د - صالح المازقي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10941
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
مقدمــــــــــة
طُلِبَ مني تقديم محاضرة بمدرسة الدكتوراه التابعة لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، بعنوان: منهجية قراءة الثورات العربية: تونس مثالا تطبيقيا. فاستجبت مرحبا بالدّعوة، لأشرح رؤيتي والمنهجية التي اتبعتها في قراءتي للربيع العربي. اجتهدت في الحفاظ على المستوى الأكاديمي المطلوب، مشدّدا على ضرورة أن يتجنّب الباحث العربي الوقوع أسير عواطفه، فيخلط وهو في قمة النّشوة بهذا الحدث التاريخي، بين الذّاتي والموضوعي.
فكان لزوما أن نبدأ بتحديد المفاهيم وتوضيح الفرق بين مصطلحي المنهج والمنهجية، حتى نشرح منهجية قراءتنا للثورة التونسية التي دوّناها في كتابين حمل الأول عنوان: ثورة الكرامة والثاني: الثورة والدولة، صدرا كلاهما في العام الماضي 2011 عن الدار المتوسطية للنشر وفي عديد المقالات المنشورة على هذا الموقع المحترم.
*/ مفهوم المنهــــــــج
استعمل فلاسفة الإغريق، مصطلح المنهج بمعنى البحث أو المعرفة المكتسبة من تعامل الإنسان مع واقعه.
جاء في لسان العرب النهج " هو الطريق الواضح ومنهج كنهج أي الطريق أو المسلك".
يقول "ابن خلدون" عن المنهج: " مجموعة القواعد الُمُصَاغَةِ التي يعتمدها الباحث بغية الوصول إلى الحقيقة العلمية بشأن الظاهرة أو المشكلة موضوع الدراسة والتحليل"(1).
أمّا "عبد الرحمان" بدوي فيقول: " المنهج هو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة التي تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة"(2).
ويعرّف "جابر عصفور" المنهج بقوله: " يهدف المنهج إلى الكشف عن الحقيقة من حيث أنه يساعدنا على التحديد الدّقيق والصحيح لمختلف المشكلات التي يمكن معالجتها بطريقة علمية للحصول على البيانات والنتائج بشأنها"(3).
المنهج بالمحصلة هو " الطريقة العلمية التي ينتهجها الباحث في دراسته وتحليله لظاهرة معينة أو معالجته لإشكالية محدّدة وفق خطوات بحث مضبوطة ليصل إلى إجابة منطقية بشأن موضوع الدراسة والتحليل"(4). أما "دوركهايم" فقد أفنى عمرا في خصومات علمية لإثبات الخصوصية العلمية (scientificité) لعلم اجتماع " مستقل بموضوعه [الظواهر الاجتماعية]، متميّز بمنهجه العلمي [الموضوعية ونبذ الأحكام المسبقة]"(5)، حتى يقرِّبه إلى العلوم الصحيحة ويبعده عن الفلسفة وعلم النفس... ومن قبله كتب "ديكارت" في عام 1637م خطابا أو مقالا في المنهج Discours de la méthode ليخضع البحث العلمي للعقل وحده ويجعله صاحب القول الفصل، فتأتي أحكامُه ونتائجُه نقية من زيغ الأهواء وتحريف العواطف.
*/ مفهوم المنهجيــــــة
أمّا المنهجية فيحوم من حولها بعض الالتباس الدّلالي، إذ يجعلها البعض مرادفا للمنهج ويعتبرها آخرون مجموعة المناهج. فهل المنهج هو المنهجية؟
بالتّدريج نقول أنّ المنهجية يقابلها في اللغة الفرنسية Méthodologie وهو مصطلح مركب من كلمتين: « Méthode » وتعني "المنهج" و « Logos » أي "العلم" وبالتالي المنهجية هي: " العلم الذي يهتم بدراسة المناهج أو علم المناهج".
المنهجية أشمل من المنهج، ففي البحوث العلمية نستخدم مفهوم المنهجية في حال اعتمادنا على مجموعة من المناهج في إطار التكامل المنهجي ونستعمل مفهوم المنهج في حالة اعتمادنا على منهج علمي واحد.
يشمل الحقل المعرفي، السوسيولوجي عديد المناهج البحثية التي تتبناها مختلف المدارس النظرية وضعتها على رأسها علماء كبار وذلك منذ البدايات مع "أوغوست كونت (1798-1857)" إلى اليوم. هنا لا بدا من التّذكير ببعض المناهج السوسيولوجية.
*/ مناهج البحث في علم الاجتماع
يتوقف استخدام مناهج علم الاجتماع على رغبة الباحث وميوله وطبيعة بحثه والإمكانات المتوفرة لديه (المادة العلمية) الضامنة لأعلا درجات الدّقة المطلوبة؛ ولعل من أكثر المناهج شيوعاً في الدراسات الاجتماعية، المنهج التاريخي والمنهج المقارن، والمنهج التجريبي، والمنهج الوصفي، والمنهج الكمّي، والمنهج الكيفي والمنهج الاستقرائي(*) والمنهج الاستدلالي(**) وغيرها كثير؛ والهدف منها جميعا هو التحليل العلمي والتّفسير الموضوعي. نادرا ما يكتفي الباحث بأحد هذه المناهج، فيتوخى المزج بين منهجين أو أكثر حسب الحاجة، فإذا حصل ذلك، دخل الباحث في مجال المنهجية التي لا أعتبرها شخصيا من التلفيقية في شيء.
*/ منهجية قراءتي للثورة التونسية
بعد هذا المدخل النّظري، آتي إلى منهجية قراءة الثورات العربية كما أراها واستندت إليها في كتاباتي عن الثورة التونسية، إذ اعتمدت جملة من المناهج البحثية، تجنبا للانغلاق في تقسيمات (cloisons) نظرية تفصل بين المناهج.
لم أجد منهجا أفضل من المنهج التاريخي الذي يسمح للباحث بالعودة إلى مختلف مراحل التاريخ (القديم والوسيط والمعاصر) والمنهج الكرونو- سوسيولوجي، وأعني به الرجوع إلى الحوادث الآنية، كما عشتها وعشناها جميعا، إضافة إلى المنهج المقارن ومنهج التحليل النّفسي والمنهج الاجتماعي/النّفسي والمنهج الاستقرائي والمنهج الاستدلالي. كل هذه المناهج شكلت مجتمعة، منهجية سمحت بتحليل (ما أعتقد) أنها ميكانيزمات الثورة التونسية باعتبارها ظاهرة سوسيولوجية كلية؛ تلتقي فيها كل الأبعاد، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في معناها الواسع أي البعد الأنثروبولوجي.
قبل أن أواصل حديثي عن تطبيقات منهجية قراءة الربيع العربي، أشير إلى حقيقة علمية توصلت إليها من خلال دراستي للثورة التونسية. أثناء عملية المخاض العلمي للكشف عن المحرك الحقيقي للحوادث المتسارعة التي أدت إلى سقوط منظومة الحكم في تونس " تبيّن لنا قصور النظريات السوسيولوجية الغربية الحديثة في تحليل الثورات وعقم إسقاطها على الثورة التونسية. في غياب علم اجتماع عربي قادر على التحليل الموضوعي دون أدلجة واقع مجتمعاتنا العربية/الإسلامية. سعيا منّا في البحث عن أعلى قدر من المصداقية والأمانة العلمية، استنجدنا بتراثنا السوسيولوجي، فانبرت أمامنا النظرية اليتيمة لابن خلدون في العصبية، بوصفها محرك الثورات وتجديد السلطان والإطاحة بالدول وإعادة بنائها"(6).
قد يتساءل البعض عن مدى جدوى "البراديغم الخلدوني" (إن صحّ التعبير) في تحليل الثورة التونسية، أحيل السائل على الحوادث التي ساهمنا في صنعها (من حيث لا نشعر). كان الجميع يطبق "نظرية الدور" التي وضعها "ابن خلدون" لتفسير قيام الدولة وزوالها على أرض الواقع، تحت أنظار الشيخ العلاّمة "ابن خلدون" وهو منتصب الهامة في أول شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، بدأ من اللحظة التاريخية التي استيقظت فيها العصبية القبلية من سبات السنين، وكيف تحالفت مع عصبيات مجاورة لها في المكان (منطقة السباسب العليا)، ثم وهي تزحف من المناطق الداخلية للبلاد على الحاضرة، لتقي الرّعب في نفوس الشريحة الحاكمة وحلفائها من ذوي الفساد الأكبر(***)، إلى أن أطاحت بعصبيتهم الإتنو- مالية(****) وبنظام حكمهم.
توافقت كل المراحل تماما مع النمط الخلدوني الكلاسيكي (Le schéma khaldonien classique) " لقد استجاب كل متساكني سيدي بوزيد المدينة والمعتمديات التابعة لها، كجلمة والرقاب ومنزل بوزيان وبئر الحفّي وابن عون وأولاد حفوز والمكناسي والمزونة والسبالة والسوق الجديد وانتفضت في نفس التوقيت تقريبا وتضامنت معها قبائل الجوار بنفس ثوري موحّد، تحركهم عصبية عانت الظلم والهوان والإقصاء، لتثأر مجتمعة لكرامة الأحرار المهدورة. ثار الهمامة جنوبا وساندهم الفراشيش وماجر غربا والمثاليث شرقا ثم التحق بهم جلاص وأولاد عيار شمالا وأولاد بوغانم في الكاف فأهل الجريد في الجنوب الغربي والمرازيق بالجنوب الشرقي… إنها ثورة قبائل الظهر التونسي، العمود الفقري في الجسد الاجتماعي التقليدي للبلاد التونسية، ضدّ سنين الغبن والإحباط والفقر والحرمان والتهميش الشامل/المستديم…"(7).
كما أصابت الثورة التونسية الأعداء بالذّهول والدّهشة والذّعر أيضا "… إنّ إسرائيل تتابع باهتمام شديد ما جرى في تونس وتداعياته، وقد ترجمها بشكل فوري ما أصدره رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أفيف كوخافي) من تعليمات عاجلة لطواقم البحث في جهازه بإعداد تقديرات إستراتيجية حول التداعيات المرتقبة للزلزال التونسي، حيث يسود انطباع بأن هناك احتمالا لتأثير هذه التداعيات بشكل حاسم على البيئة الإستراتيجية لإسرائيل…"(8).
أنّ النظرية الخلدونية في تقديري هي (المفراس أو الماسح الضوئي scanner) الذي مكنني من الاستدلال على كيفية تكوين جنين الثورة في رحم المجتمع التونسي إلى أن بعثت فيه روحه الثائرة وقَدِمَ بعد طول انتظار.
*/ المنهج التاريخي
تمّ توظيف المنهج التاريخي في استحضار الوقائع والحوادث الفاصلة في بناء الدولة الوطنية قبل وبعد الاستقلال إلى اليوم. لقد مكننا هذا المنهج من الحسم في مسألة لا تزال خلافية بين المثقفين في تونس وفي العالم العربي. هل ما حدث في تونس ثورة أم انتفاضة؟
يجيبنا التاريخ عن هذا "السؤال العدمي nihiliste" بأنها ثورة، أولا لأنه (أي التاريخ) لم يثبت أنّ الانتفاضات التي عرفتها البلاد التونسية، أسقطت دولة أو نظام حكم، وفي نفس الوقت يثبت التاريخ أنّ الانتفاضات تنتهي إما بالتّفاوض أو بالقمع إلى أن تخمد والأمثلة المؤيدة عديدة من انتفاضة "أبو يزيد مخلّد بن كيداد الزناتي" الملقّب بــ [صاحب الحمار سنة 944م] على حكم "محمد القائم بأمر الله الفاطمي" الذي تصدّى له وقاومه ولاحقه عبر مدن وقرى تونس والجزائر إلى أن مات "صاحب الحمار" في الجزائر متأثرا بجراحه، دون أن يسقط الدولة الفاطمية ولا نظام "القائم بأمر الله"؛ إلى انتفاضة "علي بن غذاهم" عام 1864م على باي تونس "محمد الصادق باي" والتي انتهت بالتفاوض معه والتآمر عليه واعتقاله سنة 1866م ومات في سجنه سنة 1867م؛ مرورا بانتفاضة الخبز سنة 1984 التي انتهت بتراجع السلطة عن قرار الزيادة في سعر الخبز وانتفاضة الحوض المنجمي في 2008 التي قمعتها السلطة بيد من حديد. لم يطلق المؤرخون على أية من تلك الانتفاضات، صفة الثورة، لفشلها في تغيير نظام الحكم أو إسقاطه كما لم تنجح في تأسيس وعي ثوري جماعي بمقدوره نقلها إلى مرتبة الثورة.
رغم هذه الحقيقة التاريخية، يصّر أستاذ التاريخ بجامعة نيو دجرزي بالولايات المتحدة الأمريكية، "طارق الكحلاوي" على وصف الثورة التونسية بالانتفاضة فكتب قائلا: " بالنظر إلى طبيعة النظام… فإنّه لا يمكن الحديثُ عن إنجاز ثورة في السياق التونسيّ، إذا لم يتحقّق إنهاءُ التسلطيّة في أبعادها الثلاثة: التنافسيّة- الزبونيّة التي تعطّل أيَّ معنًى جدّيّ للانتخابات، والكليبتوقراطيّة(•) التي تجعل السلطة مطيّةً للثروة، والبوليسيّة التي تجعل احتكارَ الدولة للسلاح فرصةً لترسيخ البعدين الأولين عبر أجهزةٍ متغوّلة"(9).
أما الأستاذ "الطاهر لبيب" فقد وصف ما حدث في تونس بالثّورة، معبّرا عن رأيه، متحررا من عقدة المثقف الذي هزم الفعل التاريخي، خطابه التقليدي بقوله: " مهما مالت الدلالةُ اللسانيّةُ للفظ "الثورة"، في العربيّة، إلى معنى الهَبَّة أو الانتفاضة، ومهما فاحت منها رائحةُ الياسمين، فهي تبقى، في حالة تونس، ثورةً وشعبيّة"(10).
*/ المنهج الأنثروبولوجي
ثم آمنا بأنها ثورة لاستجابتها تلقائيا وفوريا لشرط الانتشار الذي لا تزال بعض الثورات في التاريخ العالمي الحديث تسعى لتحقيقه، وهو شرط بدونه لا تكون الثورة ثورة. لقد انتشر النمط الثوري السلمي التونسي في العالم العربي بأسرع من البرق، حاملا معه نفس الشعارات وفي مقدمتها شعار "Dégage" ذي العمق الأنثروبولوجي. نتوقف عند الجذور الأنثربولوجية لهذه الكلمة التي يقابلها " في اللغة العربية الفصحى "ارحل واذهب من هنا" و "اغرب عن وجهي" و "تنحّى من أمامي". أما في اللهجة العامية التونسية فترادفها كلمات مثل "اتجبّد" و "اقلب وجهك"، وفي اللهجة المصرية مفردات كــ "اخلع" و"فلسع" و "روح" و"اجري". وسواء كانت في سياق الفصحى أو الدّارجة فجميعها مشحونة بدلالة نفسية، المقصود منها تحقير المخاطب/المتلقي وإذلاله وكسر كبريائه، في نفس الوقت تفيد استعلاء المتكلم/المرسل وتفوّقه وغلبته"(11).
كما أوصلنا المنهج الأنثروبولوجي للوقوف على البعد العقدي لكلمة "Dégage" التي توحدّ التونسيون من حولها وحمّلوها كل معاني التّحقير والإهانة لطرد المخاطَب؛ وهذا ما ورد في القرآن الكريم الذي قصّ علينا كيف طرد إبليس من الجنّة ذليلا صَاغِرًا فخرج منها مطرودا بلا رجعة.
هذا ما حدث مع كل الرؤساء العرب المخلوعين في تونس ومصر واليمن وليبيا، منهم من خرج بلا عودة ومنهم من سجن ومنهم من قتل والكل طرد من السلطة ولن يعود إليها.
كما يفيد المنهج الأنثروبولوجي في فهم الطابع السلمي للثورة التونسية وانتشاره والحذو حذوه في بلدان الرّبيع العربي. لقد أكدت الدراسات الأنثروبولوجية على الطبيعة الهادئة، المسالمة للتونسيين(12)، وتمتعهم بطاقة هائلة على التّحمل والجلد. ويبدو أن هذه السمات، تمثل قاسما مشتركا بين الشعوب العربية (وهذا أمر يتطلب بحوثا معمقة). لقد لقي النمط الثوري التونسي استجابة في نفوس الثّوار العرب، فردّدوا نفس شعاراتها وأبرزها (ارحل) و(الشعب يريد إسقاط النّظام) و(خبز، حرية، كرامة وطنية) فحققوا نفس النتيجة التي تحققت في تونس أي (الإطاحة بنظام الحكم) وبذات السرعة وهو ما حصل في مصر وفي ليبيا التي بدأت فيها الثورة سلمية، ثم انحرفت وأصبحت مسلحة كما أراد لها النّظام السابق أن تكون وفي اليمن... في سوريا لا يزال الثوّار يتبعون النمط السلمي ويردّدون "سلمية، سلمية..."، رغم القمع والإبادة الجماعية التي يتعرّضون لها من قِبَلِ الدولة وأجهزتها.
*/ المنهج الكرونو- سوسيولوجي
استعملت هذه التسمية لسرد حوادث الثورة وبحث تداعياتها في أوانها من ناحية والتمييز بينها وبين المنهج التاريخي بشكل عام من ناحية أخرى.
كانت البداية يوم 17 ديسمبر 2010 يضرم الشاب محمد البوعزيزي النّار في نفسه أمام أعين المتواجدين في الساحة العمومية بمدينة سيدي بوزيد، احتجاجا على تصرفات الشرطة البلدية، ممثلة في موظفة التّراتيب التي صادرت عربة البقول، مورد رزقه وتجرئها على صفعه (حسب أشهر الروايات). وفي غياب النّصير، لم يتردد هذا الشاب في التّطهر من العار الذي لحقه أمام الأهل والأقران.
توالت الحوادث في نسق متسارع، يضيق المجال عن ذكره، إلى أن هرب رأس الدولة مساء يوم الجمعة 14/01/2011. يمكِّن المنهج الكرونو - سوسيولوجي الباحث من تفسير مجريات الأحداث باعتبارها مقدمات موضوعية، لنتائج منطقية يقبلها العقل ويقرّها الواقع. نكتفي بهذا القدر من الأحداث التي نحسبها ساهمت في إسقاط رأس النّظام التونسي، في انتظار ما تفصح عنه الأيام من أحداث ميكرو- سوسيولو - سياسية، جرت في كواليس السلطة تفيد الأجيال القادمة وتساعدها في تصحيح ما أخطأنا في فهمه لسريّة المعلومات.
*/ المنهج المقـــــــــــارن
المقارنة لغــــة: "هي مقاربة الشيء بشيء آخر أو عدّة أشياء والمقايسة بينها بغرض معرفة أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينها"(13). في هذا السياق تندرج دلالة المنهج المقارن في العلوم، هو إذًا عملية عقلية تتم بتحديد أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بين حادثتين اجتماعيتين أو أكثر؛ تقرب الباحث من الموضوعية والدّقة العلمية وتبعده عن الّذّاتية، لهذا اعتبره "دوركايم" " المنهج الأمثل لانجاز الدراسات السوسيولوجية"(14).
اعتمدنا المنهج المقارن في دراسة ثلاثة حالات انتحار (حرقا بالنّار Immolation) أقدم عليها شبان تونسيون (ذكور) وهم حسب الترتيب الزمني: عبد السلام تريمش (انتحر في مارس2011)، شمس الدين الهاني (سبتمبر 2011) ومحمد البوعزيزي (ديسمبر 2011) ينتمون لنفس الشريحة العمرية (25/30سنة) في أماكن متشابهة (وسط المدينة على مرأى ومسمع الجميع). غير أنّهم يختلفون في المهنة والمستوى التعليمي؛ الأول خرّيج جامعة عاطل عن العمل والثاني عامل منجمي أو عاطل عن العمل (وهو ما لا يثبت لدينا) لم يتجاوز مستوى الباكلوريا والثالث بقّال متجول ممن لم يتجاوزوا مرحلة التعليم الأساسي أو الثانوي.
منحنا المنهج المقارن فرصة تحليل المتغيرات المستقلة والتّابعة لحالات الانتحار تلك، والكشف على الصاعق (détonateur) الحقيقي الذي فجّر الثورة التونسية وأسقط كل الأساطير المثبتة في التّصورات الاجتماعية الجماعية كالسلطة والخطاب السياسي والمثقف... الخ.
لقد أثبت المنهج المقارن أنّ الثورة التونسية كانت نتيجة صدام مباشر بين الحداثة التي أرست قواعدها الدولة الوطنية من ناحية والأصالة التي اجتهدت نفس الدولة في تجفيف منابعها من ناحية أخرى. لقد ساعدنا هذا المنهج في تحديد المعوّقات السوسيولوجية التي حالت دون تطّور الانتفاضات المتكررة إلى ثورة.
لم تفجر البطالة المستفحلة (أفقيا وعموديا) في البلاد التونسية حيث بلغت نسبة العاطلين من خريجي الجامعات 24 (وقد توقعنا ذلك في أواخر التسعينات)(••) رغم انتحار أحد ضحاياها أمام أعين الناس الذين لم يتحركوا لنصرته. لماذا؟ لأن "ترميش" انتحر احتجاجا على رفض السلطة المحلية منحه ترخيص فتح محلّ لبيع الأكلات الخفيفة. كانت حالة الانتحار هذه خالية من عنصرين أساسيين هما: 1/ الثأر.2/ الرّافعة القبلية، في نسيج اجتماعي غير متجانس لمدينة المنستير، حيث ضعفت علاقة الدّم بين السكان الوافدين عليها من كل جهات البلاد وحلّت محلّها علاقة الجوار التي عطلت دور الرّقابة الاجتماعية واستُنزفت العصبية القبلية.
ولم يفجر انتحار "الهاني" في المناجم ثورة، وصفيح الحوض المنجمي لا يزال ملتهبا بانتفاضة 2008، لأن الحراك المنجمي ترسخ في التّصورات الاجتماعية الجماعية على أنه صراع سياسي، تقليدي بين السلطة وشريحة عمالية تتميز بخصوصية لا تشاركها فيها الطبقة العمّالية ولا تهم طبقة الفلاحين.
إضافة إلى أن التركيبة الاجتماعية لمدينة المتلوي قائمة أساسا على فسيفساء من عروش، غير متجانسة ثقافيا ومتباينة الأصول الاجتماعية، أنهكتها نزاعات فئوية تمحورت حول الانتداب والعمل بشركة فسفاط قفصة، وظفتها الدولة على امتداد السنين في تفكيك ما يشبه اللّحمة النقابية بين سكان المنطقة.
في حين ما لبثت أن تحوّلت انتفاضة "سيدي بوزيد" إلى ثورة عارمة، عندما انتفضت العصبية القبلية لِتُلْهِبَ النّفوس المهانة، فهبّت لتمسح عارا جماعيا، ألقاه عليها "محمد البوعزيزي" بعد أن تطّهر بالنّار من عاره الشخصي الذي ألحقته به (امرأة) تنفذ قرارات السلطة المركزية والجهوية بصفعة، إثر تعرّضها لعنف لفظي من قبل "رجولة متهورة "، أيقظت فيها أنوثة "همامية أصيلة" فصفعته ثأرا وانتقاما لكرامتها.
أفاقت الصفعة في البوعزيزي "رجولة الهمامي الأصيل" فراح يبحث عن نصير يردّ له كرامة، أهدرتها امرأة "امرأة همامية"(•••) على مرأى ومسمع رقيب اجتماعي، متربص (قبيلة الهمامة ومختلف بطونها) فلم يبق أمامه إلا أن [يلبس فستانا]. لقد احترق البوعزيزي كوحدة سوسيو- ثقافية، قبل أن يحترق ككيان بيولوجي، بعد أن خذلته الدولة الرّاعية، ممثلة في الولاية والبلدية. تحرك "البوعزيزي" من منطلق الثأر، فوقف في سوق المدينة، أمام الحاضرين المتخاذلين من أولاد عزيز وحوامد وأولاد الفاهم وأولاد عيش...، لينتحر ويثأر لنفسه بنفسه من نفسه.
*/ منهج التحليل النّفسي
ساعدنا منهج التّحليل النّفسي في دراسة الخطوط العريضة لشخصية الرئيس "الحبيب بورقيبة" وشخصية الرئيس المخلوع "ابن علي" في ائتلافهما واختلافهما، حتى نتوصل إلى تحديد مفهوم الدولة في التصورات الاجتماعية الجماعية لدى التونسيين. بين التونسي والدولة علاقة ضاربة في التاريخ، تمكنت من خلالها الدولة اكتساب هالة من القداسة في اللاوعي الجماعي للمجتمع. هذه القدسية هي التي حصنت الدولة من السقوط وهي في أشدّ حالة الوهن ولعبت دورا حاسما في احتضان الثوّار للمقدس وأوقفت المدّ الثوري عند عتبات قصر الحكومة بالقصبة في مناسبتين، (اعتصام القصبة1 و2).
كان واضحا تميّز شخصية الرئيس "الحبيب بورقيبة" بالذكاء والدّهاء، كما كان مصابا بنرجسية تخطت حدودها لتتحول إلى جنون العظمة (mégalomanie). تمكن "بورقيبة" بدهائه أن يدمج شخصيته المادية (Sa personnalité physique) كرئيس للدولة، بالشخصية المعنوية للدولة (La personnalité morale)، فاكتسب قدسيتها وأضفاها على شخصه أولا وعلى مؤسسة رئاسة الدولة ثانيا إلى أن تمّ الحلول(••••) بين الشخصيتين، " أدرك [بورقيبة] بعبقريته السياسية مدى تقديس الشعب التونسي لمفهوم الدولة، فسعى منذ بدايات حكمه إلى صهر شخصية القائد في المفهوم المقدّس للدولة. اكتسب الرئيس الراحل من هذه العملية البهلوانية، شخصية مزدوجة، وحدّت بين شخصيته المادية كإنسان/رئيس والشخصية المعنوية للدولة. حصل حينها ما يشبه الحلول والاتحاد بين الشخصيتين بشكل تام وانصهار متناغم، حتى كاد التّفريق بينهما شبه مستحيل"(15).
أهم ما ورث الرئيس المخلوع "ابن علي" على الرئيس الرّاحل قدسية منصب رئيس الدولة، إلا أنه انحرف بالمؤسسة الرئاسية عن غاياتها النبيلة، واستغلها في تحقيق اللّصوصية وتكديس الثروة، على عكس "بورقيبة" الذي ترفّع عن حقارة متاع الدنيا، مكتفيا بنرجسية وعظمة آلهة الأولمبس القديم.
كلاهما تحايل على التونسيين، اختطف منهم الأول قدسية الدولة ليصبح الأب/الإله"Patriarche/divin" على النموذج الفرعوني " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"(16). أمّا الثاني فقد سرق ثقتهم ونهب ثروتهم عملا بالأمثال الشعبية التونسية " هات شاشيتك هات صباطك" و" الطايح مرفوع" و" سف لف عينك ما تراش".
كما اشترك الرجلان في تغذية النّزعة الجهوية، فمالا كل الميل لجهة الساحل دون سائر الجهات الأخرى، وقد تستر كل منهما برداء الوطنية والمصلحة العليا للوطن، إلى جانب دعم كل منهما لمفهوم التحزّب والولاء لشخص الرئيس وجعل منهما مصعدا للتّرقي الاجتماعي والاقتصادي. تسبب تحيّزهما المرضي في إصابة البلاد بالشلل الاقتصادي النصفي، شريط ساحلي نشيط وما سواه من المناطق معطّل...
رغم الغّش السياسي الذي مارسه الرجلان، بقي التونسيون أوفياء للدولة وأثبتوا معرفتهم بالسياسة وتمييزهم بين المفاهيم، كمفهوم الحاكم ومفهوم نظام الحكم ومفهوم الدولة. ثاروا على "ابن علي" الحاكم وأسقطوا نظام حكمه المدّنس وحافظوا على المقدّس أي الدولة.
*/ المنهج الاجتماعي/النّفسي
أما المنهج الاجتماعي/النّفسي فقد ساعدنا كثيرا في فكّ رموز إشكالية كتاب الثورة والدولة، المتمثلة في السؤال التالي: لماذا لم ينقّض الثوّار على دولة بلا رأس ويفرضوا القوانين الثورية ويمضوا بالبلاد إلى حيث تريد الثورة لا إلى حيث يريد "الركماجيون les surfeurs"؟
لقد وجدنا الإجابة في كتاب الأستاذ "المنصف ونّاس"(•••••) الذي شرّح الشخصية القاعدية (La personnalité de base) للمجتمع التونسي بكل ما أوتي من دقة علمية وحرفية وموضوعية. ما كان الأستاذ "ونّاس" لينجح في هذا العمل الأكاديمي لو لم يراوح بين المناهج العلمية وفي مقدمتها المنهج التاريخي والأنثروبولجي... لقد تمكن الأستاذ من استخراج أبرز ميزات للشخصية القاعدية التونسية، كالمهادنة والصبر والرعونة؛ وهي من علامات الذكاء الاجتماعي التي وظفها "التّوانسة" عبر تاريخهم الطويل في التعامل مع كل الثقافات التي تعاقبت عليهم والحكّام الذين تسلطوا عليهم، فأمدّتهم بالطاقة الضرورية لصهر الحضارات والتفاعل معها، دون أن يفرطوا في "تونسيتهم"، فتمكنوا من البقاء شامخين لآلاف السنين. أضفت إلى تلك الخصائص، خاصية جديدة كشفتها ثورة 2011 وهي خاصية احترامهم للدولة وتقديسها التي لولاها لاصطدمت الثورة بالجيش.
أما تحليل علاقة الجيش الوطني بالثورة وموقفه من الثوّار، ففقد اضطررنا للعودة إلى كلاسيكيات علم الاجتماع، فكانت نظرية الهبة والهبة المضادة التي وضعها "مارسيل موس"(17) أفضل نظرية سوسيولوجية لفهم علاقة ثلاثية الأبعاد جمعت بين الجيش والثوار من ناحية والجيش والدولة من ناحية ثانية والنظام من ناحية ثالثة. " لقد تبادل الثوّار والجيش الهبة، فقدم كل منها هديته للآخر، فمن زاوية سوسيولوجية وأنثروبولوجية، بادرت الجماهير الثائرة بتقديم هدية للجيش، تمثلت في إزاحة وخلع رأس النّظام دون أن يُتَّهَم العسكر بالانقلاب عليه؛ وتلك هبة ثمينة قَبِلَها الجيش ورحب بها فنزّهته آليا ورَفَّعَتْهُ عن لوثة الانقلابات، التي أصابت جيوش العالم الثالث وفي طليعتها جيوش الدول العربية. ردّ الجيش على هدية الشعب الثائر، بهبة/هدية مقابلة، عادلتها في القيمة، إذ أحجم على التّدخل بين طرفي الصراع، ليبقى ماسكا العصا من وسطها، عملا بالمثل العربي "الخير بالخير والبادئ أكرم". أمّا موقفه من النّظام المتهاوي، فقد أقامه على النصف الثاني لهذا المثل "الشّر بالشّر والبادئ أظلم"( 18).
بالعودة إلى المنهج الأنثروبولوجي، وجدنا هذه النّظرية السوسيولوجية مثبتة في القرآن الكريم بكل دقّة في قوله تعالى: " وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رَدُّوهَا إِنَّ اللَهَ كَانَ عَلَى كلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا"(19). لكن المسلمين كعادتهم لا يتدّبرون القرآن، ثم يأتون متأخرين ليقولوا هذا موجود في ثقافتنا ومنصوص عليه باللّفظ في كتابنا.
كذلك ساعدنا المنهج الاجتماعي/النّفسي في تحليل سلوك المثقف العربي وموقفه من الثورة. لقد عرّت الثورة التونسية عن الوجه الحقيقي للمثقف العربي وأسقطت رداءة خطابه وعجزه في تعبئة الجماهير. جاء الرّبيع العربي عن طريق رجل الشارع الذي تجاوز بحدسه السياسي وعزمه الاجتماعي كل أشكال الخطاب، فمارس الفعل التاريخي بلا قيادة ثورية، تأطره ولا زعامة توجهه وتؤمن مسار ثَوْرَةٍ انحرفت (إيجابيا)، فتحوّلت (ظرفيا) إلى حركة مطلبية وحوّلت أصحابها إلى مستجدين.
*/ المنهج الاستقرائي
لقد تطلب منّا تحليل موقف المثقف من الثورات العربية اللجوء إلى المنهج الاستقرائي، لتوضيح ما تجنيه الإنتيليجنسية العربية والنّخب السياسية في الوطن العربي من خيبة أمل نتيجة انحرافاتها الفكرية وفشل توجهاتها التّنموية. فنراها تقف (مرّة أخرى) عاجزة عن المنافسة السياسية والمناظرة الفكرية مع تيارات السياسوية، متطرفة الفكر والفعل.
يستقري عالم الاجتماع نتائج الصراعات الإيديولوجية والسياسية، الدائرة رحاها في مجتمعات الرّبيع العربي، حول مسائل جوهرية مثل الدّين والدولة والهوية. فيستنتج تعميق الصدع الفكري بين النّخب المثقفة والسياسية من ناحية واتساع الفتق بينها وبين الشعوب من ناحية أخرى. لقد شُلَّ القوميون وتَهَاوَى التّقدميون وتَعَطَّلَ الليبراليون والنتيجة (إن لم تُتَدَارَكِ الحالة) ستكون تفاقم أزمة أمة محبطة من حاضرها، متخوفة من مستقبلها، مطمئنة لماضيها، تجتر حضارة تليدة، تتواكل على اجتهاد أجداد خلو؛ ولم تفقه قول الله " تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون"(20). لم تتكرر الآية مرتين في نفس السورة اعتباطا، بل الغاية أن تفهم الملّة خصوصيات المرحلة التاريخية التي تمر بها وتتحمل مسؤولية أفعالها وتسأل عنها دون غيرها. فكيف يقرأ مسلمو هذا الزمان قرآنهم؟.
*/ المنهج الاستدلالي
قبل أن انهي أعرج على المنهج الاستدلالي وكيفية استعماله من خلال مجريات الأحداث في تونس بعد انطلاق أشغال المجلس التأسيسي. لو جمعنا الأحداث الميكرو - سياسية(*****)، مثل تعطيل العمل بالدستور، تسلل بعض المنتخبين للمهمة التأسيسية للسلطة التنفيذية، تشكيل حكومة ذات طبيعة قانونية غير محدّدة، انتخاب بل تعيين رئيس جمهورية بدون وجه حق دستوري، تجميد اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، تعثر كتابة الدستور الجديد، التطاول على النخب المثقفة من أساتذة جامعيين وإعلاميين، مضاف إليها حادثة إنزال العلم في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان، استفحال ظاهرة الاحتكار بمبرر وبدون مبرر... الخ. يمكن للباحث أن يستنتج بشكل مبدئي أنّ: 1/ نمط الحكم البائد أعاد إنتاج نفسه بشخوص جديدة، استباحوا هيبة الدولة وحقّروا الثورة. الدليل على ذلك رجال يضعون قدما في المجلس التأسيسي وثانية في الحكومة وثالثة في أحزابهم، تماما كما كان وزراء الرئيس السابق "ابن علي". 2/ قد تلجأ الأغلبية الحاكمة لتأجيل أو إلغاء الانتخابات البرلمانية والرئيسية القادمة. 3/ لن تستقر الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد والثورة تنسلخ يوما بعد يوم عن أهدافها (خبز، حرية، كرامة وطنية).
أ/ حرارة الخبز أو المعيشة في ارتفاع مطرد (قد تصيب المجتمع بالتهاب السحايا méningite).
ب/ الحرية مهدّدة بسقوط النّخب والإعلام.
ج/ الكرامة الوطنية، تلقت أول ضربة في بهو وزارة حقوق الإنسان... الخ...
*/ الخاتمــــــــــة
كانت أول قاعدة حفظناها في علم الاجتماع تقول أن الظاهرة الاجتماعية هي ظاهرة كلية وبالتالي لا بدا من قراءتها قراءة شاملة، مفتوحة على كل المناهج المتاحة في العلوم الإنسانية، حتى لا يقع الباحث في الحتمية أو الأحادية، وحتى يكون بحثه متماسكا؛ عليه أن يكون بدوره متمكنا من علمه، قادرا على التصّرف في معرفته ومناهجها حتى لا يتكلس فكره وتضيق رؤيته.
المنهجية هي قراءة الظاهرة الاجتماعية بمناهج متعدّدة، تتكامل ولا تتناقض، تساعد في الكشف على آلياتها الخفية. تلك كانت منهجية قراءتنا للثورة التونسية وحاولنا من خلالها تحليل ميكانزماتها اللامرئية وتقديمها لمن يرغب في فهمها، بطريقة نحسب أنها علمية. مع ضرورة مراعاة خصوصيات كل مجتمع عربي والانتباه إلى قدرة تلك الخصوصيات في خلق التشابه و/أو الاختلاف بين مسارات الثورات العربية.
----------
الإحالات
1) ابن خلدون، المقدمة
2) عبد الرحمان بدوي: مناهج البحث العلمي. وكالة المطبوعات - الكويت - 1977
3) جابر عصفور: أنوار العقل – الهيئة المصرية العامة للكتاب (1996)
4) المؤلف
5) Émile Durkheim : Les Règles de la méthode sociologique 1895
*) الاستقراء هو عملية استدلال صاعد يرتقي فيه الباحث من الحالات الجزئية إلى القواعد العامة، أي انتقال من الجزئيات إلى حكم عام، ولذلك تعتبر نتائج الاستقراء أعم من مقدماته، ويتحقق الاستقراء من خلال الملاحظة والتجربة ومختلف تقنيات البحث المتبعة.
**) الاستدلال هو البرهان الذي يبدأ من قضايا مسلم بها و يسير إلى قضايا أخرى تنتج عنها بالضرورة، دون اللجوء إلى التجربة، وهو المنهج العام المستخدم في العلوم والرياضيات.
6) صالح المازقي: ثورة الكرامة. عن الدار المتوسطية للنشر 2011
***) العبارة مستلهمة من عنوان مؤلف "ابن خلدون": كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر.
****) العبارة للمؤلف
7) المصدر السابق: عمق البعد القبلي في حالة البوعزيزي
8) الذعر الإسرائيلي من الثورة التونسية، عن موقع: منتديات المغرب بتاريخ 02/01/2011.
• ) الكلِبتوقراطية kleptocratie هو نظام حكم اللصوص.و هو نمط الحكومة الذي يراكم الثروة الشخصية والسلطة السياسية للمسؤولين الحكوميين والقلة الحاكمة.
9) طارق الكحلاوي. مقال بعنوان تونس: ثورة في طور الإنجاز. مجلة الآداب، عدد: 1-3/2011 بيروت
10) الطاهر لبيب، لكي لا تأكل الثّورة أولادها باكرا. مجلة الآداب، عدد: 1-3/2011 بيروت
11) صالح المازقي: المصدر السابق.
12) Docteur L, BERTHOLON : Résumé de l’anthropologie de la Tunisie. BERGER-LEVRAULT et cie. Paris/Nancy 1896.
Lucien Bertholon, né à Metz en 1854 et mort en 1914, est un médecin et anthropologue français d'origine lyonnaise, spécialiste de l'Afrique du Nord
13) مقاييس اللغة
14) Émile Durkheim : Item.
••) صالح المازقي: بطالة الإطارات في تونس. أسبابها، نتائجها واقتراحات لحلّها. أطروحة دكتوراه، قدّمت ونوقشت بالجامعة التونسية، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس سنة 1998
•••) نسبة إلى قبيلة الهمامة
••••) الحلول والاتحاد مبدأ من مبادئ الصوفية، بمعنى أن الله قد حلّ في جميع أجزاء الكون، وهو ما يعتبره الصوفيون اتهاما يرفضونه رفضا باتا، لم فيه من كفر صريح يخالف عقيدة المسلمين.
15)صالح المازقي: الثورة والدولة. الدار المتوسطية للنشر 2011
16) سورة غافر الآية 29
•••••) المنصف ونّاس: الشخصية التونسية. محاولة في فهم الشخصية العربية. عن الدار المتوسطية للنشر 2011 .
17) Marcel MAUSS. Essai sur le don. Forme et raison de l'échange dans les sociétés archaïques, paru en 1923-1924 dans l'Année Sociologique
18) صالح المازقي: المصدر السابق.
19) سورة النساء الآية 86
20) سورة البقرة الآية 134 والآية 141
*****) يمكن الإطلاع على مجموعة مقالاتي المنشورة على موقع بوابتي تونس مثل: الجامعة التونسية توشك أن تلتهب، البطالة المقنّعة في تونس تطال الوزراء. حـوار في عربة قطـار، حـوار في الثقافـة التونسية، ما أكثر يعاقيب تونس اليوم، إنّ الله لا يستحيي من الحق، زوبعة في فنجان، القعباجي ... يا الدّغباجي واللّبيب من الإشارة يفهـم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: