البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

عوائق جدية أمام مراقبة المال السياسي

كاتب المقال العادل السمعلي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7451


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


إن كثرة الحديث منذ سقوط نظام بن علي عن المال السياسي المتدفق من مصادر مجهولة باتجاه خزائن بعض الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية له ما يبرره في ظل تعاظم مظاهر بذخ بعض الأحزاب بطريقة تدعو للتساؤل والاستفهام بجدية حول جدوى وفاعلية عملية الانتقال الديمقراطي في ظل تدخل مكشوف وسافر لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية للتحكم في مسار اللعبة السياسية والتي نريدها جميعا نزيهة وشفافة ولا تخضع لابتزاز وسطوة أصحاب النفوذ المالي والاقتصادي

فمن المسلم به أن تدخل رأس المال السياسي المشبوه ليتحكم في عملية الانتقال الديمقراطي بتونس من شأنه أن يفسد كل ما خاضه الشعب التونسي من نضالات وما قدمه من تضحيات من أجل الوصول إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم الإرادة الشعبية وتوفر الحد الأدنى من الحرية والكرامة الاجتماعية وذلك بعد معاناة ستة عقود من الحكم الفردي والاستبدادي الذي لم يكن فيه المواطن التونسي يتمتع بالقدر الأدنى من الاحترام و الاعتبار وكانت فيه مصادر التمويل السياسي معطى لصيقا لإرادة لحزب الحاكم ومن والاه من الطبقة السياسية المتحالفة معه لتشكيل مشهد سياسي وإعلامي مزيف يخضع للطاعة والولاء ولا يعكس ضرورة رغبات وطموحات الشعب التونسي

إن الجدل التي شهدته البلاد سواء على منابر الإعلام السمعي والتلفزي أو على صفحات الاعلام الألكتروني أو المكتوب اتسم في أغلب الأحيان بالضبابية والضمور وبإلقاء التهم جزافا ضد هذا الطرف أو ذاك دون معطيات صحيحة أو حقائق موثوقة بل تتم مناقشة ذلك والتطرق إليه حسب المعاينات و الانطباعات و ما يلاحظ من تظاهرات ونشاطات بعض الأحزاب التي تتكلف أموال طائلة وإمكانات مادية هائلة في الوقت الذي كانت هذه الأحزاب بالأمس القريب لا تجد ثمن معين كراء مقراتها السياسية وتحتجب صحفها عن الصدور لضيق ذات اليد وعدم القدرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية وبناءا على ذلك فإن طرح هذه المسألة للبحث بجدية و روية ومسؤولية من ضرورات الانتقال إلى حكم رشيد ودولة مدنية ديمقراطية تكون فيه المساواة بين مكونات المجتمع أبرز سماتها

ولكن لنا أن نتساءل عن قدرة المجتمع على التوافق على هذه المسألة ومعالجة هذه القضية الحديثة في واقعنا السياسي بطريقة تغلق كل المنافذ المؤدية إلى سيطرة رؤوس الأموال والمتنفذين على مشهد سياسي تونسي مازال يعاني من الضعف والهشاشة نتيجة نظم الحكم الاستبدادية السابقة
وفي هذا الإطار نؤكد أنه لا أحد يمكن له أن يمنع حزب سياسي من أن يتحصل على تمويلات ومنح مادية أوعينية من طرف الأعضاء الميسورين أو حتى من طرف رؤوس الأموال المتعاطفين مع توجهاته ولكن ضرورات التنافس والشفافية يفرض أن تمر هذه الأموال عبر وثائق وعقود قانونية لكي يتم قيدها وإدراجها في قوائم المحاسبة المالية والتي يجب أن تخضع للمراجعة والتدقيق من طرف مختصين في مجال المراقبة المالية و ذوي الخبرة في المحاسبة والتدقيق المالي كما يجب أن يتم نشر هذه البيانات المحاسبية سنويا في الرائد الرسمي التونسي وإحدى الصحف اليومية تماما مثل الشركات التجارية وذلك لضرورات النزاهة والشفافية للأحزاب السياسية وذلك لقطع دابر الشكوك والتأويلات حول مصادر المنح والتمويلات

فمن وجهة نظر تقنية بحتة واعتمادا على القوانين المالية ومعايير المحاسبة العمومية والخاصة المعمول بها حاليا يمكننا الجزم بكل وثوق أن مراقبة وضبط المال السياسي من أصعب المسائل والإشكاليات التي ليس من السهل ولا من الممكن الإحاطة بها وضبطها بطريقة دقيقة وشفافة وأن الاعتراف بذلك أولا وبعيدا عن المزايدة السياسية أول الطريق لتفكيك وحلحلة معضلة تدفق المال السياسي وذلك لعدة أسباب تقنية ومنهجية لعل أهمها غياب منظومة محاسبية شفافة للأحزاب والجمعيات في القانون التونسي

إن أغلب مكونات المجتمع المدني لا تتبنى منهج واضح ودقيق في ضبط الموازنات المالية وأنها تعتمد في العموم على نظام محاسبة يعتمد القيد الواحد وهذا النظام لا تتوفر فيه أدنى شروط الشفافية بل هو نظام محاسبي تقليدي يشبه لحد كبير منظومة حسابات تجارة التفصيل والمهن والحرف الفردية الكلاسيكية ( حساب عطارة ) والتي لا يفرض عليها القانون إجبارية المحاسبة ويخضعها لقانون جبائي مبني على التصريح الفردي على رقم المعاملات وفق شهادة على الشرف في صدق المعطيات المالية والمحاسبية . ومن هذا المنطلق يغيب عن مكونات المجتمع المدني التزام نظام محاسبة على مستوى المداخيل والمصاريف يتسم بالدقة والصرامة و هو لا يعتمد بتاتا على المعايير المحاسبية المعتمدة وطنيا ودوليا التي تستوجب اعتماد طرق ومناهج واضحة وخاضعة للتدقيق والمساءلة وبهذه الطريقة لا يمكن تدقيق المعلومة المحاسبية ولا التثبت من صحتها كما تقتضيه ضرورات المراقبة المالية ولنا في انتشار ظاهرة الفواتير المزيفة محليا وحتى دوليا أكبر دليل على صعوبة وإشكال إخضاع هذه الأحزاب والجمعيات للرقابة القانونية الصارمة

إن الجدل الدائر والمثار بين الفينة والأخرى حول تمويل الأحزاب والجمعيات الأهلية من طرف الشركات التجارية أو من طرف رؤوس الأموال الفردية هو جدل يدور خارج طبيعة الحقائق الواقعية للنسيج الاقتصادي التونسي وهو جدل مفارق لطبيعة المشهد الاقتصادي والمالي التونسي ولا يأخذ بعين الاعتبار أن أغلب الشركات التونسية ذات صبغة عائلية يسيطر فيه القرار الفردي على القرار الجمعي للذات المعنوية التجارية مما يفسح المجال للاستفراد بالرأي عند مالكي الشركات والتي من المفروض أن تمتعها بالذات المعنوية الاعتبارية يجعلها بمعزل عن القرارات الانفرادية وهذا مما لا يتوفر بعد في النسيج الاقتصادي والمالي التونسي

وبناءا على ما سبق نؤكد أن مراقبة تدفق المال السياسي عملية في منتهى الدقة والتعقيد وتخضع لضوابط تصرف قانونية ومحاسبية ولا يمكن أخذها بالبساطة والسهولة التي يتناولها الآن بعض الأقلام الصحفية الإعلامية والسياسية و التي يبدو أنها لا تحيط علما بكنه ودقائق المعاملات المالية والاقتصادية وللبرهنة على تعقيد هذه العملية لا بد أن نشير أنه رغم التقاليد الديمقراطية العريقة لبلدان أروروبية كفرنسا مثلا إلا أن ذلك لم يمنع من ظهور فضائح وتجاوزات في عمليات التمويل السياسي حتى أن القوانين الفرنسية عرفت تنقيحات عديدة وتجاذبات قوية مكنت من تنقيح القوانين عديد المرات لسد منافذ التمويلات المشبوهة التي تظهر على الساحة من حين لآخر وهذا الأمر يحدث في أعرق الديمقراطيات فما بالكم في بلد مازال يتلمس طريقه نحو الانتقال الديمقراطي

و ختاما نؤكد أن محاصرة ورصد التجاوزات المرتبطة بتدفق المال السياسي بطريقة توفر حد أدنى من العدل والحياد إتجاه العملية السياسية الوليدة لا تتطلب فقط سن قوانين جديدة أو تبني معايير محاسبية رادعة بل يجب أن نتجاوز ذلك إلى تبني منظومة أخلاقية سياسية وميثاق شرف في هذا الشأن يجمع كل أطراف المجتمع المدني وهذا الميثاق الأخلاقي الذي ندعو إليه لا بد أن يمر عبر لجنة عليا مشتركة يتم تكوينها بالتوافق بين جميع المهتمين وتتكلف هذه المؤسسة بوضع الأسس والضوابط لتدفق المال السياسي لجميع مكونات المجتمع المدني بطريقة معلنة وشفافة وتخضع للمحاسبة والمساءلة وهذا ما ننتظره ونطمح إليه قبل إجراء إنتخابات جديدة لفض هذا الاشكال بالتوافق مع جميع الأطراف السياسية والمدنية

إن المزاوجة من جهة بين قوانين رادعة ومعاير محاسبية جديدة وبين ميثاق شرف يجمع جميع الأطراف من شأنه أن يحصر تداعيات المال السياسي ويحد من تأثيره السلبي على المشهد السياسي التونسي وبدون ذلك سيبقى الجدال عقيما ومفرغا من محتواه وموجها لضرب أطراف سياسية معينة بإلقاء الاتهامات يمينا ويسارا في غياب معايير واضحة والتزامات موثقة من الجميع باحترام عمليات التمويل السياسي التي هي من أسس وقواعد الانتقال الديمقراطي

-------------
الأستاذ العادل السمعلي
كاتب من تونس


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، الفساد، الفسد المالي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-12-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أبو سمية، صلاح الحريري، د. طارق عبد الحليم، سعود السبعاني، نادية سعد، محرر "بوابتي"، المولدي الفرجاني، د. عبد الآله المالكي، د - مصطفى فهمي، حسن الطرابلسي، محمد أحمد عزوز، محمد الياسين، رحاب اسعد بيوض التميمي، منجي باكير، عبد الرزاق قيراط ، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمود علي عريقات، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سامر أبو رمان ، د- محمد رحال، رافع القارصي، د - شاكر الحوكي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلوى المغربي، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، محمود سلطان، ضحى عبد الرحمن، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، د. خالد الطراولي ، أحمد النعيمي، فوزي مسعود ، فتحي العابد، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، يزيد بن الحسين، كريم فارق، يحيي البوليني، سيد السباعي، حسن عثمان، صفاء العراقي، د.محمد فتحي عبد العال، إسراء أبو رمان، أحمد بوادي، صالح النعامي ، مراد قميزة، فتحي الزغل، د - الضاوي خوالدية، عواطف منصور، محمد الطرابلسي، عراق المطيري، حاتم الصولي، صلاح المختار، إياد محمود حسين ، كريم السليتي، محمد العيادي، علي عبد العال، أحمد ملحم، عمار غيلوفي، د - محمد بنيعيش، صفاء العربي، مصطفى منيغ، سلام الشماع، عزيز العرباوي، سفيان عبد الكافي، خبَّاب بن مروان الحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، فتحـي قاره بيبـان، أشرف إبراهيم حجاج، الناصر الرقيق، عمر غازي، ياسين أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، إيمى الأشقر، أ.د. مصطفى رجب، د. مصطفى يوسف اللداوي، رمضان حينوني، أحمد الحباسي، ماهر عدنان قنديل، د. أحمد بشير، محمد يحي، د. أحمد محمد سليمان، مصطفي زهران، فهمي شراب، جاسم الرصيف، العادل السمعلي، د - عادل رضا، عبد الله زيدان، د. صلاح عودة الله ، مجدى داود، خالد الجاف ، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، د - المنجي الكعبي، د- هاني ابوالفتوح، سامح لطف الله، رافد العزاوي، محمود طرشوبي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، الهادي المثلوثي، حميدة الطيلوش، د - محمد بن موسى الشريف ، أنس الشابي، محمد عمر غرس الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، تونسي، علي الكاش، عبد الله الفقير، الهيثم زعفان، د - صالح المازقي، طلال قسومي، وائل بنجدو،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء