من وحى تحريك الدعوى العمومية فى حق إمام مسجد النور
رافع القارصي - ألمانيا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7670
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
العدالة الإنتقائية خطرا على مرحلة التأسيس و خيانة لروح الثورة .
لاشك أنّ ما أتاه إمام مسجد النّور البارحة من أقوال و نداءات على الهواء مباشرة تحرّض على الفتنة و تعلّى من شأن ثقافة العنف و التمرد على الشرعية و سلطة القانون يعد عملا تجرّمه التشريعات التونسية النافذة و التى إستقر بها العمل فقها و تشريعا و قضاءا .
لقد أشرنا البارحة فى نص مكتوب إلى خطورة هذه التصريحات على مدنية الصحوة الإسلامية و كذا على السلم الأهلى و المدنى الذى مازال يعانى من هشاشة و قابلية كبيرة للإنزلاقات و الإنفلاتات فى كل حين بما يجعل من تلك التصريحات عاملا مغذيا للإحتقان و مساعدا على إحتضان ثقافة الإنتقام و الثأر و الدم هذا الثالوث المدمر للتعايش و المعيق لبناء دولة القانون و المحطّم للأمل فى إرساء مجتمع تعاقدى يسوده العدل و القانون.
إعتبارا لكل ما تقدم بيانه لم أتفاجئ اليوم من الإجراءات القانونية التى إتخذتها النيابة العمومية فى حق صاحب هذه التصريحات حيث أمرت بفتح تحقيق فى الغرض وعهدت إلى أحد السادة قضاة التحقيق بالمحكمة الإبتدائية بتونس العاصمة الشروع بالتحرى فى أصل الدعوى العمومية وجلب كل من سيكشف عنه البحث إلى ساحة القضاء .
كان يمكن لهذا الخبر أن لا يثير في أي رغبة من قريب أو من بعيد فى التساؤل الذى يصل إلى حد الحيرة و القلق و الخوف على مصير مرفق القضاء فى هذه المرحلة الإنتقالية التى ترغب المجموعة الوطنية فى الخروج منها بسرعة نحو بناء الجمهورية الأولى على أنقاض مملكة القهر و العسف و الإستبداد
كان يمكن لهذا الخبر كذلك أن يكون مؤشرا جديدا على أن السلطة الجديدة قطعت نهائيا مع ثقافة سياسية فى إدارة الشأن العام تقوم على الكيل بمكيالين قامت الثورة من أجل إسقاطها و إستبدالها بثقافة فى الحكم تقوم على تساوى المواطنين أمام القانون و القضاء مهما كانت ألوانهم السياسية و مشاربهم الحزبية و خلفياتهم العقدية و الإيديلوجية و هو الكلام الجميل الذى لم يتعب وزراء الداخلية و العدل و رئيس الحكومة فضلا عن رئيس الدولة من ترديده على مسامع النخب و عامة أبناء شعبنا بلا كلل ولا ملل حتى حرّك فينا ذلك ذكريات نوفمبرية لطالما عزفت سمفونية دولة القانون و المؤسسات و لا مجال للظلم بعد اليوم إلى آخر المقاطع الحزينة الذى يؤلمنى كثيرا الإحالة عليها فى زمن الثورة و الشرعية ولكن عودة التمييز بين المواطنين أمام القانون و الذى سنعطى عليه أمثلة هو الذى دفعنى إلى الحفر فى الذكريات و هى حفريات تدمى قلبى قبل قلمى .
السيد عدنان الحاجى / مواطن تونسى خلفيته نقابية تميل إلى الإحمرار يقوم أثناء إشرافه على إحتماع شعبيا عام بالدعوة إلى قتل أبناء وطنه من الإسلاميين لأنّهم لا يستحقون الحياة كما جاء فى أقواله .
و قبل ذلك بأسابيع هدّد بإنفصال إقليم الحوض المنجمى عن خارطة الوطن إذا لم تستجب الحكومة إلى مطالب النقابات فى الجهة .
الأستاذ شكرى بلعيد / قيادى بارز فى حركة الديمقراطيين الوطنيين يشرف على إجتماع من داخل مقر الإتحاد الجهوى للشغل بسيدى بوزيد و هو لا يحمل صفة نقابية تسمح له بالإشراف على إجتماعات نقابية داخل مقر الإتحاد و يدعو إلى العصيان المدنى داخل الجهة وسط تصفيق الحاضرين .
الأستاذ شكرى بلعيد فى حصة حوارية بثت على الهواء مباشرة على قناة حنبعل بحضور أحد أعضاء الحكومة السيد وزير الفلاحة يقوم بثلبه و النيل من كرامته بسفالة وجرأة قلّ نظيرهما وذلك عبر إتهامه بالعمالة إلى المخابرات الصهيونية و الأمركية .
السيدة سهير بلحسين / مواطنة تونسية ذات حضور عابر للقارات لم تسعدها إختيارات شعبنا الإنتخابية فدعت على الهواء مباشرة أثناء حصة حوارية مع إحدى القناوات الفرنسية الحكومة الفرنسية إلى التدخل بأى وسيلة لإنقاذ قيم الحداثة المهدد بالإنقراض بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة فى تونس حسب زعمها تعود إلى الوطن فيقع تكريمها و إستقبالها فى القصور الثلاث باردو و القصبة و قرطاج .
شاعر إسمه فى المفرد و لقبه فى صيغة الجمع: الصغير أولاد حمد يصرّح علانية بإستعداده للعودة إلى سيدى بوزيد مهد الثورة و مسقط رأسه لحمل السلاح و قيادة ثورة مسلحة و ذلك مباشرة بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات ليوم 23 أكتوبر 2011 .
جماعة نداء تونس الذراع الحزبية للثورة المضادة أثبتت كل الشهادات و الوقائع و القرائن أنّ أصابعها موجودة فى كل الإنفلاتات الأمنية الخطيرة التى حصلت فى المدة الأخيرة و التى أسفرت عن سقوط قتلى مثل ما وقع فى ولاية تطاوين و أخيرا فى جهة دوار هيشر .
عصابات إجرامية مدفوعة الأجر تحرق و تهاجم مقرات السيادة بمختلف أنواعها " ولايات مقار أمنية محاكم إلخ " أمام أنظار القوة العامة وفى أكثر من ولاية و بشكل دورى و مستمر و مع سابق الإصرار و الترصد .
أكتفى بهذا القدر من السرد لأن حفريات الذاكرة قد أدمت قلمى فلم يقدر على مواصلة الحفر فى أرشيف وطن ظننا أنّه أخيرا سيرى الميزان و لكن...
إنّ هذه الوقائع و الأفعال يجرّمها القانون التونسى ولكن بقى أصحابها بدون عقاب ولم نرى النيابة العمومية تحرك الدعوى لجلب الأطراف المتورطة فيها لتقديمهم للعدالة .
أتصور جازما بأنّ هذا الشريط الذى كنت بصدد عرضه على السادة القرّاء
لن يكون رصيدا فى خانة الحكام الجدد إذ أنّ الشعور بالغبن و الظلم و التمييز بين المواطنين أمام القضاء بسبب اللون السياسى جريمة أخلاقية فى حق الله و الوطن و الثورة لاتقل خطورة و فضاعة عن الجرائم العنصرية إذ لا فرق عندى بين من يميّز على أساس اللون السياسى و بين من يميّز على أساس لون البشرة .
وختاما أتمنى أن نرى اليوم الذى تقف فيه جميع السلفيات الخارجة عن القانون أمام ساحات القضاء العادل لأنّى أصبحت أخشى أن تكون هذه الحكومة راغبة فى التخصص فى مقاومة نوع واحد من السلفية وهى رغبة إن صدقت توقعاتى لن تكون إلاّ رغبة مستوردة من وراء البحار لا مصلحة لشعبنا و لثورتنا فيها …. أكون سعيدا جدا لو تكذبنى الأيام القادمة .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: