أنس الشابي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11733
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تسعى الإدارة الجديدة للشؤون الدينية منذ فترة إلى معالجة الشأن الديني من خلال تشريك مختلف الحساسيات السياسية وجمعيات المجتمع المدني في مناقشة السبل الكفيلة بتحييد المساجد عن العمل السياسي المباشر والارتقاء بالخطاب الديني وتمكين الوعاظ من أداء الأدوار المناطة بعهدتهم، غير أن هذا العمل الجبار يحتاج في نظرنا في مرحلة أولى إلى فتح ملفات الفساد في عهد الوزير الأسبق جلول الجريبي حتى تتمكن المجموعة الوطنية من حسن المعالجة بعد الفرز بين ما هو إفساد متعمد طال العباد والأموال والأخلاق وبين ما هو قصور عادي شأن كل عمل بشري يحتاج إلى المزيد من الضبط والربط، فبالنسبة للإفساد المتعمد الذي برع فيه جلول الجريبي نجد أنه ينقسم إلى قسمين رئيسيين:
القسم الأول
يشمل الإفساد المعنوي والديني والتربوي الذي عمّ الزيتونة والأجهزة الدينية جميعها، فبالنسبة للزيتونة مَكن جلول أساتذة قسم الحضارة في منوبة وعلى رأسهم عبد المجيد الشرفي من التصرُّف في الجامعة الزيتونية فغيروا اختصاصها وابتدعوا لها مناهج وبرامج لا علاقة لها بها، كما طورد أساتذتها من أهل الاختصاص وشرِّدوا في مشارق الأرض ومغاربها ثم تمّ حشوها بتلامذة الشرفي، كما قام جلول بنشر سلسلة من الكتب أعدّها الشرفي وجماعته قبضوا نظيرها عشرات الآلاف من الدنانير غير أن الرقابة منعت رواج أجزاء منها.
أما وزارة الشؤون الدينية فهي الأخرى لم تسلم من الجرائم التي ارتكبت في حقها من ذلك:
1) إلغاء جلول الكتاتيب القرآنية ليَمنع بذلك أبناءنا وبناتنا من تعلم اللغة العربية وتشرب المفاهيم القرآنية منذ الصغر وهو جرم لم تستطع القيام به حتى كتائب المعادين للهوية والانتماء الحضاري منذ دخول الاستعمار الفرنسي إلى يوم الناس هذا.
2) تسخير الأئمة والوعاظ والمساجد للدعاء للرئيس السابق والترويج له بشكل فج، فبعد عودة بن علي من الحج سنة 2003 توَجَّه جلول بمراسلة دعا فيها الأئمة إلى تخصيص صلاة الجمعة ليوم 21 فيفري 2003 للدعاء له ولزوجته "اللذين عادا سالمين غانمين"، وكذلك صنع في الذكرى 15 للسابع من نوفمبر وصندوق 2626 الذي نهبه الرئيس السابق وعائلته.
3) إغلاق المساجد ومنع القيام بأي نشاط داخلها فيما عدا الصلاة وقد راسل في ذلك مختلف الولاة، دعى في مراسلة مُوَجّهة إلى والي نابل آنذاك إلى "منع أي نشاط داخلها بين الصلوات سواء أتمثل في دروس أو في إملاءات أو في غيرها".
4) مراقبة المكتبات الراجعة بالنظر للمساجد والزوايا....وغيرها، وهي مكتبات يعلم العام والخاص أن رصيدها يتبرّع به مواطنون ولا يتجاوز المصاحف أو أجزاء من كتب الحديث النبوي الشريف.
5) في مراسلة إلى والي تونس طلب منه جلول بموافاته بعدد المصلين ذكورا وإناثا وغير ذلك ممّا هو من اختصاص البوليس السياسي، الأمر الذي يؤكد أن وزير الشؤون الدينية أيامها حصر اهتمامه في مراقبة المساجد ومنع المصلين من ارتيادها ومتابعة المخالفين هذا الدور الوضيع الذي مارسه جلول أكده كمال عمران وزير الشؤون الدينية لمدة أيام معدودات في ندوة سياسية عقدها حزب التحالف الوطني للسلم والنماء يوم السبت 27 أوت2011 قال:"ولعب جلول الجريبي دورا جوهريا في تعطيل كل ما هو إسلامي في بلادنا فقد أجرم في حق الهوية وقام بكتابة تقارير بشأن عديد الأشخاص، تقارير كانت تنعتهم وتصنفهم إلى إسلامي إخوانجي أو إسلامي معتدل".
6) أما ثالثة الأثافي التي (قالت لهم اسكتوا) فهو دعوته والي باجة إلى استجواب إمام جمعة في نفزة لأنه تطرق في خطبته إلى موضوع شرب الخمر وقد ذكرتنا هذه المراسلة بعضوة مجلس المستشارين المنحل التي طالبت بإلغاء الآذان.
7) إبان توليه وزارة الشؤون الدينية نشر جلول عددا من الكتب التي ادعى أنها ستسهم في نشر الفكر الديني المستنير واللافت للانتباه أن المساهمين في هذه الكتب والندوات لا علاقة لهم بالاختصاص الشرعي إذ عرفوا بانتمائهم للتجمع ودفاعهم المستميت عنه وعن سياساته ونورد فيما يلي بعض الأسماء من بينها:
ـ أحمد الحذيري آخر مدير لجريدة الحرية، عرف بكتاباته التمجيدية للرئيس السابق ومن نوادره كتابته لافتتاحية أشاد فيها بآخر خطاب لبن علي قائلا:"إنه تغيير جذري داخل التغيير إنه ترجمة للحنكة القيادية لدى الرئيس بن علي" إلا أنه من سوء حظه أن نشر هذا الكلام يوم 15 جانفي أي بعد الفرار وبعد أن أصبحت الدنيا غير الدنيا.
ـ عثمان بطيخ المفتي الحالي الذي نشر له حديث في جريدة الصباح يوم السبت 8 جانفي 2011 أجاب فيه عن سؤال حول وفاة الشهيد محمد البوعزيزي قال:"لا يصلي عليه الأفاضل من الناس" الأمر الذي يعني أن الذين صلـّوا على المرحوم هم أوباش وأسافل وأوغاد ثم ختم حديثه بقوله:"ولو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم ووزعوها بالعدل على المناطق الأكثر احتياجا وفقرا أسوة بسيادة رئيسنا المفدى الذي يعمل جاهدا على إزالة مظاهر الفقر وتوفير مواطن الشغل للقضاء على البطالة لكان خيرا لهم ولغيرهم" فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا به.
ـ إقبال الغربي انتدبها جلول للتدريس في غير اختصاص الجامعة الزيتونية وعينت رئيسة لقسم الحضارة في رحبة الغنم سابقا ومعقل الزعيم حاليا وقد عرفت بدعوتها المسلمين جميعا "إلى أن يعتذروا للأقليات المسيحية واليهودية" وهي بهذه الدعوة تضع الإسلام في نفس الموضع مع الكنيسة المسيحية التي عادت المعرفة والتطور واستبد كهنتها بشعوبهم وبكل من طالته أيديهم كالعلماء واليهود كما ساوت المذكورة بكلامها هذا الإسلام بالتمييز العنصري والفاشية والنازية.
ـ محمد المحجوب أستاذ فلسفة ومن نوادره كتابته سلسلة من المقالات نشرها في جريدة الصحافة شبَّه فيها بن علي بالفيلسوف هايدجار.
أما آخر المحطات التي عاث فيها جلول فسادا فكانت المجلس الإسلامي الأعلى ويظهر ذلك من خلال تغييره تركيبة المجلس إذ نحّى من عضويته آخر ما تبقى من زواتنة لهم معرفة بالعلوم الشرعيّة مثل الشيوخ صالح نابي وأحمد جبير وعثمان العثماني والحبيب النفطي ومحمود شمام وعوّضهم بآخرين عُرفوا واشتهروا بين الناس بانتمائهم للتجمع وإسرافهم في تمجيده بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ومن بينهم:
ـ عبد الكريم عزيز رئيس لجنة التنسيق بتونس المدينة إبان أحداث 26 جانفي 1978 والمستشار في الرئاسة.
ـ محمد حسين فنطر المشرف على كرسي بن علي لِما يسمّى حوار الحضارات وهو مختص في الآثار ومعرفته بالإسلام تقارب الصفر ففي حديث له لمجلة حقائق نشر في العدد 1219 المؤرّخ في 13 ماي 2009 قال:"لكل فرد أن يختار الطريقة التي يتقرب بها للمقدّس" وهو كلام يحمل إنكارا للعبادات، أيامها كان فنطر عضوا في المجلس الذي يرأسه جلول الجريبي.
ـ محمد شقرون أحد تلامذة عبد المجيد الشرفي نشر له كتابا عنوانه "الإسلام الأسود" ضمن سلسلة الإسلام واحدا ومتعددا التي استهدفت إشاعة القول بوجود إسلامات مختلفة منها الآسيوي ومنها الأسود ومنها الخارجي ومنها الشيعي والحال أن ما ذكر إنما هي مذاهب وآراء ضمن دائرة الإسلام الواحد.
ـ محمد بوهلال هو الآخر من جماعة الشرفي الذي نشر له كتابا في السلسلة المشار إليها أعلاه.
ـ عمر عبد الباري معتمد سابق وعضو مجلس المستشارين المنحل دأبت وزارة الشؤون الدينية في عهد جلول على تسفيره إلى أوروبا في شهر رمضان لإلقاء محاضرات على جاليتنا هناك وفي الأنترنات واحدة منها لم يخرج فيها عن الإشادة بالرئيس السابق بأسلوب فج يقارب حدّ البلاهة كما نشرت له مجلة الهداية قصيدا طويل الذيل في العدد 176 أشاد فيه ب "سما دبي" والخير الذي تنتظره منه تونس إلا أن القصيد نشر بعد أن فشل المشروع لاختلاف اللصوص حول نصيب كل واحد منهم.
ـ محمد جمال أستاذ فقه كان دائم الحضور في التلفزة البنفسجية وقد كفانا الأستاذ هشام قريسة مؤونة الردّ عليه في مقال له متميز نشر في جريدة الصباح بتاريخ 14 جانفي 2007 تحت عنوان "ما هكذا يكون تبليغ العلم يا أستاذ الشريعة" وذلك لمّا تجرأ محمد جمال عضو المجلس الإسلامي الأعلى على وصف السيّدة عائشة (ض) بأنها "بلندا Blonde".
أما مجلة الهداية فإنها هي الأخرى لم تسلم من إفساد جلول فلم يصدر منها طيلة ست سنوات سوى ثمانية أعداد والحال أن القانون ينص على أنها تصدر مرة في الشهرين وأدرج فيها قسما مترجما إلى الفرنسية تقربا منه للفرنكوفونيين النافذين أيّامها، كما نشر لعادل خضر مقالا في العدد 177 من بين ما جاء فيه:"لِـمَ لا يجد الإنسان الديني في الأجوبة القديمة ما يشفي غليله وما يطمئن قلبه ويريح نفسه؟" نشر هذا الكلام في مجلة تصدر عن المجلس الإسلامي الأعلى، ومن الغرائب نشر جلول في نفس العدد فصلا مترجما لمحمد أركون عنوانه "كيف نقرأ القرآن" من بين ما جاء فيه:"إن القرآن ما هو إلا لغة إنسانية تحاكي الوحي الحقيقي محاكاة ساخرة" ومن كانت له عينان فليتأمل.
كما نشر جلول كتيِّبين عن الصلاة وعن الحج حفل الأوّل منهما بأخطاء فقهيّة ولغويّة لا عدّ لها ولا حصر وقد سُلـِّم الكتابان في آلاف النسخ إلى وزارة الشؤون الدينية حتى تقوم بتوزيعهما واللافت للنظر أن جلول كان ينوي ترجمتهما إلى اللغات الأجنبية تحت ستار الاستنارة الدينيّة والحال أن الأمر لا يعدو الإمعان في الفساد المعرفي والديني والمزيد من نهب المال العام.
ولا يفوتنا في هذا المجال الإشارة إلى أن جلول الجريبي في إطار انتمائه لمنظومة الفساد نشرت له وكالة الاتصال الخارجي كتابا عنوانه "الهوية في تونس في العهد الجديد" قلب فيه المفاهيم وزوَّرها بسذاجة لا يُحسد عليها من ذلك قوله في الصفحة التاسعة أن"الروح الإصلاحية التجديدية متواصلة لم ينقطع مددها على الدوام من المصلح خير الدين إلى الرئيس زين العابدين" وقد دأب حلفاؤه في قسم الحضارة في منوبة على الربط بين المصلحين الكبار والرئيس السابق إذ نشر عبد الرزاق الحمامي وزهية جويرو كتابا في هذا المعنى سمّياه"المرأة في الحركة الإصلاحية من الطاهر الحداد إلى زين العابدين بن علي".
القسم الثاني
ويتناول الفساد المالي الذي عرفته الوزارة في عهد جلول وقد قدمت في ذلك قضايا متعددة (الصباح الأسبوعي في 5 ديسمبر 2011) كما نشرت مقالات كثيرة من بينها واحد بقلم نادية الزاير في موقع بناء نيوز بتاريخ 5 نوفمبر 2011 من بين ما جاء فيه:"وأكدت مصادر مطلعة لبناء نيوز أنه قد تم سرقة مئات الزرابي المخصّصة للمساجد وكاميرا رقمية على ملك الوزارة قيمتها 15000 دينار في عهد الوزير الأسبق جلول الجريبي واتهم فيها باطلا موظفان بسيطان في الوزارة ولم يفتح فيها تحقيق قضائي... كما تمت سرقة أكثر من مائة ثريا في نفس الفترة كما أنه يشاع أنه تم التلاعب بالأموال الخاصة ببناء جامع العابدين في عهد الوزير جلول الجريبي" علما بأن مؤشرات عديدة تثبت أن الفصل الشهير المتعلق ب"المنافع له أو لغيره" الذي يحاكم بمقتضاه أزلام النظام السابق ينطبق عليه تماما فقد أصبح جلول اليوم من ملاك العقارات في تونس والحمامات وصفاقس وربما في غيرها ممّا سيكشف عنه البحث وهو الذي لم يكن يمتلك حتى حائطا قبل عشر سنوات فمن أين له كل هذا؟ علما بأن المذكور أسّس في الفترة الأخيرة شركة أسفار بنيّة استغلال معارفه أيام كان وزيرا للشؤون الدينية لتنظيم رحلات الحج والعمرة وهو ما يتناقض مع القانون الذي ينصّ على أن الموظف يمنع عليه بعد مغادرته الوظيف أن يمارس نفس المهام لفائدته الخاصة.
ما ذكر أعلاه ليس إلا غيضا من فيض، فهل سيباشر السيد وزير الشؤون الدينية بإحالة ملف المفسد جلول الجريبي إلى القضاء لينال الجزاء الوفاق لِما ارتكب من جرائم في حق الوطن والعباد بدءا بتخريبه الجامعة الزيتونية وما تبقى من مؤسّسات دينية على قلتها وانتهاء بملاحقة الشرفاء من أهل الاختصاص والمعرفة الذين شرّدهم بوشاياته وتقاريره.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: