بعد تبرئة المتّهمين بسرقة أموالنا، أنا اللّص الذي عنه تبحثون
فتحي الزغل - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8445 groupfaz@yahoo.fr
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
قيل لنا أنّ عدلاً سيُخيّم على بلدنا بعد الثّورة ... ففرحنا. ثمّ قيل لنا أنّ الواسطة لن تجد لها مكانا في بلدنا بعد الثورة... ففرحنا. ثم قيل لنا أنّ المال لن يغيّر في الأحكام الصّادرة عن عدلنا... ففرحنا. ثم قيل لنا أنّ أصحاب الثّروات الطّائلة متساوون مع الفقراء من هذا الشعب أمام عدلنا ... ففرحنا. ثم قيل لنا أن لا تَدخّل في القضاء... فاستبشرنا. ثم قيل لنا أن قضاتنا متمرّسين محنّكين، ضدّ الفساد متوحّدين... ففرحنا. ثم قـــيل لنا أن لا علاقة و لا قــــناة بين عدلــــنا و مجرمينا سوى قناة القانون... فطربنا.
إلاّ أننّا سمعنا أنّ تلك القضيّة الّتي تعرف الآن بقضيّة المناطق الزّرقاء، و التي رُفعت ضدَّ والٍ سابق و مسؤول بلدي عالٍ و رجل أعمال، لتشاركهم في سرقة المال العامّ بصفاقس كما ورد في الدّعوى القضائيّة. هي في طريقها إلى تبرئة المتّهمين بعد إطلاق سراحهم من الإيقاف التّحفظي. و ذلك – و حسب الّلوائح الصّادرة عن عدلنا الميمون -لانعدام الضّرر ... أي انعدام الجريمة أصلا ...
و قيل لنا أنّ دائرة الاتهام المنتصبة بتونس العاصمة و التي و قع تعيينها بعد أن طلب المتّهمون نقل النظر في القضيّة من محاكم صفاقس إلى محكمة أخرى، و التي أطلقت سراحهم، قد استندت في قرارها إلى تقرير ثلاثة خبراء انتدبتهم للغرض.
و بما أنّه قد قيل لنا كذلك أنّ الرّشوة لم يعد لها وجود في مجال الاختبار ببلدنا. و أنّ خبراءنا - مثل قضاتنا - لا يمكن لهم أن يضعفوا أمام أكبر المبالغ و الهدايا الّتي يمكن أن يقدّمها لهم أيّ فقير من الشّعب... أو حتّى غنيّ من غير الشّعب... فسبَّحنَا الله كثيرًا. لأنّ المؤمن الصّادق ينطــــق بالتّسبيح، إذا رأى شيئًا عجبًا. فكيف لا نعجب و قد غيّرت الثّورة عدلَنا في يــــوم و ليــلة، و نزعت منه الفساد الذي نخره منذ عقود... أليس هذا عجبا؟
لكنّ المثير للعجب أكثر، هو غياب السّارق و المسروق في لمح البصر... فماذا سيفعل قُضاتنا مستقبلا في القضايا المماثلة؟ هل سيركنون إلى الرّاحة؟ أم أنهم سيحقّقون في الجرائم الكبرى و يمحّصون و يتثبُّتون، ثم يُحيلونها إلى خبراء ميامين أيضا... ثمّ يُقررّون أن لا جريمة وقعت في حقّ الشّعب؟
ألا يجب أن يساعد الشّعب قُضاتَه ؟ و يبحث معهم بنفسه عن السّارق و المسروق؟... و إذا تبخَّرت الجريمة فجأة مثلا... ألا يكون من الوطنيّة و الحكمة أن يُغيّر الشّعب قاعدة الطّالب و المطلوب؟... فيقرُّ مثلا أنّه هو الّذي سرق...أو أنّه هو الذي هرَّب ... أو أنَّه هو الذي دلَّس ... أو أنّه هو الذي استعمل نفوذه في معاملاته مع المتنفّذين المساكين قبل الثورة... و يكفينا بذلك الله شرّ القتال.
و بهذه الطّريقة على الأقلّ، نكون قد انتزعنا اعترافًا من الشّعب بأنَه هو السّارق ... و الاعتراف سيّد الأدلّة. و نسهّل كثيرا على عدلنا الذي قيل أنّ الجرائم تتبخَّر في حضرته بعد اختبارها... فنبني سجونًا كثيرة نُدخل فيها كل فردٍ من هذا الشّعب، بعد أن يَكتب لنا إقرارًا في صحيفة نعلّقها على صدره ...أنا اللّص الّذي عنه تبحثون.
عجـــــــــــــبي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: