فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 7721 groupfaz@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تابعت منذ أيّام ممّا تابعتُ، حوارًا تلفزيونيًّا أُجريَ مع وزيرة المرأة و الطّفولة في حكومتنا التي تولّت حقائبها منذ أكثر من مائة و ثلاثين يوما، و هي السّيدة "سهام بادي" التي لم أكن أعرفها و أعرف أثراً لها قبل تعيينها أبدًا، إذ أنّهم استقدموها من فرنسا حيث كانت تعمل هناك طبيبة.
و قبل الولوج في الأفكار الّتي أريد طرحها نتيجة ذلك الحوار، أودّ التّأكيد على أهميّة ذلك النّوع من البرامج الإعلاميّة الّتي يحاور فيها صحفيًّا واحدا يكون مُلمًّا إلمامًا جيّدا بجوانب حدث أو شخصيّة أو فترة، ضيفًا واحدا كذلك، ليبتعد المنشّط أو الضّيف، و أمثالي من المشاهدين عن تلك الموائد المستديرة و المُربّعة و المثلّثة التي لا يستحقّ المشاهد عناءً في كشف التّوجّه الفكري و السّياسي لمنظّميها و لمنشّطيها. إذ يُعلم القصد من ذاك التّجمّع من الأسماء و الضّيوف و نسبة عددهم إلى عدد مخالفيهم في نفس البرنامج. و أجد مثلا شعبيّا في إرثنا الشعبي بالغ التعبير على ما أقول و هو العلم بالعشاء بعلم ما في القفّة.
أعود إذن إلى ذلك الحوار... حيث أظهرت الضّيفة منذ بدايته أنّها تدافع عن رأيها، و عن الذين من خلفِها، و لو في غياب سهام موجّهة ضدّها. فكانت تأوّل بعض الأسئلة تأويلا كانت غنيّة عنه، و كانت تعتبر نفسها مستهدفة حتى قبل أن يُلقي محاورها السُّؤال عليها. و هو ما أثارني فعلا...إذ أنّ الوزير قائدٌ قبل أن يكون مديرا إداريًّا... و هو سياسيّ قبل أن يكون مسؤولا. و شخصيّة كهذه تتعارض مع شخصيّة القائد و السّياسي... و إنّي وإن لم أرَ قائدًا يملأ مكانه في ساسة بلدي إلى اليوم... فأنا مقتنع بأنّ في الحكومة و في المعارضة و في المجتمع سيّاسيّون من الذين يُسمع لهم.
و وزيرتنا المُحترمة لا أراها قائدة كما لا أراها سياسيّة. و هي إلى الفنّيين الإداريين أقرب إذا ما أردت تصنيفها في عملها. حيث أنّها لم تُخفِ عدم توازنها الشَّخصي ممّا يصدر من محاورها و من الإعلام... فكانت تتصنّع في بعض الأحيان هدوءًا على غليان داخلي لا يخفى على أيّ محلّل... كما أنّ وزيرتنا الفاضلة أظهرت عنادا في بعض المواقف أكثر من استعمالها للحجّة. و هذا السّلوك الحواري يُفقد صاحبَه نقاطًا من مستويين... مستوى الإقناع لدى المشاهد، و مستوى النّجاح في تبليغ الرّأي. إذ يكون من الأرجح رأيا لو أنّها مرّرت ما تريد بهدوء، و استعملت أدلّة ترقى في المنطق إلى الحجَّة. و هذا النَّقص أظهر لي شخصيّة حادّة غير حواريّة من حيث إصرارها المبالغ فيه على جملٍ بعينها، أو مواقف بعينها، أراها أهملــــت المهمّ فيها. و قد تكون وزيرتنا نجحت لو أنّها سلّطت الضوء على بعض النقاط بطريقة أخرى سلسة هادئة... و لابدّ هنا – و في نفس السياق - أن أذكّر معاليها بأن طريقة الحوار المباشر تلك، تعتبر أسهل ظهور لكل سياسيّ إذ لا يوجد معه في نفس الإطار من يناقشه و يعكّر له صفو أفكاره و ترتيبها...
إنّ الذي يهاجم كثيرًا يتحوّل إلى مدافع، و لو في غياب الهجوم. و هذا قانون نفسي يستعمله المختصّون في فهم بعض الشّخصيات من خلال فهم محيطها الإجتماعي. و القائد - أو لنقل السّياسي - النّاجح هو الذي يعدّل شخصيّته على الصّفر بعد كلّ هجوم. حتى لا يظهر لغيره أنه يدافع دوما... فذاك سلوك يوصف عند تكراره بالدُّونية الظّهورية. و هو مركّب نقص أنصح سياسيينا بالوعي به و باجتنابه. و قد لمستُ هذه الدّونية الحواريّة في عديد المقاطع من الحوار. و هو ما أثار فيَّ الوازع لكتابة هذا الرّأي ... إذ أنّك لم تقنعيني يا وزيرة وطني.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: