يحيي البوليني - مصر
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8973
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حال المرزوقي يصلح نموذجا حيا وواقعيا وحديثا لتغير الإنسان عندما ينال فرصة ليظهر ما في داخله، فالرجل الذي كان معارضا لظلم ابن علي ونظامه، وظل مطرودا فترة طويلة خارج تونس، وأنصفته الثورة - التي ما شارك فيها - وعاد إلى بلده لكي يُنصب كرئيس مؤقت للجمهورية، ظن نفسه أنه صار رئيسا حاكما وتحدث بكل استعلاء وسخرية عن بعض الإسلاميين السلفيين وسماهم بالجراثيم التي قال أنه لن يسمح بنموها في تربة أرض تونس.
مثل هذا قاله ابن علي عن شعبه، وهكذا قال القذافي من قبل عن شعبه بأنهم جرذان، وهكذا يقول بشار الأسد الآن عن شعب سوريا، وهكذا تعامل أحمد عز وجمال مبارك مع شعب مصر، وهكذا يتعامل كل الطغاة في كل زمان ومكان، فما الجديد وما الفارق بين المرزوقي كحاكم جاءت به الثورة وبين كل حاكم ظالم جاء على غير إرادة الأمم والشعوب ؟!!
أيها المرزوقي : إن هؤلاء " الجراثيم " – مع كل الاعتذار مني لاستخدامي لكلمتك - هم من الذين تصدوا لنظام مجرم قاتل حتى أسقطوه ، وقفوا أمامه وأمام قوته الغاشمة، سفك دماءهم واستباح حرماتهم فما لانوا ولا خضعوا ولا استكانوا، كان دمهم الذي يسيل على الطرقات وقودا لهم يدفعهم لمزيد من التقدم ومزيد من التضحية حتى ينالوا حريتهم، وذلك في الوقت الذي كنت " تجاهد !! " فيه أنت على صفحات الانترنت وأنت خارج تونس.
هؤلاء " الجراثيم " هم الذي جاءوا بك ووضعوك على كرسي الحكم في بلد ما كنت تستطيع أن تدخل من مطاراته أو موانيه في ظل نظامه السابق، وهم الذين فتحوا لك أيضا قنوات التلفزة التونسية الرسمية لكي يستضيفوك ويحدثوك بصيغة " سيادة الرئيس "، ثم بعد ذلك لا تجد ردا على تضحياتهم سوى تسميتهم بالجراثيم.
وتحدثت عن رجل – ذاك الذي وصفته ونعته بالشاذ - وأنت ولا أمثالك لا يعرفون قدره، وكيف تعرف مثل قدره، وأنت بعيد كل البعد عن العلوم الشرعية ولم تكن يوما تنطلق في خلافك مع النظام التونسي من منطلق إسلامي ؟.
ونحن لا نتحيز لأشخاص وندعي لهم العصمة في كل ما يقولون، فربما تكون القضية الفقهية التي تحدث فيها الشيخ وجدي غنيم قضية خلافية - وهي قضية ختان الإناث -، لكنها ولكونها قضية فقهية فلا يملك أن يرد عليه فيها إلا من يمتلك العلم الشرعي، وليس لمن لا يملك نصيبا من العلم الشرعي أن يفتح فيها فمه – حتى لو كان طبيبا أو أستاذا جامعيا -، فالقضايا الشرعية لنا كمسلمين لا تطرح على موائد النقاش لمن لا يمتلكون إلا الأهواء الشخصية، وليس لهم إلا المصادر الفكرية العلمانية الغريبة عن ديننا وعن مجتمعاتنا الإسلامية، فلم يكن الميدان ميدانك لتدلو فيها بدلوك، فكان لابد عند تدخلك فيما لا تحسن أن تأتي بكل غريب عجيب وخارج عن القواعد.
لقد عدت يوم 18/1/2011، بعد فرار ابن علي من تونس بأربعة أيام، واستقبلك أهلها بكل حفاوة في مطار قرطاج، عدت وقد ذقت مرارة الظلم والسجن والإبعاد عن الوطن، وعندما اختاروك رئيسا عليهم وعدت بأن تكون رئيسا لكل التونسيين، فما بالك اليوم قد أخلفت وعدك ونكثت في عهدك فسميت فصيلا أساسيا من السلفيين التونسيين بتلك التسمية القبيحة، فأخرجتهم من حساباتك، كل هذا ولم يمر على توليك الحكم ما يقارب الشهرين فكيف لو بقيت سنوات ؟.
لقد جربتَ السجن أربعة اشهر في عهد ابن علي، وذاق مرارته الشيخ وجدي غنيم سنين طوالا في عهد حسني مبارك، فقد دخل السجن ثمان مرات في الفترة ما بين عام 1980 : 1995، وسجون مصر إذا كنت لا تعلم تختلف تماما عن أية سجون، ومُنعت من دخول تونس وعشت في فرنسا طبيبا وناشطا حقوقيا ومحاضرا في الجامعة، وخرج وجدي غنيم منفيا مطاردا من مصر محكوما عليه بأحكام غيابية بالسجن، هائما في معظم بلدان العالم لا يستقر في مكان حتى لا يسبب مشكلات بين الدولة المقيم فيها والنظام المصري، ولم يستطع العودة لبلده حتى بعد القيام بثورتها والإطاحة بنظامها السابق..
ألم تكن هذه أسباب تجمع بينك وبينه ؟ وتجعله محط اهتمامك لكونكما أصحاب بلاء مشترك ويجعلك تستشعر معاناته التي ذقت طرفا منها لا أن تسمه بالشذوذ وتصف من دعاه بالجراثيم ؟!! .
لقد نلت احترام الناس عندما كنت معارضا للظالمين، والشعوب المسلمة تحترم كل من يتصدى- ولو بالكلمة - للظالمين وفقا لما نؤمن به أن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، كما صح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، فاحترمتك الشعوب وأولهم تونس، ولكن الشعوب المسلمة تحترم بقوة الشيخ وجدي غنيم لما وقف من المواقف الكثيرة أمام أكثر من سلطان جائر، وهو لا يمتلك أية قوة ولا يمتلك حينها قوت يومه، وما تنازل عن مبدأ، ولم يلن يوما بكلمة لسلطان جائر كان ينتظرها منه ليعفو عنه وليعيده إلى بلده، فأخشى أن تكون قد فقدت بذلك الموقف وتلك الكلمة ما جمعته في سنين طويلة.
ألم تكن سجين وطريد حرية فكر ورأي، وكنت تنادي دوما كناشط سياسي وحقوقي بضرورة سيادة مفهوم حرية الفكر، وأن الأفكار لا تواجه إلا بالأفكار، وهل كانت تُفتح القنوات الفضائية لاستقبالك إلا تحت مسمى ناشط من نشطاء حقوق الإنسان ؟، وهل فعل الشيخ وجدي غنيم شيئا سوى أنه قال رأيا – لك أن توافقه أو تعارضه كما شئت - ، فلِمَ تخليت عن كل المبادئ التي كنت تنافح عنها لمجرد جلوسك على كرسي الرئاسة ؟،
وحقيقة أحب أن أتساءل عن الكيفية والآلية التي ستعمل بها لكي لا تسمح لظهور هؤلاء " الجراثيم " كما توعدت، سوى البطش السابق الذي كنت تنقمه على ابن علي ونظامه ؟
لقد بكيت على شهداء تونس يوم توليك المنصب، فهل نسيت أو تناسيت أن ممن بكيت عليهم من تسميهم اليوم بالجراثيم، فهل كانوا يومها من الجراثيم أم من الرجال الأبطال يوم أن كنت أنت خلف الشاشات ؟
أيها المرزوقي : إنها البداية، وهذا هو الخطأ الأول الذي يعفيك منه اعتذارك الذي قدمته لشعب تونس، ولهم الحق في أن يقبلوه أو لا يقبلونه كأصحاب حق أصيل لا يفتئت عليهم أحد، مع الأخذ في الاعتبار أنك اعتذرت عن اللفظ ولم تعتذر عن مضمون الوعيد الذي توعدته للسلفيين، وهذه خدعة منك، ولكنك أيضا لم تعتذر للرجل الذي كان ضيفا على تونس وأهنته كرئيس لها
قد تمر هذه، ولكن لابد وأن تعلم أن للشعوب ذاكرة لا تنسى، فاحذر من أخطاء قادمة قد لا يعفيك منها الاعتذار ولا حتى أن تقول لقد فهمتكم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: