نموذج للسلبية وعدم مراجعة مسلمات الواقع: استعمال اللهجة أدبيا
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 268 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما سأقوله بطله شخصيتان ممن يتحرك في فضاء التيار الثوري الإسلامي
أحدهما محامي كان وزيرا في حكومات "الثورة" الأولى، والآخر أديب يدور في أفق الساحة الثورية، وله روايات وله آلاف المتابعين (*)
قرأت للمحامي نقدا لقراءة صاحبنا الكاتب، حول رواية تونسية ما، وهو يعترض على رأي الكاتب لفكرة متعلقة بالرواية موضوع النقد، ويقول أن الصواب أن يكون كذا وكذا
فلما تثبتّ في النص المنشور موضوع النقد بين الاثنين، صُعقت
---------
وجدت نصا طويلا عبارة عن فصل من تلك الرواية التونسية، ولم يكن مكتوبا باللغة العربية، بل كان مكتوبا باللهجة
وهو النص الذي كان تتجادل حوله شخصيتان رمزان لهما آلاف المتابعين وكان أحدهما مسؤولا عن مسار 'الثورة"
ما هذا، أصبت بحالة غريبة لأنني كنت تحت وقع استغرابين:
أولا لم أكن أتصور أن هواننا بتونس ونجاح عمليات الاقتلاع الذهني تصل درجة أنه توجد كتب تونسية تنشر باللهجة وتصل لأن يقع القبول بها بجدية حد المرور لنقد محتوياتها
ثانيا لم أكن أتصور أن يصل غياب الوعي بخطر استعمال اللهجة كأداة لاستبعاد اللغة العربية وضربها وهو المسار ذو التاريخ الممتد لأكثر من قرن وأسسته بريطانيا وفرنسا، أن يصل غياب ذلك الوعي بحيث يكون ضحاياه أمثال هؤلاء المفترض أنهم قدوات فكرية لغيرهم
الجماعة يناقشون شخصيات الرواية، لكنهم يسلمون ضمنيا بصوابية استعمال اللهجة وأن ذلك ليس مشكل أصلا يُتوقف عنده
أي كأنّ أحدهم مثلا يناقش الأوقات التي يجب أن تنشط فيها بيوت الدعارة، فهو نقاش يعني قبولا بفعل الدعارة ابتداء
وإذا كان الفواعل (النخب) بهذا القدر من هزال الوعي، فلايجب أن نلوم من دونهم
------------
هذا في الحقيقة أمر فظيع، أن يقع القبول باستعمال اللهجة كأداة للنشر الأدبي وتنعدم عمليات الرفض لها، ذلك دليل مرحلة متقدمة في استبعاد اللغة العربية واقتلاعها والتسليم به من طرف الضحايا الذين هم نحن التونسيين
الحرب ضد اللغة العربية مسار طويل، وبعض دلالات غياب الوعي بذلك، القبول بانتشار اللهجة بل بانتشار الفرنسية أصلا كضرة للعربية
كل هذا الهزال هو بعض ما أشرت إليه سابقا أنه تسليم بالبناء اللامادي الذي صممته منظومة التشكيل والاخضاع الذهني التي تستهدف التونسيين منذ عقود
وكل هذا هو نتيجة السلبية التي نُشأت عليها الفواعل المفكرة التي قبلت بالسجن التصوري الذي تربت في أفقه، ولم تراجعه ولم تُعِد النظر في مسلماته الأولى ولم ترد الخروج منه
لكل هذا يصح في هذا الواقع ما أدعو إليه وأكتب فيه، وهو رفض تأسيساته الأولى ووجوب إعادة النظر في البناء التصوري الأولي لتونس الحديثة التي لم نشارك فيه أي التحرر والخروج من المركزية الغربية نحو المركزية الإسلامية، ووجوب تفكيك منظومات الإخضاع الذهني من تعليم وثقيف وإعلام لأنها تتحرك بمضمونية عداوتنا
--------
(*) الشخصيتان هما: المحامي سليم بن حميدان، والكاتب الخال عمار الجماعي