البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

زوبعة في هيئة (1): في “حفل الديمقراطية البهيج”

كاتب المقال د - عدنان المنصر - تونس   
 المشاهدات: 8655



ينبغي أن يسجل يوم أمس في الكتاب الذهبي للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي، والسبب هو تخصيصها جلستها بالكامل لمهاجمة الممضين على بيان الثلاثة عشر عضوا الصادر يوم 4 جوان والذي ينتقد عمل الهيئة ورئيسها. كان الحضور جيدا، وهو حضور لم يحصل إبان مناقشة قضايا هامة جدا أحيانا، ذلك أن رئيس الهيئة الموقر قد صرح في وسائل الإعلام طيلة الأيام التي سبقت اجتماع البارحة بجدول أعمال الجلسة: بيان الثلاثة عشر. ولأن الممضين على البيان لا يزالون مصرين على مضمونه، ولأنهم اعتقدوا أن الهيئة قد تستغل الأمر لإعادة النظر في سيرتها، فقد أصروا على الحضور، راجين أن يفهم بيانهم على الوجه الصحيح الذي أرادوه منه. لم يحصل شيء من ذلك بطبيعة الحال، وانطلق معظم الأعضاء في التعبير عن دهشتهم وإدانتهم واستنكارهم لمضمون البيان وللممضين عليه، في حفلة إرهاب لم يحصل مثيل لها داخل أروقة الهيئة من قبل.

أما فحوى الهجمات التي تعرض إليها الممضون على البيان فقد مست كل شيء، إلا مضمون البيان نفسه. وكان السيد رئيس الهيئة الموقر قد اعتبر في أكثر من مناسبة إعلامية أن مضمون البيان المذكور ثلب شخصي، وهو أمر مثير للاستغراب في أدنى الحالات، غير أننا نعتقد اليوم، بعدما شهدته حفلة البارحة، أنه لم يعد لهذا الاستغراب من مبررات. إذا كان إله الديمقراطية يعتبر النقد ثلبا، فكيف نلوم المتدينين بالديمقراطية؟ من المفيد أن نشير هنا إلى بعض الأعضاء الذين شعروا أنهم غير مستهدفين بالبيان، والذين صرحوا أن الأمر يدخل في باب حرية التعبير والرأي، وأن الهدف من البيان ليس التهجم بقدر ما هو إصلاح بعض الأخطاء، ولكن أصواتهم الصادقة ضاعت في صخب السباب. هؤلاء ليس لديهم ما يخفونه، وليسوا ممن يخاف بيانا، لأنهم عوضا عن الاكتفاء بالاستلهام من الأوهام، كانوا يريدون النظر إلى أصل الأشياء، وفي أصل الأشياء كثير مما يتوجب إصلاحه، لو علم الآخرون.
ينبغي التذكير بدهشة أخرى أصابت الممضين على بيان الثلاثة عشر، وهو أن المهاجمين لهم في حفلة البارحة تذكروا كل شيء، إلا ما يحصل في البلاد. بيان الثلاثة عشر كان يستحق من الهيئة الموقرة ورئاستها أكثر مما تستحقه أحداث المتلوي، و”النقاش” الذي وقع كان أكثر حدة من النقاش الذي سببته حادثة الروحية، فللجماعة، كالعادة، عين واحدة. هذه إحدى نقاط النقد الذي وجه في بيان 4 جوان لو فتحوا عينهم الأخرى: لرئاسة الهيئة طريقة غريبة (لم تعد غريبة بالفعل) في التفاعل مع ما يحدث في البلاد: عندما يضج الشارع حول مسألة تأجيل الانتخابات، نراها تطرح عليها مناقشة “العهد الجمهوري”، وعندما فعل البوليس فعلته يوم 7 ماي في شوارع العاصمة نراها لا تقبل بنقاش المسألة إلا مكرهة، وعلى هامش جدول الأعمال. وعندما ينسحب عضو أو ممثلو جمعية أو حزب، نرى رئيسها الموقر يتعامل مع الموضوع بكل الاستخفاف الممكن ولسان حاله يكاد يقول “الكلاب تنبح والهيئة تمر”.

أما النكتة الكبرى، فكانت البيان الحماسي الذي ألقاه أحد ممثلي حركة التجديد، والذي تذكر بإشارة من نقابي سابق في التعليم العالي أن أحد الممضين على البيان لم يضرب في سنة 2005، وقد بلغ به الأمر درجة نسيان أنه كان وجماعته يدافعون طيلة شهرين عن حكومة الغنوشي، ويهاجمون النقابة التي ينتمي إليها الأول، وأنه كان وحزبه طيلة عشرين عاما يقدمون للديكتاتور أكبر هدية: المشاركة السياسية التي كان يستغلها غطاء للقول بأن البلاد تعيش عهد الديمقراطية الذهبي. لامنا الرجل، وكثير من “أصدقائه” أن بياننا استغلته بعض القوى السياسية (حركة النهضة) لمهاجمة الهيئة ورئيسها، وذهب به الصلف إلى حد مطالبتنا “بالانسحاب بصمت إذا كان الأمر لا يروقنا” ! هل رأى أحدكم عمى ووقاحة سياسية أكبر من هذه؟ يتصرف الرجل (وهذه من نقاط بيان الثلاثة عشر) أن الهيئة هيئته، والعياض عياضه، وهو ما قالته لنا بعض “الديمقراطيات” بكل صراحة على هامش اجتماع رئيس الحكومة الذي أعلن فيه عن تاريخ الانتخابات. تساءل الرجل بعد ذلك عمن نقصده بالطرف السياسي والإيديولوجي الذي يهيمن على الهيئة العليا، مرجعا عدم ذكرنا له صراحة إلى عدم شجاعتنا. ذلك أن الأمر إذا ما تعلق “بحركة التجديد الإمبراطورية” يتطلب شجاعة كبيرة، فمن يجرؤ على تسمية التجديد باسمه؟ ربما “أخطأنا” في شيء، وهو عدم اعتبارنا تلك السيطرة أمرا طبيعيا، فالحركة، بوصفها تمثل أكثر من نصف الشعب التونسي، ينبغي أن تكون تمثيليتها بالهيئة مناسبة لحجمها في البلاد. وبوصفها أنجزت الثورة، فإن الهيئة فعلا هيئتها، وبوصفها المؤتمنة على مستقبل البلاد أيضا، فإن مناقشتها في الأسلوب الذي تدير به الأمور يعتبر ثلبا صريحا وغير مبرر.

مشكلة الرجل وأصدقاؤه هو أننا لن ننسحب، وأننا سنظل شوكة في حلقه وحلق أصدقائه، وأن إدخالنا الهيئة لتزيينها بوهم الإجماع والديمقراطية، كان من جملة أخطائهم. أما البحث في توقيت البيان وفي من يمكن أن يكون قد استفاد منه، فالأمر مردود عليه، ذلك أن “الخطأ المحتمل” لا يساوي “الخطيئة المتأكدة”، وهي أكثر من متأكدة. ولأننا لا يمكن أن نطالب الرجل بأن تكون له القدرة على استعادة التاريخ البعيد، فإننا نطلب منه أن يستذكر التاريخ القريب، فكم يضج بالعبر.

شيء آخر أثار القوم وسبب هياجهم، وهو أن البيان ألقي للرأي العام ولم يقرأ داخل الهيئة. ذلك أن إبقاء ماء النقد في دقيق الهيئة هو المطلوب دائما في “النقد البناء”، كما يقولون، مثلما يتم داخل الأحزاب بالضبط. ما يتناساه القوم هو أن نقدا أكثر من ذلك قيل تحت “القبة المباركة”، وأنه لم ينتج تغييرا يذكر في طريقة عملها، بل بدا وكأنه من نوع الكلام الذي لا يستحق أن يصغى إليه، فنوايا المنتقدين لا يمكن إلا أن تكون خبيثة، دائما وبغض النظر عن أي توقيت. لنقل الأمور مباشرة وكما كاد يقولها المشاركون في حفلة البارحة: إدخال الرأي العام في شؤون الهيئة أمر خطير جدا، ولعب بالنيران، ذلك أن للرأي العام مشاغل أخرى كثيرة، والقوم يخافون من صدم شعوره. طالما بقيت الأمور تحت القبة، فطبيعة التوازنات الموجودة هناك تسمح بالسيطرة عليها، أما إذا خرجت، فمن سيمسك بانعكاساتها؟ أما من ناحية الممضين على البيان، فإنهم يعتقدون أن الرأي العام طرف أساسي، بل إنه الطرف الأساسي، وأن التوجه إليه بذلك البيان، بعد أن لاحظوا أن انتقاداتهم وانتقادات غيرهم لا يسمع لها، ممارسة ديمقراطية لو علم الديمقراطيون. المشكل هو أننا لا نزال نعتبرهم ديمقراطيين (وديمقراطيات، ذلك أننا علمنا بالمناسبة أن جمع التذكير لا يلزم الحداثة)، وأنه طالما واصلنا الاعتقاد في ذلك فإننا سنبقى مستغربين على الدوام، لذلك فإننا لم نعد مستغربين، مطلقا. في هذا الباب علينا أن نذكر بالجلسة التي عقدتها الهيئة منذ أسبوعين، مباشرة بعد تصريح السيد كمال الجندوبي رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات، بعدم الإمكانية التقنية لتنظيم الانتخابات يوم 24 جويلية: الذين انخرطوا في حفلة البارحة كانوا هم أنفسهم الذين أنكروا تماما أن الهيئة تحدثت في موعد 24 جويلية، وأن توافقا تم حول ذلك التاريخ. من سيستغرب شيئا منهم بعد ذلك اليوم غبي أو أحمق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات، تأجيل الإنتخابات، المجلس التأسيس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-06-2011   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه موقع الشاهد http://www.machhad.com

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله زيدان، حسن عثمان، د- هاني ابوالفتوح، د.محمد فتحي عبد العال، محمد يحي، صالح النعامي ، خالد الجاف ، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد محمد سليمان، رمضان حينوني، المولدي اليوسفي، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله الفقير، منجي باكير، عبد الغني مزوز، عواطف منصور، سلام الشماع، علي عبد العال، محمد أحمد عزوز، عمار غيلوفي، كريم فارق، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. طارق عبد الحليم، الناصر الرقيق، سفيان عبد الكافي، د. صلاح عودة الله ، صفاء العراقي، أحمد بوادي، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، صلاح الحريري، أحمد ملحم، عبد العزيز كحيل، المولدي الفرجاني، الهادي المثلوثي، مصطفي زهران، محمد عمر غرس الله، عمر غازي، د - شاكر الحوكي ، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود سلطان، إسراء أبو رمان، ياسين أحمد، محمود طرشوبي، يحيي البوليني، رافد العزاوي، ضحى عبد الرحمن، طارق خفاجي، ماهر عدنان قنديل، د- محمود علي عريقات، محمد علي العقربي، أ.د. مصطفى رجب، حاتم الصولي، سلوى المغربي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد الحباسي، د. أحمد بشير، أحمد النعيمي، د. عبد الآله المالكي، أنس الشابي، مراد قميزة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، طلال قسومي، محمد اسعد بيوض التميمي، فوزي مسعود ، رافع القارصي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، فهمي شراب، عبد الرزاق قيراط ، حميدة الطيلوش، سعود السبعاني، يزيد بن الحسين، نادية سعد، د - مصطفى فهمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عزيز العرباوي، مجدى داود، صباح الموسوي ، محمد الياسين، جاسم الرصيف، بيلسان قيصر، أبو سمية، محمد العيادي، عراق المطيري، إياد محمود حسين ، د. مصطفى يوسف اللداوي، كريم السليتي، رشيد السيد أحمد، العادل السمعلي، د. عادل محمد عايش الأسطل، فتحي الزغل، محمد شمام ، د- محمد رحال، رضا الدبّابي، حسن الطرابلسي، فتحي العابد، سامح لطف الله، الهيثم زعفان، تونسي، د - الضاوي خوالدية، د - محمد بنيعيش، محمود فاروق سيد شعبان، د - عادل رضا، د. خالد الطراولي ، د - محمد بن موسى الشريف ، وائل بنجدو، د - المنجي الكعبي، مصطفى منيغ، سيد السباعي، علي الكاش، سامر أبو رمان ، فتحـي قاره بيبـان، د- جابر قميحة، إيمى الأشقر، صلاح المختار، د - صالح المازقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء