منجي باكير - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8095
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
طيلة الفترة الاستعمارية كان للمنظّمة الشغّيلة الدور الرّيادي في مسار الحركة الوطنيّة و من بعدها في المحافظة على مكسب الاستقلال و المساهمة في مسيرة البناء و التعمير و قد تمادى هذا الدّور مع قادة الإتحاد العام التونسي للشغل المؤسّسين و من صلُح من سلفهم فكانت المنظّمة على الطريق الصّحيح ، متوافقة مع تطلّعات الشعب ومواكبة للمعايير العالميّة فكان لها وزنا حقيقيّا في المعادلات السياسيّة و الإجتماعيّة فكانت لها الفاعليّة المطلوبة و الهيبة اللاّزمة أمام الحكومات السّابقة و نعني بهذا الفترات الذهبيّة للإتحاد و التي انتهت مع المرحوم الحبيب عاشور .
بعد هذا دخلت هذه المنظّمة في جدليّة تقارب و تباعد مع الحكومات تميّزت في كثير من الأحايين بتصعيدات وصلت إلى مراحل الخطر و تهديد السّلم الإجتماعي.
وأحيانا أخرى انضوت المنظّمة في صورة قياداتها تحت جبّة الحكومات و انتهى الأمر مع عهد المخلوع بأن صار الإتحاد أقرب إلى هيكل توفيقي و توافقي سواء على مستوى النشاط المركزي أو على مستوى نشاط هياكله و وقع في مطبّ المهادنات الرخيصة و احتراف الدعاية مجانية و المناشدة العمياء لتجديد البيعة البنفسجيّة و خدمة أجنداتها فوأد بذلك أهم مبادئه و تنكّر لقواعده .
خلال الثورة كانت المنظمة الشّغيلة حاضرة في الشارع باعتبار أنها هيكل شعبي و لكن هذا الحضور كان على مستوى القواعد بعيدا كل البعد عن التأطير القيادي التدخّل المباشر في اندلاع ولا في مسار الثورة التونسية .
بعد الثورة تراوحت مواقف الإتحاد مع اختلاف في رؤى قادته المباشرين و حصل أن ارتعشت إبرة بوصلته في بعض المواطن و عند بعض هياكله نتيجة التجاذبات السياسية و الإستقطابات الحزبية و البحث عن مركزالقوّة حتّى وصلت أحيانا إلى سياسة ليّ الذراع مع الحكومة لتنفّذها غلطا بعض الهياكل الجهويّة و المحلّية أو الأشخاص إلى قدرِ تعطّلت معه كثيرا من المصالح العامّة وحدثت معه بعض التشويشات التي استغلّها آخرون بتطويرها ومحاولة توظيفها لمصالح مرجعياتهم الحزبية أو استكمالا لمهمّات خالصة الثّمن ....
أخيرا اهتدى الإتحاد إلى ما يجب عليه القيام به بتشخيص أفضل و طرق أحسن، متملّصا من الولاء لأيّ جهة و مراعيا للمرحلة الرّاهنة و مؤسّسا للغة حوارية بعيدة عن الإستعلاء و شخصنة الخطاب .. وهو بذلك يقترب إلى وضعه الطبيعي ويسعى إلى مزيد من التفاف القاعدة الشعبية حوله ، خصوصا إذا واصل نفس التمشّى و اتّخذ لنفسه استراتيجيّة لتطهير نفسه من فلول النّظام السّابق المتلوّنين و المتنكّرين في أثواب التقدّمية و الثوريّة و المزروعين في كثير من المنظّمات و مثلها إتّحاد الشغل ،و أن ينزع عنه الولاءات الحزبيّة الضيّقة مهما كان مصدرها و مهما كان توجّهها ، كذلك يحرص بكلّ حكمة أن يجنّب البلاد الصراعات و الفتن و الجهويّات و العصبيّة و أن يقطع دابر كلّ ما من شأنه أن يثيرها أو ينظّر لها .
وأن ينأى بنفسه عن الرّكون إلى مؤسّسات الدولة و يبقى نظيف الموارد شفّاف المداخيل صريح الخطاب و علمي المنهجيّة مع مراعاة المراحل الدقيقة التي تمرّ بها البلاد مع الإلتزام بمراقبة الحكومة و محاسبتها على قدر المطلوب و المعقول.
ومن واجبه أن يبقى على علاقة طيّبة مع الحكومة و أن يمثّل معها تشاركيّة واضحة الخطوط قوامها المحافظة على استقلالية المنظّمة و حريّة عملها ...
كذلك أن يعمل سويّا مع تشكيلات المجتمع المدني و المنظّمات الوطنيّة و المؤسّسات الحكومية للنّهوض باقتصاد البلاد و السّعي إلى الخروج الحكيم من دائرة إرتباط البلاد بهيمنة الدّول الكبرى و السّياسة المجحفة لصندوق النقد الدولي و من شابهه في طريقة التعاملات المالية و القروض .
هكذا يكون الإتحاد العام التونسي للشغل منظّمة متصالحة مع تاريخها الرّاسخ و ساعية إلى خدمة الوطن لها حضورا مؤثّرا وفاعلا في مراقبة و محاسبة الحكومات ورادعا لكلّ من يفكّر في التعدّى على الوطن أو يمتهن كرامة مواطنيه، و هكذا أيضا يكون الإتّحاد العام قويّا في الحقّ أمينا على تونس العزيزة أمنا ، استقلالا و نموّا و ازدهارا .
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: