إبراهيم عبد العظيم، جاسم الرصيف، رافد العزاوي، سلوى المغربي، أحمد الحباسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أبو سمية، طارق خفاجي، محمد العيادي، عبد الرزاق قيراط ، سامح لطف الله، أ.د. مصطفى رجب، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الله زيدان، حميدة الطيلوش، صلاح المختار، ضحى عبد الرحمن، ماهر عدنان قنديل، د - الضاوي خوالدية، د - شاكر الحوكي ، العادل السمعلي، مصطفى منيغ، المولدي اليوسفي، محرر "بوابتي"، الهيثم زعفان، فتحي العابد، د - صالح المازقي، عبد العزيز كحيل، محمود فاروق سيد شعبان، فتحـي قاره بيبـان، د- محمود علي عريقات، بيلسان قيصر، إياد محمود حسين ، علي الكاش، د - محمد بنيعيش، د- هاني ابوالفتوح، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، عواطف منصور، محمد علي العقربي، خالد الجاف ، رافع القارصي، محمد أحمد عزوز، محمد الطرابلسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد يحي، طلال قسومي، عراق المطيري، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، كريم فارق، د - المنجي الكعبي، د - مصطفى فهمي، د- جابر قميحة، محمد عمر غرس الله، عمر غازي، ياسين أحمد، الناصر الرقيق، رشيد السيد أحمد، صلاح الحريري، تونسي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود طرشوبي، مصطفي زهران، يحيي البوليني، محمد شمام ، سلام الشماع، يزيد بن الحسين، د. أحمد بشير، د - محمد بن موسى الشريف ، سفيان عبد الكافي، نادية سعد، د- محمد رحال، صفاء العربي، أحمد ملحم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سيد السباعي، د. عبد الآله المالكي، رحاب اسعد بيوض التميمي، كريم السليتي، عزيز العرباوي، فوزي مسعود ، إيمى الأشقر، رضا الدبّابي، سامر أبو رمان ، د.محمد فتحي عبد العال، الهادي المثلوثي، إسراء أبو رمان، فتحي الزغل، أحمد النعيمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أشرف إبراهيم حجاج، صباح الموسوي ، مجدى داود، صفاء العراقي، حسن الطرابلسي، محمود سلطان، د. صلاح عودة الله ، أحمد بوادي، رمضان حينوني، د. طارق عبد الحليم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سعود السبعاني، حاتم الصولي، منجي باكير، المولدي الفرجاني، صالح النعامي ، د - عادل رضا، أنس الشابي، حسن عثمان، د. أحمد محمد سليمان، فهمي شراب، عمار غيلوفي، وائل بنجدو، عبد الغني مزوز،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء