فتحي الزغـــل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 6654
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ينظر عديد التّونسيين إلى حكومة العريّض الوليدة بنظرة تفاؤل و بِشر، ليس بسبب فشل الحكومة السّابقة، بقدر ما ينظرون إلى الأمر كلّه على أنّه تناوبُ لاحقٍ على سابقٍ سيكون من الذّكاء تلافي أخطاؤه و عدم الوقوع فيها.
فالفشل الذي ما انفكّت المعارضة و قوى الثّورة المضادّة تنعت به الحكومة السابقة منذ أوّل يوم من تشكّلها، لا يستطيع المراقب المحايد أن يحكم به عليها، بالنّظر إلى صعوبة المرحلة الّتي تولّت فيها تلك الحكومة أمر البلاد، و بالنظر إلى حجم المُعوّقات و حركات الجذب إلى الوراء الّتي اشترك في تنفيذها، و جعلها أمرا واقعا، كلّ من ناصب المشروع الإسلامي في الحكم العداء، سواء من الأحزاب السّياسية التي حكم الشّعب على حجمها الحقيقي في انتخاباته الأخيرة، أو من المنظّمات الوطنيّة كهيئة اتّحاد الشّغل، أو من الأجهزة الإعلاميّة الّتي كانت السّاعد الأيمن لمشروع الإفشال. درجة إيقاع رأس تلك الحكومة في فخّ اعترافه بهذا الفشل، ليصبح ذاك الاعتراف سيفا مسلولا في وجهه و في وجه كل من يصرّح بعكسه.
لكنّي و كمتتبّع لعمل تلك الحكومة لا يمكنني أن أقرأ المشهد إلاّ بعد أن أقلب الصّورة، فتظهر لي تجلّيات قد تكون غائبة أو تكاد. ففشل الحكومة الذي سوّقت له المعارضة بتواطؤ صارخ مع الإعلام، أصبح و كأنّه حقيقة يُقِرُّ بها أهلها و غير أهلها. إنّما أقرأه طُعمًا ابتلعته الحكومة و رئيسها المتخلّي لا غير. مثلــما بيّنتُ في مقالة الأسبوع الماضي. لكنّ الفشل الحقيقي الذي أُقِرّه على الجماعة و الّتي كنتُ قد حذّرت من وقوعه في شهرهم الأوّل للحكم، فهو الفشل في الظّـهور في مظهر قوّة أمام الشّعب، و أمام المعارضة الصيّاحة، و أمام الخارج المتتبّع لتطوّرات الشّأن التّونسي باهتمام قد بدأ يخفت بتتالي الأحداث في البلاد. أحداثٌ تصبّ في خانة حصر الجماعة في زاوية صغيرة - رغم أنّهم يمثّلون أغلبيّة - ليس لهم فيها إلاّ الدّفاع عن أنفســـــهم، و الدّفاع عن آرائهم، و الدّفاع عن إجراءاتهم، و الدّفاع عن سياساتهم. فانقلبت هنالك الصّورة التي يجب أن لا تنقلب. فأصبح الذّئب يشكو من قلّة أمانة الرّاعي، و صار الرّاعي يُفاوِض الذّئب على عدد الخراف التي يعود بها إلى الزّريبة هذا إذا عاد بها أصلا.
و كلّ ذلك كان يقع تحت تعالي أصوات عديدة تخرج من هنا و هناك، تُحذّر حكومة الجبالي من الانسياق لرغــــــــــــــبات و خطط المعادين للمشروع الإسلامي، إلاّ أنّها – أي الحكومة - لم تحرّك ساكنا، و لم تتّخذ إجراءات سريعة تُخرجها من وضعيّتها تلك، و ذلك راجع حسب تقديـــــــــــــــــري إلى قلّة الخبرة التي لم يكن الصّمم نتيجتها الوحيدة، بل صممٌ و انبطاح ٌو ضحك أمام الخصم دون موجب .
و عليه فإذا وصّفتُ الفشل للجماعة فهذا هو الفشل الذي أراه واضح العيان أمامي: فشل في الاستماع العمودي أو ما ُيسمّى بالتّواصل العمودي مع مكوّنات الشّعب الزّاخرة بالطّاقة و القدرة على توجيه دفّة الرّأي العام في الحيّ و في المقهى و في القرية و في النّدوات، و فشل في إدارة الحوار و المقارعة مع المعارضة و الإعلام و الأزلام، و هذا لعمري هو الذي أوصل الجماعة إلى ما وصلوا إليه.
و لذلك فإنّ السّيد رئيس الحكومة الجديدة مدعوٌّ إلى التّفطّن إلى هذين العاملين العمودين عند استلامه مهامه، و ممارسة عمله. فهم سيبدأون في تصويب سهام الفشل نحوه و نحو جماعته من يومهم الأوّل حتى يُقنِـعوا الشعبَ بها ، و لهم في النّـدوات و الحوارات التّلفزية و المقالات النّارية خير مُعين ، قبل أن يتحوّلوا إلى أعضاده شيئا فشيئا و يقنعوهم بفشلهم مثل ما فعلوا مع سابقيهم فيخرج عندها أحدهم على الشّعب صارخا بأعلى صوته : أنا فاشل...
فلا تنبطحوا... و لا تستكينوا ... و لا تتنازلوا على مبدأ مهما كان الظرف و العنوان ... و ابدأوا بإجراءات لن تندموا إذا قمتم بها... بل ستزيدكم رصيدا إذا كان لكم حقيقية رصيد... و اقتنعوا بأنهم سيُحاربون مشروعكم ... ثم ينعتوكم بالخيانة... ثم يُجيّشون الناس ضدكم ... ثم يتآمرون عليكم ... ثم يُشهّرون بكم في العواصم و المنتديات الدولية... ثم إذا عرف الشعـــــــــب و العالم أنكم تتقدّمون بالبلاد و بالناس نحو تحقيق أهداف ثورتهم... سينكفئون، و على أنفسهم سيتلاومون، و في بعضهم سيتضاربون ... و بحجمهم سيصطدمون.
فلا تنبطحوا و قاطعوا المنابر التي كانت تأتي بكم لتُضحِك الناس عليكم... و لا تشاركوا في الندوات التي تُدعون فيها كأقلية و أنتم الأغلبية... و لا تظهرون في مواقع لا تُحتَرَمون فيها الاحترام الو اجب للحكّام. و لا تظهروا في محاورات تجلسون فيها نِدّا لمن لا يُمثِّل إلا نفسه و زوجته، و صديقته، و بعض أصدقاء صديقته من الذين يتداولون على صداقتها تداوُلَ الأيام على مُعدِمٍ... و لا تُهادنوا فتفشلوا و تذهبَ ريحُكم ... و زُجُّوا بكل مخالِفٍ للقانون في السّجن، و أعلوا كلمة القانون عليكم قبل غيركم... و لا تخافُنّ خروج أهل المُخالفين للشارع فهم إن يَخرُجوا يُفضحوا و إن يُفضَحوا ينالُ منهم الجاهل قبل العاقل... و لا تُداروا مخطئين لمصلحتكم الانتخابية ... و أبعدوا كلّ تجمعيٍّ عنكم و لو كان ابن اختكم، أو نائبا لكم في المجلس التأسيسي... و لا تُدافعون عمَّا ترونه صحيحا... و لا تُماروا الذين عُرفت عنهم البغضاء في السياسة... و اضربوا بسيف القانون و العدل كلّ من يريد إدخال البلاد في فوضى... و صوّروه و انشروا صورَه مقبوضا عليه... و لا تهابون نصوصا أمضى عليها المخلوع تمنع ذلك... و تواصلوا مع الشعب بالحسنى و اجعلوا عقدكم معه بمدى انجازكم...
عندها فقط ستنجحون ... و إن لم تفعلوا فقد انبطحتم مثل سابقيكم... و ستفشلون.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: