سفيان عبد الكافي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7859
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في منظومة الديمقراطية التشاركية ذات البيانات المفتوحة لا تتشكل سلطها على الهامش، حيث تتفاعل داخل تصميم يوضح العملية التشاركية في ممارسة السلطة، وتعطي الصلاحيات للسلطة المعنية حسب دواعي تواجدها واحتياجنا لها وما نريد منها عمليا.
لقد حافظت هذه المنظومة على المبدأ العام المعتمد على تفريق السلط الثلاث المتعارف عليه، إلا ان التعادلية تفرض هيكلة السلطة التنفيذية وخصها بنوع من التوازن التنفيذي من اجل حمايتها وحماية باقي السلط والمنظومة عامة في باب صد السلطة بالسلطة، فلا تبقى الممارسة السيادية والترتيبية بيد واحدة، لأنه طريق الإستبداد.
تقوم منظومة الديمقراطية التشاركية على تقسيم السلطة التنفيذية بين الحكومة والرئاسة، ولا توزع الصلاحيات بينهما اعتباطيا، بل تخضع لأصل دواعي تواجدهما كهياكل في السلطة التنفيذية، فالعلاقة بينهما علاقة تكاملية وليست علاقة صدامية، إذ لا يوجد صراع حول الصلاحيات، فصلاحياتهما مختلفة بحكم مهامهما، فالحكومة لها دور تنموي فتأخذ الصلاحيات الترتيبية الإدارية والرئيس له دور امني فياخذ الصلاحيات السيادية والرقابية.
تعمل هذه المنظومة على ترسيخ حكم ذا جدوى، يؤسس لدولة قوية ومتماسكة بسلط مترابطة لا تنهار حكوماتها عند الأزمات ويبقى فعلها ولمستها التنموية ثابتة وسريعة وفعالة، فما الجدوى من منظومة لا تكرس سلطة القانون وهيبة الدولة.
يحتل الرئيس في هذه المنظومة مكانة مهمة ومساوية لمكانة الحكومة الشرعية المنبثقة من الشعب تجسيما لتركيبة المجلس النيابي المنتخب، وبالتالي الحوار ما بين الرئيس والحكومة يكون دائما عبر المجلس النيابي الذي يعتبر المسئول الأول عن الحكومة، والشرعية الإنتخابية المباشرة من الشعب يترتب عليها صلاحيات الإقالة، فان اعتبرنا احقية المجلس النيابي في اقالة الرئيس اذا ما فسد او عجز عن القيام بالمهام المناطة بعهدته، فنطرح كذلك الإشكال المعاكس اذا ما عجز هذا المجلس وخاصة من خلال حكومته المنبثقة عنه في القيام بمهامه؟، خاصة إذا ما احتجنا إلى حل البرلمان واقالته، فالبرلمان مستمد شرعيته من الشعب مباشرة ولتقويض هذه الشرعية والسلطة نحتاج ايضا إلى شرعية مماثلة توازي شرعيته، وهذا ما تحتمه التعادلية التي تتميز بها هذه المنظومة.
لهذا السبب تسعى منظومة الديمقراطية التشاركية إلى إعطاء الرئيس صبغة شرعية قوية يستمدها مباشرة من الشعب من خلال انتخابات مباشرة وحرة وديمقراطية وتعددية ليكتسب الصلاحيات السيادية.
ان انتخاب رئيسا للجمهورية بصفة مباشرة هو مكسب تاريخي لا ينتبغي التخلي عنه، وان مبدأ انتخاب الرئيس بواسطة النواب امر مرفوض، فالشعب ليس قاصرا، ولا يحتاج لوصاية، وليس لنا من الموانع مايحول وانتخاب رئيسنا مباشرة، فنحن دولة بسيطة وصغيرة وعدد سكانها ليس بالكثير، وانتخاب الرئيس من طرف المجلس النيابي لا يعطيه الشرعية الكافية لممارسة سلطاته السيادية وارساء تعادلية كفتي السلطة، وبالتالي لا يحق له ابدا ان يحل مجلسا كان قد انتخبه ونصبه، وحتى ان اعطيت له هذه الصلاحية فهو مغالطة وإعاقة، لأنه إن حل المجلس النيابي يفسخ شرعيته التي استمدها منه، باعتباره فرع من اصل وليس انبثاق من الشعب، ولهذا لا نستغرب ان نرى الدور الهامشي للرئيس في المنظومات البرلمانية الصرفة، وكذلك نرى حكومات هامشية في المنظومات الرئاسية الإنفرادية، وهذا بسبب الغاء مبدأ التعادلية في توزيع السلط وفي الممارسة التنفيذية.
تبني المنظومة التشاركية سلطها على فلسفة الشرعية ومنطقيتها وبالتالي ترفض ان ننتخب رئيسا تبيح له هذه الإنتخابات المباشرة شرعية وصلاحيات ثم يجرد منها، فهذا تهميش للدولة، وانتخاب الرئيس مباشرة كما المجلس النيابي يكرس مفهوم التعادلية، حيث يمكّن الشعب من تعديل كفتي ميزان السلطة السياسية الحاكمة، حتى لا يستحوذ لون سياسي واحد على السلطتين السيادية والترتيبية لينفرد بالقرار خارج القوى السياسية الأخرى.
اليوم، في تونس، وبعد الثورة، نطمح إلى ارساء نظام يتماشى وعقليتنا، ويتماشي ومتطلبات التحديات التي تنتظرنا، ونطمح من الديمقراطية التشاركية ان تكرس رقابة السلط فيما بينها، وبالتالي تجد الشفافية طريقا نحو التموقع بجدية في المنظومة الإدارية مما يحتم على الأطراف السياسية تقديم افضل ما لديهم من الكفاءات حتى تتمكن من التعامل مع هذه المنظومة التي لا تتسامح في مبدأ الرقابة والشفافية، وتتكون دولة تكنوقراطية آليا، وتصبح الحلول الإبداعية السياسية اكثر من سقف المطالب التنموية وبالتالي لا تدخل البلاد في الأزمات.
يمثل الرئيس ارتكازا اساسيا في منظومة الديمقراطية التشاركة حيث يحمي امن الدولة داخليا وخارجيا، ويراقب الحكومة وتطور برنامجها التنموي الذي على اساسه صعدت به لسدة الحكم من خلال الإنتخابات النيابية، ومن حق الحكومة على الرئيس ان تطالبه بتوفير جو العمل داخل مدنية الدولة وعلوية القانون باعتبار الرئيس حامي هذه الهياكل والمتعهد بحماية الدستور والمرافق والعباد، لتستطيع الحكومة ان تصرف صلاحياتها الترتيبية في البنية التنموية بكل سلاسة تحت لواء القوانيين الموضوعة تحت رقابة الرئيس الذي يخاطب الحكومة عبر البرلمان باجراءات محددة ليقوم البرلمان بالمحاسبة والحل والتعديل أن زاغت الحكومة عن الإفاء بعهودها او عجزت او ظهر منها ما يشير إلى ازمات سياسية او اقتصادية او اجتماعية، وليس للرئيس عليها سلطة مباشرة في عزل وتكوين.
نعتقد ان النجاح في التكليف مرتبط بالقدرة على التنفيذ، ولهذا نعفي الرئيس من مسئولية التنمية كما اعفينا الحكومة من مسئولية السيادة والأمن، حتى يتفرغ كل لإختصاصه، والمنظومة الرئاسية التي تحمل الرئيس اكثر مما يحتمل يجبره على فقد العناية باحد الأمرين، تهميش التنمية والعناية بالأمن فيظهر الإستبداد، او العناية بالتنمية واضاعة الأمن فتذهب الفوضي بالدولة.
لهذا يقيم الرئيس حملته على هذه المبادئ المتعلقة باللأمن وحماية الدولة والسيادة والبرنامج الرقابي ومنهجية ارساء دواليب الدولة المدنية تحت لواء علوية القانون، والحكومات والبرلمان تقيم حملتها على المنافسه في المسالك التنموية والأفكار المستحدثة والخيارات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، وهنا لا نرى تضاربا بين السلط والصلاحيات، إذ هي مكملة لبعضها.
هكذا نصنف صلاحيات رئيس الجمهورية بعيدا عن عربدة الضوضاء، فتتضح لنا مسؤولياته وصلوحياته، اذ يمكن الحديث في هذا الباب عن الصلاحيات التالية:
صلاحيات امنية في المحافظة على دستور البلاد والمنظومة الديمقراطية ومدنية الدولة واستقرار البلاد والحفاظ على الوطن داخليا وخارجيا ولا يتأتى هذا إلا بتمكينه من التحكم في السلطة العسكرية والأمنية بجعله جمهوريا، ويكون هو قائد أعلى لكل فرد يحمل السلاح في السلك الأمني والعسكري، وبالتالي يعيين وزير الدفاع ومحافظ الأمن الوطني، ويهتم بالإستخبارت، وما يتبع هذا الأمر من صلاحيات يمكن ان نصنفها في هذا الجانب، ولكن لا يعين وزير الداخلية لأن الأصل في الداخلية بالنسبة للحكومة هي مدنية.
صلاحيات تمثيلية وتشريفية باعتباره رمز البلاد وقائدها تتيح له تمثيل الجمهورية على الصعيد الوطني والعالمي، امضاء المعاهدات، واعتماد السفراء وقبولهم إلخ...
الصلاحيات السيادية تمكنه من تنفيذ القوانيين المنتجة من المجالس النيابية وتنفيذ القرارات الترتيبية للحكومة، وممارسة العفو التشريعي العام والخاص على حسب النظم والقواعد المعمول بها، وتُمضى كلها تحت قرار جمهوري.
وتتيح له صلاحياته الرقابية تفيعل الحكومة ورقابة ادائها ومدى التزامها بالمنوال التنموي والتدخل عبر البرلمان إذا زاعت وهددت امن البلاد واستقرارها بفشلها التنموي والسياسي، فيطلب من الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية ان يرشح من يتولى رئاسة الحكومة ويكون اعضائها حسب القانون، فيلعب دور الحكم في الساحة السياسية وما بين الحكومة والشعب عبر البرلمان، فإن راى منها زيغا أو فسادا مما قد يهدد الدولة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، يحول امرها إلى السلطة التشريعية للمحاسبة، أو القضائية لتبت في امر اختلفت فيه الحكومة والرئاسة والمجلس النيابي.
الرئيس المنتخب هو رئيس كل التونسيين، بمن فيهم من لم يصوت له، وعليه ان يعمل لفائدة الجميع باستقلالية تامة، وهذا ما يلزمه بالتفرغ التام لخدمة الشعب وعليه الإستقالة من مسئولياته الحزبية، ولكن لا يستقيل من انتمائه الحزبي، حتى يتحمل الحزب مسئولياته في اختيار مرشحيه، ولا يتنصل من تحمله المسئولية في حال فشل الرئيس في أداء مهامه، فلا يتحمل الرئيس النتائج بصفة فردية او شخصية ولكن الحزب يتحمل معه نتائج التهاوي باعتبار انه مسئول على من رشحهم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: