منجي باكير - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7255
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
جاءت أحداث الثّورة و استبشر كلّ التونسيين بهذا التغيير الشعبي الحاصل و توسّم الجميع خيرا في أن يتبدّل الحال إلى ما هو أفضل معنويّا و خصوصا مادّيا .
لكن مع مرور الوقت بدأ اليأس يدبّ في بعض هؤلاء المتفائلين ، نعم يأس أملته وقائع الأحداث و التطوّرات ، صحيح أن الثورة كانت ثورة كرامة لكن أيضا كانت ثورة على واقع مادّي مرير و انسداد أفق ( العيّاش) أمام الهوّات السّاحقة بين طبقات المجتمع ، منذ الثورة و حتّى الآن لم يبرز على السّطح إلاّ انفلات إعلامي تحكمه و توظّفه جماعات و أفراد لغايات شخصيّة ضيّقة ، و استهتار واضح بالقيم و الأخلاق ، و ظهور نوعيّة جديدة من المناضلين بعد 14 جانفي الذين أصبحوا يمارسون عقدهم السّياسيّة و يزرعون الشكوك و الفتن بمناسبة و غير مناسبة فقلبوا الفيستة و تزعّموا المنابر من جديد و بلغة جديدة و أقصوا الشرفاء الذين أدمت قلوبهم و أجسادهم آلة الطغيان في العهود السّابقة ليبقوا متفرّجين ..
و لاحظنا تغوّل كثير من ( البانديّة ) و خرّيجي السّجون في السطو و البراكاجات و ترويع الآمنين و آخرين انتهزوا غياب تطبيق القانون ليزحفوا على الأملاك الخاصّة و العموميّة و يطلقون أيديهم في هذه الأملاك بكلّ وقاحة و صحّة رقعة ...
قاسمنا الليبيّون معاشنا و سكننا و قارعونا بكثرة أموالهم حتّى في أسواقنا الشعبيّة و أحياءنا الشعبيّة و زادونا أزمات على أزماتنا و شجّعهم أباطرة و سماسرة لا يضبطهم ضابط و لا يردعهم رادع و لا يملكون ضميرا ،،،
تعطّلت كثير من مؤسّساتنا و إداراتنا فعطّلت مسار حياتنا و تأخّرت بنا ، أحاطتنا المزابل من كل صوب و غزتنا في عقر دارنا و ( زيّنت شوارعنا و حوارينا و أحياءنا) حتّى صارت جزءً من ديكورات طرقنا .
عانينا و نُعاني من غلاء الأسعار المتواصل و المتصاعد و المغلّف بماركة (اشرب و إلاّ طيّر قرنك ) حتّى في أساسيّات حياتنا و ضروراتها فضلا عن احتياجاتنا الأخرى ،،، غلاء يمسّ في غالبه الطبقات الفقيرة و يهتك ما بقي من ستر للطبقات المتوسّطة ، هذه الطبقات التي هي أذرع تونس و محرّكها الإقتصادي و الإجتماعي و التعليمي و الصحّي و الثقافي و الفكري ،،،،
فهذا طبعا لا يعني الطّبقة الثّريّة و الكوادر و أصحاب المهن الحرّة و القطاع الخاصّ الذي هو بدوره برغم مداخيله الخياليّة يقاسمنا نفس الخبز و نفس الزيت و نفس مشتقّات القمح و الطماطم و الحليب و الغاز و سائر الموادّ المدعّمة و لكنّها لا تدفع من الضرائب إلاّ القليل القليل بينما الكادحون يُجزّأ نصيبهم من الضرائب مسبّقا و بكلّ دقّة في الحسابات و بلا تأخير
فحتّى متى و إلى متى ستبقى غالبيّة هذا الشعب تعاني من ويلات الحكومات المتعاقبة ؟ و هل أنّ هذه الطبقات الكادحة قُدّر لها أن تكون عنوان التضحيّة مع كلّ حكومة تريد أن تنجح برامجها الإقتصاديّة و السّياسيّة .و هل هذا هو ما جنته من الثورة !؟؟
هذه الطّبقات من الشعب لا تهمّها الأحزاب و مشاكلها و لا تهمّها تهريجات المعارضة و لا تبريرات الموالاة و لم يسعدها قطّ هذا السّيل الجارف من الإنحلال الأخلاقي المعروض على وسائل الإعلام و لم تترقّب كتغيير حاصل بعد الثورة أن ترى وجوها كانت تنغّص عليها عيشها أيّام الدكتاتوريّة و تتمعّش من حُرّ مالها و هي الآن تدّعي النّضال و تحاول أن تمحق قيمها و موروثاتها الأخلاقية و عقيدتها بدعوى التحرّر، بقدر ما يهمّها أن يرجع لتونس أمنها و أمانها و أن ترجع الحقوق إلى أصحابها و أن تحكمها نُخبة وطنيّة بحقّ .كما يهمّها أيضا أن تتحسّن أحوالها المادّية على مستوى الأفراد و الجهات و أن يأخذ القانون مجراه و أن ترجع الأمور إلى نصابها ...
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: