بكل وضوح: لماذا سقط الجبالي في الوحل وكادت أن تسقط الثورة معه ؟ وما هو الحل ؟
كريم فارق - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7717
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا يمكن أن نفهم ما يدور في بلادنا إلا عندما نضعه في اطاره الدولي .
المخطط الأمريكي :
أمريكا قوة عالمية عظمى لها نفوذ عالمي و محلي وعلاقات و تأثيرات في الأجهزة الحيوية والأحزاب و المنظمات المهنية والجمعيات المدنية . أمريكا تدعي أنها تساند الإنتقال الديمقراطي في تونس . هذا صحيح لكن على طريقتها . لو كانت أمريكا صادقة في تاييدها للإنتقال الديمقراطي و قبولها للإسلاميين في الحكم لألجمت إتحاد الشغل و نداء الشر و المعارضة و لأجبرتها على إحترام اللعبة الديمقراطية و لا اعترضت على التمويل القطري الذي ذاب حماسه كذوبان الشمعة
يقول أحد العارفين بكواليس السياسة منذ الأيام الأولى لإنتصار الثورة في أحد مقالاته أن أمريكا اختارت إتحاد الشغل لمواجهة الإسلاميين . وقد إتضح المخطط الأمريكي جليا و الذي يهدف إلى تهرأة الحكم و ضرب هيبة الدولة و إفشالها وتمزيق أوصال السلطة بطريقة سلسة تفرز دولة ضعيفة مرهقة في وضع أزمة دائمة تفتقر إلى الأمن يسيطر فيها لوبيات الفساد والمافيات. فكانت آلاف الإضرابات و الإعتصامات وقطع الطرق مقرونة بطلبات مشطة في زيادة الأجور لإنهاك الإقتصاد في حين تحتاج البلاد إلى العمل الجاد و التضحية وتسبيق أولوية التنمية والتشغيل ... و كان التطاول على الولاة و تحدي القانون بتصريحات نارية و دعوات إلى القتل و الإنفصال ( بقيت إلى الآن دون محاكمة) ...و القائمة طويلة . و ما زيارة حسين العباسي لأمريكا خلال السنة الماضية لمدة أسبوع كامل إلا في ذلك الإطار .وعندما نذكر الإتحاد نذكر أيضا الأحزاب التي تقف ورائه، فالتقت مصالح قيادته التي أوغلت في الفساد مع بن علي و مصالح الأحزاب اليسارية المعادية ايديولوجيا للنهضة مع مصالح الامبريالية الأمريكية في إجهاض التجربة الديمقراطية الناشئة في ظل قيادة إسلامية .
المخطط الفرنسي :
على خلاف ذلك فالمخطط الفرنسي-الجزائري الذي يسعى إلى إسقاط الحكومة هو على عجل من أمره بإشاعة الفوضى ، و باستفزاز السلفيين الجهاديين وجرهم إلى العنف ،و بالحرب الإعلامية، و بكل المؤامرات و بكل الوسائل دون إستتناء.
ما يتضح جليا من خلال ممارسة الحكم لحكومة الجبالي لفترة تزيد على سنة :
1-غياب الدهاء السياسي و المناورة و غياب التوظيف لنقاط القوة و الأوراق الرابحة وإستغلال المتناقضات
2- غياب النفس الثوري، بل غياب الإيمان بالثورة ، بل أكثر من ذلك قد وقع تحييد الثورة و تغييبها من المشهد السياسي مما أفقد الثورة لهيبها واشعاعها وفقدان الكثير من انصارها
3- تحييد و تغييب الشعب و عدم توظيفه ليكون سندا لقرارات جريئة
4- نسيان البعد الرباني و التوكل عليه بعد العزم ، فغابت القرارات الثورية
5- الإستسلام لابتزازات الإتحاد و المعارضة
6- برنامج العمل الذي جمع أطراف الإئتلاف الحكومي لم يكن لا جريئا و لا ثوريا، مما جعل \'\'التوافق\'\' طاغيا و معطلا لكل قرار جريء
7- الخطأ القاتل : نقل النموذج التركي دون إجتهاد و إبداع وتطويع للواقع التونسي وإختزال النجاح في مجرد برنامج للتنمية دون توفير الظروف الملائمة لتنفيذه ألا وهي الأمن و شحذ الهمم . و توفير الأمن كان يقتضي تحييد التجمعيين و الإتحاد و عزلهم عن الشعب ، و هذا غير ممكن بدون خلق رأي عام مناهض لتحركاتهم، و من هنا كان لابد من إعلام ثوري يقوم بدور توعية الجماهير و خدمة مصلحة البلاد و يعزل كل مناوئ لمسيرة البناء، و هذا بدوره غير ممكن بدون محاسبة و قرارات ثورية و جريئة تطهر الإعلام . لا يمكن أبدا تصور نجاح ثورة أو حكومة بدون إعلام يجحذ الهمم للبناء و يعزل المناوئين و المخربين و الانتهازيين أعداء الوطن و الديمقراطية و الإستقلال الوطني
8- ليس من المنطق و لا من المعقولية أن يعتقد المرء أن يظل المجرمون من النظام البائد ينتظرون مصيرهم و حتفهم دون أن يسعوا إلى إسقاط الحكومة و تدميرها حتى ينجوا من المحاسبة . لقد اعطتهم العدالة \'\'التشليكية \'\' كل الوقت ليكيدوا للحكومة كيدا عظيما كاد أن يذهب بها في عديد المرات
9- من الخطأ الفادح أن يعتقد المرء أنه بإمكانه أن يعتمد أو أن يطوع نظام قد بنى أجهزة تغولت في الفساد و تمرست كوادرها على الدهاء و المكر و تورطت في كافة انواع الفساد طيلة عقود من الزمن لبناء البلاد. فكان لابد من التطهير ووضع رجالات تؤمن بالثورة و مقتنعة ببرنامج الحكومة و منخرطة ومنسجمة و ملتزمة بتنفيذه و هذا يمثل حجر الزاوية في نجاح البرنامج
10- من أفدح الأخطاء ترك وزارة الداخلية على ما عليه من فساد متجذر و مرتعا للمخابرات الأجنبية، و وكر للتآمر و للولائات لجهات متعددة
11- حساسية مفرطة من الصحافة العالمية ومن المنظمات الدولية و كل ما وقع التخوف منه من تشويه قد وقع و بأيادي تونسية يكن لها الحكومة ألف كل التقدير وتتعامل معها و تنصت إليها . خوف من القوى الخارجية ملفت للنظر و غياب تام للمناورة أو اللعب عل المتناقضات أو إستعمال نفس المنطق و اللغة لدى القوم لإقناعهم بضرورة التطهير من الفساد و الاقدام على قرارات جريئة، أو تشريك الشعب في مثل هذه القرارات
ما هو الحل؟
1-بغض النظر على المضي والإصرار على حكومة التكنوقراط التي تمثل الرضوخ إلى المعارضة الإنقلابية و نداء الشر التبيع معه و فتح الباب على مصراعيه لهم لاستعادة ما خسروه و فرصة ذهبية لتغيير مسار البحث في مقتل شكري بلعيد لاسقاط التأشيرة عن حزب النهضة و محاكمة رموزه باطلا ، فإن حكم الجبالي لم يكن حازما البتة مما اهدر هيبة الدولة و سمح لأعداء الوطن والثورة أن يستعيدوا كل قواهم فكادوا أن يجهضوا الثورة و تسقط البلاد في الأيادي الإجرامية من جديد. فإذا اردنا حقا إستخلاص العبرة فلابد أن يرحل الجبالي و يستقيل أو أن يقال مع جميع احترامنا الشديد لنضاله وحسن نيته واجتهاده
2- النظر في الأخطاء المذكورة أعلاه و غيرها و عدم تكرارها و بناء إستراتيجية يكون الشعب محورها والسند لها وهو القوة الضاربة التي لا تقف أمامها القوى الأخرى
3- اقترح أن يكون السيد أبو يعرب المرزوقي رئيسا للوزراء
في الأخير لا نحمل السيد حمادي الجبالي المسؤولية وحده عما جرى و لما انتهينا إليه و لكن له قسط مهم منها . فالمسؤولية مشتركة بين النهضة و التكتل و المؤتمر و شباب الثورة الذي إعتقد أن الحراك الثوري إنتهى بانتخاب حكومة شرعية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: