فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10859
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
إذا كان معروفا أن يجمع البعض المجد من طرفيه فإنه يندر أن يحوز أحدهم الوضاعة من أطرافها جميعا، وإذا كان مفهوما أن يتدافع الناس حول القدوة صاحب الخصال المحمودة، فإنه يعسر تفهم تجمع البعض حول المجرمين وقتلة التونسيين ومعطلي ثورتهم، إلا أن يكون هؤلاء المتدافعون أشد احتقارا للتونسيين ممن اتخذوه نموذجا.
فالباجي قايد السبسي، ذو اللقب الذي يحيل لمهنة حقيرة كان أجداده يمارسونها على الأرجح حينما ارتضوا وضعا يشبه العبيد لدى البايات، مر طيلة عقود خمسة منذ الاستقلال بمراحل مارس فيها التقتيل والتعذيب ضد التونسيين، فهو قد ساهم في التنكيل بمعارضي سيئ الذكر، بل وإنه كان من المسؤولين عن إعدام المجاهدين الصناديد الذين حاربوا فرنسا بالسلاح من أمثال الأزهر الشرايطي، ثم كان عصا النظام حينما نكل وقتل المواطينن بالوردانين، ثم أصابه السبات حقبة طاولت فترة حكم بن علي مما يؤشر على تواطئه أوجبنه، بعدها وقع إسقاطه في غفلة من التونسيين ليكون وصيا على ثورتهم، في أمر قُدَّ بليل لا يعلم الناس كيف وقع، حيث تساؤلوا كيف لمثل هذا الشخص أن يقود مسار الثورة، وكانت تخوفاتهم في محلها إذ عمل ها الشخص على إعاقتها وتعطيل مسارها بقدر مستطاعه.
هذا الشيخ الطاعن في السن الذي يشارف التسعين سنة ينتهي به الحال إلى أن يصبح ملاذا لمجموعات مفزوعة من رفض التونسيين لها، بعد أن طالما تدثرت طيلة عقود بدفي النظامين المندثرين، حيث كانت تبني تحالفا معهما، باعتبارها مجوعات منبتة عن التونسيين وعن ثقافتهم تتلاقى مصالحها مع مصالح النظامين الحاكمين، تعمل عمل الطفيليات لايمكنها العيش إلا في المستنقعات، وحينما يجف المستنقع تصاب بالفزع المنذر بزوالها.
ومن عدالة الأقدار أن هذا الباجي يجد نفسه مع شراذم تماثله بحيث يصدق عليهم المثل من أن الطيور على أمثالها تقع، لم يجد الباجي من يحتمي به إلا مجموعات تمثل فلول المنهزمين بالانتخابات، الفزعة من مآل الرفض الشعبي لها، المتخوفة عن مستقبلها ومستقبل نمط حياتها الفريد وامتيازاتها التي كانت ترفل فيها بمعزل عن عموم التونسيين، وهي التي كانت تجازى بها مقابل خدماتها التي كانت تقدمها للنظامين السابقين حيث مثلت هذه الشراذم أدوات تلك الأنظمة لقمع التونسيين تارة، وآلتها الفكرية والثقافية والتربوية لاقتلاع التونسيين وإلحاقهم بفرنسا تارة أخرى.
وحقّ أن يكون التحاق هؤلاء بالباجي وتجمعهم مع بعضهم معرّة تلحقه وتلحقهم جميعا، تلحقه لأن هؤلاء شرّ كلهم إذ ليس فيهم ما يدعو للفخار، وهل كان الخادم ضد بلده الممثل أداة لضرب مواطنيه في ثقافتهم، المتحد ضدهم مع الأنظمة المتسلطة يستحق أن يكون محل احترام، وعار لهم إذ ليس في تاريخ الباجي ما يشرّف، ومتى كان الجلاد قاتل مواطنيه، معدم المجاهدين من أمثال الشرايطي وصحبه، يستحق أن يكون أهلا للاحترام.
فصدق على هذا الباجي ان يكون جامعا للوضاعة من مبدئها لنهايتها، فهو قد ورث قيادة السبسي ليورّث قيادة الأصفار، وهي هذه الشراذم المفزوعة أبدا.
على أنه يفهم التفاف هؤلاء بعضهم حول بعض، فهؤلاء كلهم مرفوض و ملفوظ من طرف التونسيين ، فهناك مجموعة من الاعتبارات تجعل كلا الطرفين السبسي وجماعات الأصفار يلتقون ليس فقط موضوعيا وانما فعليا، وهذه الاعتبارات هي:
- كلا الطرفين مثل عامل إضرار شديد للتونسيين، فالباجي قتل التونسيين مباشرة أو بطريقة غير مباشر بدءا من إعدام المجاهد الأزهر الشرايطي وصولا للمواطنين بالوردانين، وأما عموم جماعات اليسار الفرانكفوني المتحالفين دائما مع النظامين فإنها مثلت الجانب الناعم من عمليات التدمير المنهجي التي استهدفت التونسيين وعملت على اقتلاعهم من هويتهم، حيث كانت هذه المجموعات تمثل الأدوات الثقافية والفكرية والتعليمية لتمرير مشروع الاقتلاع و الإلحاق بفرنسا الذي دشنه وقاده سيئ الذكر وواصله بن علي.
- كلا الطرفين رفض الثورة التي وقعت ببلادنا، وعمل على إجهاضها، أما الباجي فمن خلال تعطيلها بكل الوسائل حينما تبوأ القيادة بتونس، وأما فلول المنهزمين قطعان المنبتين فمن خلال مساعيهم اليائسة المتنوعة عن طريق ما يمتلكونه من وسائل قوة لازالت بأيديهم كوسائل الإعلام والتثقيف الجماعي والتعليم.
- كلا الطرفين يستشعر حالة الفراغ والعزلة والتيه الناتج عن فقدان الحاضن الذي كان يسندهم ويمنحهم القوة ويمثل لهم النموذج، فحالة اليتم تجمع الطرفين، فالباجي كان مريدا لسيئ الذكر أين منه مريدو شيوخ الصوفية، وقطعان اليسار الفرنكفوني يستشعرون يتما أين منه أحاسيس اليتم لدى أطفال الملاجئ إبان الحروب، هؤلاء يستشعرون نقصا بفقدان نظام بن علي الذي كان يعطيهم الامتيازات ويضمن لهم التحرك والتسلط على التونسيين والتمتع بما هو ممنوع على عمومهم، كما أن يتم هؤلاء يبدو مضاعفا كلما أحسوا أن ربهم الأعلى فرنسا نفسها في حالة ضعف وهي في طريق الارتكاس.
- ثم إن كلا الطرفين يمثل تواجده في واقع التونسيين بعد الثورة خطأ تاريخيا، فالأصل أن كلا الطرفين ما كان ليوجد لو كانت الأمور غير الأمور، هؤلاء كان يجب استئصالهم بعيد الثورة مباشرة لولا تآمر المتآمرين وتساهل الرخويات، فلا شك أن تقتيل المجاهدين وتعذيب المواطنين وحصدهم بالرصاص أمر من الفظاعة بحيث أن مرتكبه يجب عليه أن يفرح كثيرا أن لم تقع محاسبته، بل إنه يجد نفسه طليقا، كما أن أدوات استعباد التونسيين وتأبيد معاناتهم وتدجينهم لصالح النظامين السابقين، يجب عليهم أن يحمدوا الله كثيرا أن أبقاهم التونسيون على ماهم عليه اليوم، يسعون ويتحركون، بل ويضعون العراقيل في طريق ثورتهم.
ثم إن الطريف أن جماعات الأصفار هؤلاء ليجدون في أنفسهم الجرأة والطاقة، فيحركون فلولهم ليندسوا في الناس وينظموا المظاهرات ويهددوا بتعطيل البلاد.
ولئن كان يفهم حالة الفزع الدائم المتلبسة بهاته القطعان بحيث تجعل تحركاتهم تماثل النفير المتصل إنذارا لبعضهم من خطر الانقراض، فإنه يجب على هؤلاء أن يعرفوا حدود قوتهم ويعوا الواقع المتبدل، فهؤلاء لهم أن يصرخوا ولهم أن يتوهموا ولكن ليس لهم أن يجاوزا ذلك لغيره من الأمور، يجب على هؤلاء أن يعرفوا أن إمكانية تأثيرهم الموبوء على المجتمع مرة أخرى معدوم، ذلك باب قد أغلق للأبد، وأن ما بقي لهم هو في طور التلاشي، أما ما يرفعونه من تهديدات فمثلها كمثل تهديدات الفرزدق لمربع بالقتل:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا***أبشر بطول سلامة يا مربع
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
30-01-2012 / 19:27:34 فتحي بن حسن
لا أحد فوق المسائلة والحساب
إن كل ما قام به الباحي قايد السبسي وحكومته المؤقتة يجب أن تتم المحاسبة عليه، فالقرارات والمراسيم التي أصدرتها هذه الحكومة كالمرسوم المنظم لمهنة المحاماة (مهنة السبسي)، كانت كلها صادرة بدون أن تمر على هيئة شرعية منتخبة تمثل الشعب وتراقب الحكومة وتحاسبها. ولم تكن الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة سوى غطاء لإكساب قرارات الحكومة شرعية مزيفة، مثلما كانت أحزاب الديكور في عهد المجرم بن علي غطاء لديمقراطية لا وجود لها.
ولا شك أن السياسة التي اتبعتها حكومة السبسي تجاه أوضاع البلاد فيما بعد الثورة، لم تكن كلها سياسة إيجابية بل إن فيها كثير من السلبيات التي أساءت للشعب وثورته ومكتسباته.
وحيث أن المسائلة هي من أسس الحكم الرشيد التي لا يستثنى منها أحد، فمن الضروري والأكيد أن تتم مسائلة السبسي وحكومته عن كل القرارات والمراسيم والمواقف الداخلية والخارجية التي اتخذتها. فلا أحد فوق المسائلة والحساب. وكل نفس بما كسبت رهينة.
30-01-2012 / 19:27:34 فتحي بن حسن