البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

بين يدي حكومة النهضة في تونس

كاتب المقال د. مصطفى يوسف اللداوي - سوريا    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8570


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


اختار التونسيون حركة النهضة دون غيرها من الأحزاب التونسية، وفضولها عن غيرها من الأحزاب الأخرى، فمنحوها أصواتهم، وأعطوها ثقتهم، وجعلوا منها الحزب الأكبر تمثيلاً، والأكثر حضوراً، والأقوى نفوذاً، والأوفر حظاً لتشكيل الحكومة القادمة، ولكنهم وضعوا تونس كلها أمانةً في أعناقهم، وعهدوا إليهم أن يخرجوها من أزماتها الموروثة، وأن يعيدوا إليها ما نزعه منها رئيسها الهارب، ثقة المواطنين وحبهم لوطنهم، وكرامة الشعب وعزة المواطن، ورخاء البلاد وسعادة العباد، وحرية الأحزاب وتعدد الأفكار، واستقلالية القرار وتأميم المصالح، ونزاهة الحكام وطهارة أكفهم، وعدالة القضاء وحيادية القضاة، ومهنية الأحكام والرأفة بالمظلومين، والمساواة في الحقوق ورد المظالم، واستدامة التنمية والمساواة في الرعاية، والعدالة في توزيع الثروات والحرص على تقسيمها، ومنح الفرص، وخلق الوظائف، ومحاربة الفساد، والقضاء على البطالة، والإحسان إلى ذوي الحاجة، وغيرها الكثير مما يطمح التونسيون أن تحققه لهم حركة النهضة، التي مَنَّ الله عليها وعلى قادتها إذ أخرجهم من السجن، وجاء بهم من النفي والإبعاد، ليكونوا هم القادة وهم الحكام، ففضل الله عليهم عظيم، ونعمته كبيرة، مما يتطلب منهم صدقاً وإخلاصاً، وعملاً وتفانياً، وتجرداً وعطاءاً، ليكونوا محل ثقة الشعب وينالوا رضا الله وبركته، كي يسبغ عليهم توفيقه ومحبته.

اليوم ستكلف حركة النهضة تشكيل الحكومة التونسية الأولى بعد الثورة، وهي تعلم حجم العبء الملقى على عاتقها وطنياً، والأمانة التي ستحملها في قادم الأيام، وهي تعرف أحوال بلادها الداخلية والظروف الدولية، وتدرك حجم التعقيدات التي تنتظرها، فالمهمات أمامها كثيرة، والآمال التي يعلقها عليها الشعب التونسي أكثر، والتحديات أكبر مما يتصورها أحد، والصعاب التي تعترضها أصعب من أن تذللها حكومة، أو أن تفكك أسبابها حركة، فالإرث الذي تركه الرئيس الهارب للحكومة التونسية الجديدة إرثٌ كبيرٌ، مليءٌ بالمخازي والفساد، ويعج بالفوضى والاضطراب، وعرى الخراب مازالت قائمة، وأزلام النظام مازالت موجودة، تعشش في كل مكان، تحاول التخريب والإفساد، وتسعى للإضرار، وتراهن على استعادة تونس وإعادتها إلى عهود الفساد والاستبداد، وهم يعملون في الليل والنهار لتقويض ما بناه التونسيون بدمائهم، وما صنعوه بتضحياتهم، فعلى حركة النهضة أن تدرك أنها ليست مقبلة على شهر عسل، وأنها ليست بصدد رحلة ممتعة، وأن طريقها لن يكون سهلاً ولا معبداً، وأن حجم العيون المراقبة، المحبة والحاقدة، سيكون كبيراً، لذا فإن عليها أن تتلمس خطاها بدقة، وتحسن كيف تبدأ وإلى أين تسير، وعليها أن تعرف من تصادق ومن تحالف، ومن تستبعد وتستثني.

التونسيون جميعاً ارتضوا التجربة الديمقراطية الأولى التي خاضتها بلادهم، واعترفوا بنتائج الانتخابات بغض النظر عن الفائز فيها، فهم يدركون أن للديمقراطية ثمن، وأن عليهم أن يقبلوا ثمنها ونتيجتها أياً كانت، وإن جاءت مخالفة لآمال وتطلعات البعض، ولكن الشعب هو الذي قرر واختار، وعلى الجميع احترام وتقدير خيار الشعب، فهو صاحب الشأن ومالك القرار، وعلى حركة النهضة أن تقدر قبول التونسيين نتائج الانتخابات واعترافهم بها، واستعدادهم للتعامل مع الفائز فيها، كما كانت هي ستقدر نتيجة الانتخابات وخيار الشعب لو اختار غيرها، ومنح أصواته ووضع ثقته في حزبٍ آخر، فعلى حركة النهضة أن تحفظ للآخرين ما كانت تحب أن يحفظ لها لو كانوا مكانها وكانت مكانهم، فكما كانت تسعى لأن تكون شريكاً في الحكم فلتشرك الآخرين، وكما كانت لا تحب أن تقصى عن الحكم فلا تقصي أحداً، ولما كانت قد عانت من الحرمان فلا تحرم أحداً، ولما كانت قد دفعت ثمن آرائها ومعتقداتها فسجنت وعذبت وأبعدت، فلا تكوي الآخرين بالنار الذي اكتوت به، فهي أكثر من استشعر الظلم وعاشه، وأكثر من عانى من بطش الهارب ولسع سياطه، فهم وحدهم من علقوا على أعواد المشانق، وهم وحدهم من دفعوا حياتهم في أقبية السجون وفي ظلام الزنازين.

التحديات الداخلية التي تنتظر حركة النهضة لا تقتصر على الديمقراطية وإشراك الآخرين وعدم إقصاء أي طرف، وإطلاق الحريات وإفساح الفضاء للإعلام الحر والرأي الآخر، فهذه التحديات هي أخلاقيات لدى حزب النهضة، وهي تعاليم نشأت عليها وأكد عليها زعيمها الغنوشي، فلن يكون في عهدها تكميمٌ للأفواه، وتقييدٌ للحريات، ومصادرة للرأي، ولن تفتح السجون للمخالفين، ولن يعاقب أصحاب الرأي الآخر، ولكن على حركة النهضة وهي التي كانت مبعدة ومقصاة، ومحاربة ومطاردة، أن تجد حلولاً للاقتصاد التونسي، وأن تنهض به من كبوته، وأن تحرره من قبضة بعض المستأثرين به والمسيطرين عليه، وأن تؤمن دورة رأسمالٍ عادلة، يستفيد منها الفقراء، ولا يظلم فيها الأغنياء، يعود خيرها على البلاد، وينتفع بها الشباب والساعين إلى العمل، والباحثين عن الوظائف، كما أن الأسرة التونسية، امرأة وطفل، بحاجةٍ إلى جهودِ حكومة حركة النهضة، تنهض بالمرأة وتعطيها حقوقها، ولا تسمح بالتغول والاعتداء عليها، تحفظ مكانتها، وتعيد إليها احترامها وتقديرها، كما تعنى بالأسرة والطفل، تربيةً وتعليماً وتهذيباً، فالأسرة التونسية في عهد الهارب قد وقع عليها ظلمٌ كبير، وتجني خطير، ونالها من العذاب والأسى الكثير، والتونسيون ينتظرون من حكومة النهضة أن يكون لها لمساتها وجهودها المخلصة في إنقاذ المرأة والطفل والأسرة من براثن السوء التي زرعها فيها النظام السابق.

على حركة النهضة التي سترأس الحكومة التونسية الجديدة أن تدرك أنها ليست أمام اختبارٍ داخلي فقط، وأن التحديات التي تواجهها خارجياً أكبر بكثيرٍ من تلك التي تنتظرها وتتربص بها في الداخل، فهي حركةٌ إسلامية، تحمل المنهج والرؤيا الإسلامية، والعالم بأسره يخشى الحركات الإسلامية، ولا يتوقع منها خيراً، ولا يظن أنها ستنجح في إدارة أي حكومة، بل إنه يراهن على فشلها ثم على انقلاب الشعب عليها، وانفضاضه من حولها وندمه على انتخابها، فهو يشيع أنها حركاتٌ ظلامية منغلقة، وأنها لا تستوعب الجديد ولا تتعامل مع التطور، وهي ترفض الحوار ولا تقبل بالرأي الآخر، وأنها ستعيد البلاد إلى عهودٍ مضت وتاريخٍ سبق، ولكن حركة النهضة تدرك هذا التحدي وتعترف بصعوبته، وستتصدى له وستنجح في تجاوزه، وهي تعلم أنها تقف بالنيابة عن جميع الحركات والأحزاب الإسلامية أمام اختبارٍ صعب، فإما أن تنجح في الحكم وإدارة البلاد وتنجح معها الأحزاب الإسلامية، وإما أن تفشل تجربتها ويفشل معها النموذج الإسلامي، ولكنها ستنجح وستثبت للتونسيين أن خيارهم كان صحيحاً، وأن ثقتهم في محلها، وأن أملهم في حكومة نهضتهم لن يخيب.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الإنتخابات، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 31-10-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد أحمد عزوز، عزيز العرباوي، د. أحمد بشير، حسن عثمان، محمود فاروق سيد شعبان، فوزي مسعود ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رضا الدبّابي، د- محمد رحال، إسراء أبو رمان، محمد يحي، صباح الموسوي ، محمد اسعد بيوض التميمي، نادية سعد، سعود السبعاني، سلوى المغربي، إيمى الأشقر، أبو سمية، د - شاكر الحوكي ، فتحي العابد، ماهر عدنان قنديل، فتحـي قاره بيبـان، أشرف إبراهيم حجاج، سامر أبو رمان ، محمد علي العقربي، كريم السليتي، أ.د. مصطفى رجب، رمضان حينوني، علي الكاش، فهمي شراب، أحمد الحباسي، طارق خفاجي، ياسين أحمد، طلال قسومي، مجدى داود، خبَّاب بن مروان الحمد، فتحي الزغل، عبد الله زيدان، عبد العزيز كحيل، مراد قميزة، أحمد بوادي، عمار غيلوفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، المولدي اليوسفي، جاسم الرصيف، خالد الجاف ، محمود طرشوبي، حميدة الطيلوش، صلاح الحريري، محمد شمام ، بيلسان قيصر، د - محمد بنيعيش، محمد الطرابلسي، أنس الشابي، سيد السباعي، الهادي المثلوثي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الياسين، كريم فارق، عراق المطيري، حسني إبراهيم عبد العظيم، يزيد بن الحسين، الناصر الرقيق، المولدي الفرجاني، سلام الشماع، سامح لطف الله، صلاح المختار، د- هاني ابوالفتوح، د. عبد الآله المالكي، صفاء العراقي، علي عبد العال، رافع القارصي، مصطفي زهران، وائل بنجدو، صفاء العربي، سفيان عبد الكافي، صالح النعامي ، أحمد ملحم، د - عادل رضا، حاتم الصولي، عبد الله الفقير، تونسي، د- جابر قميحة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد عمر غرس الله، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، منجي باكير، عبد الغني مزوز، إياد محمود حسين ، محمود سلطان، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الرزاق قيراط ، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، محمد العيادي، الهيثم زعفان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد النعيمي، رشيد السيد أحمد، د - الضاوي خوالدية، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، د. خالد الطراولي ، د- محمود علي عريقات، د - مصطفى فهمي، عمر غازي، د - صالح المازقي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. صلاح عودة الله ، العادل السمعلي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عواطف منصور، د. أحمد محمد سليمان، د. طارق عبد الحليم، ضحى عبد الرحمن،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء