فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9476
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما انفك هذا الذي عينته حركة "النهضة" رئيسا على التونسيين، يراكم التصرفات الاّطبيعية التي يتراوح تصنيفها بين الطريفة وبين الغريبة وهو ما يجعل البعض يقول أن هذا الرئيس غريب الأطوار، بينما يطالب البعض الآخر بالتثبت من مداركه العقلية، ولعل مما يعطي مصداقية لهذا المطلب هو استقباله أخيرا واعتذاره باسم رئاسة الجمهورية لإحداهن من ضحايا عمليات الإلحاق الثقافي ممن ترى التسيب والسهر لساعات الصباح خارج البيت واتخاذ الخلاّن خارج نطاق الزواج أمرا طبيعيا، بما يعني أن هذا الشخص المستأمن استغل منصب الرئاسة للترويج لمواقف إيديولوجية تصادم هويتنا.
ثم إن هذا الرئيس وُضع في حال أصبح يعاني فيه من أوقات فراغ كبيرة، ولذلك فإن مجمل النشاطات الغريبة التي يأتيها إنما تدخل في نطاق هوايته المفضلة في البحث عما يملئ به فائض الوقت لديه من بعدما سحبت منه مجمل الصلاحيات. ولعل التونسيين يملكون حظا أن دُفعوا لجعل هذا الرئيس الطريف على هذا القدر الضئيل من الصلاحيات وإلا لكانت أزماتنا معه أشد.
وإذا كان مفهوما أن يعاني هذا الرئيس الظريف من أحاسيس الاستنقاص أن تُرك مهملا يكاد يكون بلا دور، فإنه يبقى غير مفهوم أن يسرف في استغلال المناسبات حد افتعالها.
وإذا كان مقبولا أن يسعى لاستغلال المناسبات للظهور، فإنه يبقى غير مقبول ممن تبوأ الرئاسة أن يتصرف بكيفية تراوح بين الخفة وبين الهذر أحيانا وبين الانتهازية والتظاهر الفج أحيانا أخرى.
فلسبب ما فإن هذا الرئيس يبدو مولعا بتنظيم حفلات التكريم والاستقبال، وهو يملك جدولا خاصا للمناسبات التي يحتفل بها، إذ هو يحوز على مناسبات قُدت على حسابه من دون تلك التي يعرفها كل التونسيين.
وهو يملك قائمات خاصة لمن يستحقون التكريم، قائمات قُدّت على حسابه هو من دون عُرف كل التونسيين، فهو الوحيد الذي يحوز أسرار و شروط من يجب أن تستقبله وتكرمه الرئاسة.
فهذا الرئيس غريب الأطوار يستقبل منظمات نسائية مشبوهة ممن تغالب الثورة وممن تدعو للنمط الثقافي الغربي وهي بعد ذلك كانت متحالفة موضوعيا من بن علي، وهو بالمقابل يستثني من استقبالاته وتكريماته المنظمات النسائية التي تنشط بها تونسيات صادقات قاومن ظلم بن علي ودخلن السجون وهن بعد ذلك من المفتخرات بدينهن المنضبطات به.
وهذا الرئيس لا يفتأ يتهجم على فتية متّقدين عنفوانا وغيرة على دينهم وإن أظهروا أحيانا شيئا من غلو، ولا ينفك على وصفهم بأقذع الصفات كالحشرات والطفيليات والجراثيم، وهو بالمقابل يظهر سعة صدر وتفهم لتلك الشراذم التي يسوئها رؤية تمدد الإسلام بالمجتمع التونسي وأوبة الناس لدينهم، هؤلاء الذين يتهجمون على عقائد التونسيين تحت مزاعم الفن وحرية التعبير، هؤلاء الذين ينتشرون كالجراد بأدوات التثقيف الجماهيري كالإعلام والثقافة والتعليم، وهي المناصب التي استولوا عليها أيام تحالفهم مع سيئ الذكر أو زمن بن علي.
وهذا الرئيس يبدو ذا حقد فريد ومتميز ضد كل من يناهض تصوراته الفكرية والثقافية، فهو لا يكتفي بالتهجم على حملة مشعل الهوية بتونس، بل انه يعاديهم حتى وهو خارج البلاد، ويسفههم ويقزّمهم ويستعدي عليهم العالم ويحاول التضييق عليهم.
وهذا الرئيس يصر على التصرف على أنه حامل فكر منبت متطرف ذي خلفية عقدية غربية وليس رئيس دولة ممثل لكل التونسيين، فهو مثلا لا يجد حرجا أن يتهجم على أبناء وطنه خارج البلاد لا لشيء إلا لأنهم يخالفون فكره، وما يهمه هو إدخال البهجة على مخاطبيه الغربيين أكثر من همّه بوجوب الانضباط بمسؤولية الرئاسة التي توجب عليه التحفظ.
وهذا الرئيس يبدو على قدر محترم في مواهب الكذب والتضليل، إذ يقول أن الإسلاميين لم يشاركوا في الثورة، وهل قامت الثورة إلا بالتراكمات النضالية التي أنتجها الإسلاميون، وهل كان الإسلاميون يتحلّقون مثله أمام التلفاز في باريس طيلة أيام الثورة، مختبئا مرعوبا إشفاقا من أن يقع فتح باب الشقة حيث يقيم.
ولعله يحسن تذكير هذا الرئيس انه حينما كان أغلب من يكرمهم الآن يداوون أكفّهم من شدة التصفيق لبن علي ويعالجون بحّة أصواتهم من شدة هتافهم لل"سيدة الفاضلة"، كان الإسلاميون لا يجدون من يداوي جراحهم بالمعتقلات والسجون، وحينما كان مناضلو الدقائق الأخيرة ممن اكتشفوا فقط يوم 17 ديسمبر 2010 أن بن علي مجرم وجب الإطاحة به، حينما كان هؤلاء في تسعينات القرن العشرين في أحسن الحالات صبية غرّا يلعبون الورق ويكتشفون الدنيا ولا يسمعون بكلمات كالمبدأ والتضحية، كان الإسلاميون يقدمون النفس والمستقبل من أجل المبادئ، وحينما كان هؤلاء الذين يكرمهم الرئيس يناضلون في العلب الليلية ويسعون لاصطياد العاهرات كان شق من الإسلاميين يمتشقون السلاح في ساحات النضال ضد بن علي سعيا للإطاحة به.
ثم هل يلزم الناس أن تكون على قدر متقدم من الغباء مثل البعض حتى تتصور أن الإسلاميين حينما يشاركون في المظاهرات يجب عليهم أن يعلقوا بطاقات تثبت أنهم كذلك.
وموطن التعجب من كلام هذا الذي وضعوه رئيسا أنه يمكن تفهم أن يكون البعض ضعيف التفكير بحيث تكون استنباطاته وتحليلاته ضعيفة، ولكن يصعب تفهم أن يصر احدهم على خوائه بل وانه لينشر كذبه خارج البلاد إرضاء لمن يواليهم في الثقافة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: