كيف السبيل لمحاربة الفساد المالي دون هياكل رقابة قوية ومستقلة
حاتم الصولي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9121
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أفضى المخاض الثوري بتونس إلى وصول قوى سياسية تضمنت برامجها ووعودها المعلنة عن رغبتها القوية في محاربة الفساد المالي ومحاسبة المفسدين، ومع حسن ضني بصدق رغبة الساسة الجدد ب الدلخول بتونس لمرحلة جديدة تشن فيها حرب دون هوادة على الفساد المالي والعابثين بالمال العام .سيعد فعلا قظعا جذريا مع مساوئ الماضي.
و إذا إعتبرنا أن حسن تشخيص هذا المرض وأسباب انتشاره هو أول خطوة صحيحة لإيجاد العلاج المناسب لهذا الداء الذي ضل ينخر جيوب التونسيين لعقود طويلة، فإن أهل الاختصاص من العاملين في مجال الرقابة الإدارية والمالية والتصرف العمومي بالمنشات يتفقون على أن أسباب انتشار الفساد المالي والإداري بالقظاع العام يعود بالأساس إلى تغييب و تهميش متواصل لكل أركان الحوكمة بالمؤسسات، سواءا على مستوى هياكل التسيير من جهة أو هياكل المراقبة من جهة أخرى .
1- أما على مستوى هياكل االتسيير فالجدير بالذكر أن منظومة الفساد قد عمدت عمدت الأنظمة السابقة إلى تهميش هياكل التسييرمن رؤوساء مديرين عاميين ومجالس إدارات المنشأت من خلال عدم تحديد طبيعة المهام المطلوبة من قيادات المنشأت العمومية و عدم ضبط الأهداف المطلوب تحقيقها، وبالتالي دفع هده القيادات للبحث عن الضامن الوحيد للبقاء أو الترقية وهو الولاء للحزب وتسهيل أعمال هياكله لأن ذلك هو الإنجاز الوحيد الذي يضمن بقاؤه في مكانه أو حصوله على مراتب أعلى.في غياب مهام واضحة ووضع يكون فيه بين مطرقة السلطة وسندان النقابة وهذا الوضع دفع البعض إلى تولي مهام تسيير الأعمال لا غير فتراهم يمرون السنوات على مؤسسات كبرى في البلاد ولا شئ يتغير بها غير إرتفاع أعباء الأعوان وتراجع نتائجها المالية.وفي نفس السياق تم أيضا تقزيم دور مجالس الإدارات فعلى الرغم من أ همية هذا الهيكل في ضمان تسيير محكم للمؤسسات، إلا أن المتأمل في مداولاته يتأكد دوره المحدود في التطرق لمسائل التصرف العادي ا في حين يتظور دور مجالس الإدارات في العالم نحو تركيز منظومة التصرف في المخاطر و تطوير سيناريوهات لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للمؤسسة ووضع الوثائق الإستراتيجية للمؤسسة، وعلى الرغم من حضور مراقب الدولة في هذه الجلسات أهمية الإضافات التي يقدمها المنتمين لهيئة مراقبي الدولة في سير الجلسات فإن دور هذا الأخير هو أيضا في حاجة لمزيد النظر والتعمق وخاصة من حيث توافق الوسائل الموضوعة على ذمته ( الوحيد) في مقابل امتداد وتشعب عمليات التصرف بهذه المنشآت.
2- وبخصوص هياكل المراقبة فيعتبر تهميش وظائف المراقبة الداخلية بالمنشات :من أهم مرتكزات منظومة دعم الفساد المالي والإداري و إبطال مقومات الحوكمة الرشيدة وتحديدا تقزيم وظيفتي التدقيق الداخلي و مراقبة التصرف بالهياكل العمومية ، هذه الوظائف التي يفترض أن تكون جدار الصد الأول لعمليات الفساد المالي وتصحيح المسار والمساعدة في إتخاذ القرار والوقوف على حالات سوء التصرف والفساد المالي والإداري بالمؤسسات تتعرض بشكل مستمر ومتواصل للتهميش الممنهج من خلال حرمانها من الكفاءات المناسبة من الموارد البشرية والمادية الملائمة الخاصة لتأمين مهامها المنتظرة، هذا فضلا عن عدم استقلاليتها هياكل التدقيق الداخلي حيث ترتبط وظيفيا وهيكليا للإدارة العامة للمؤسسة عوضا عن ارتباطها بلجنة تدقيق داخلي تنبثق عن مجلس الإدارة تكون مستقلة عن سلطة القرار . أما عن مراقبة التصرف فتبقى الوظيفة الأقل اعتبارا في المنشات العمومية على الرغم من أهمية الدور الذي تؤمنه من متابعة استهلاك الإعتمادات ومتابعة الإنجازات وتحليل الحيود وتبريرها.
- 3 هياكل الرقابة الخارجية :
وهي التي مورس عليها التغييب الأخطر في نظري، حيث همشت منظومة الفساد السابق دور هذه الهياكل التي تزخر بكفاءات عالية من خلال توجيه مهمات التفقد نحو مواضيع هامشية قليلا ما ترتبط بواقع الفساد المالي والإداري التي تعرفه الهياكل العمومية أو تهميش التوصيات المضمنة بالتقارير وخاصة تلك المتعلقة بالمحاسبة، ولعل عدم إصدار دائرة الزجر المالي أي قرار بالإدانة بأي متصرف خلال الخمس سنوات الأخيرة أكبر دليل على مدى فعالية منظومة الرقابة والمتابعة السابقة، كما شهدت هياكل الرقابة الخارجية تجفبفا ممنهجا لأليات العمل الرقابي كضعف الموارد البشرية الموضوعة حيث لا يتجاوز عدد المراقبين في هيئات الرقابة العامة الثلاثة مجتمعة 120 مراقبا مباشرا فقظ هم مطالبون بالتدقيق في نفقات ميزانية الدولة بقيمة 23 ألف مليون دينار علاوة على العمليات المالية الخاصة بالمنشآت العمومية خارج الميزانية، كما تشكو هذه الموارد نقص التكوين المناسب في مجال أساليب اكتشاف الفساد المالي وهو ما يعد خرق واضح للمعايير الدولية الخاصة بمهنة التدقيق التي تجعل التكوين المستمر أول متطلبات العمل الرقابي، و يعتبر أعضاء هيئات الرقابة العامة أفضل حالا من أعوان التفقديات الوزارية العامة والتي قد يقضي فيها المتفقد عمرا كاملا دون أن يتلقى تكوينا ولو بيوم واحد وذلك في مقابل تطور أشكال الفساد المالي والإداري .
- وبالإضافة إلى الصعوبات المادية واللوجيستية التي تعانيها هياكل الرقابة والتفقديات العامة والتي تجعلها بعيدة كل البعد عن المعايير الدولية المعتمدة بنظيراتها في البلدان المتقدمة وحتى المشابهة لتونس، يشكو النظام الأساسي لسلك المراقبين والمتفقدين العموميين العديد من النقائص بشكل يجرد هؤلاء من كل الصلاحيات التي تمكنه من أداء مهامه بكل مهنية وحيادية وتجرد العمل الرقابي من كل فعالية تذكر.
• إن وضع إستراتيجية لمكافحة الفساد المالي والإداري بالقطاع العمومي لا بد أن يمر بالضرورة بإصلاح عميق لهياكل الرقابة العامة والتفقديات الوزارية من خلال ضمان استقلالية هذه الهياكل واستغلال خبراتها المتراكمة في مراقبة التصرف العمومي ودعم وسائلها، والعمل على دمجها في شكل وكالة مستقلة لمكافحة الفساد والرشوة و هو ما يتفق عليه أخصائيو الحوكمة الرشيدة وانتهجته بلدان نامية أخرى على غرار بلدان أمريكا الجنوبية، و بلدان جنوب شرق أسيا ( ماليزيا وسنغافورة) كما سيكون دلك رسالة قوية تعبر عن التزام الساسة الجدد بتحقيق أهم أهداف الثورة وهو محاربة الفساد المالي ويؤمن بناء دولة القانون والمؤسسات الفاعلة والقوية .
حاتم الصولي
مراقب عمومي
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: