أَسْلمة الواقع بين التصور الكهنوتي وتصور "إسلام العقيدة"
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 434 محور: إسلام العقيدة
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أسلمة الواقع، يمكن أن تكون ذات دلالتين:
الدلالة الأولى: يمكن أن تؤدي فعلا كما يتخوف الكثير، لمجتمع "كهنوتي" يتحكم فيه فقهاء وأفراد، كما هو الحال الآن في إيران أو كما يلتزم به الكثير من منتسبي الحركات الإسلامية الآن، إذ يربطون الفعل السياسي لديهم بفتاوي مشائخ، أي أن رأي أحدهم يصبح دينا لا يجب الخروج عنه، وهذه ممارسة توظف صفة الإسلام لترجيح مواقف بشرية معينة، وبهذا تدار الأنظمة في السعودية والمغرب، بل وتمضي بهذا الفهم للإسلام، الحركات الاسلامية واذكر إن أردت فتاوي القرضاوي وغيره كل مرة بوجوب المشاركة في تلك الانتخابات أو بوجوب عدم المشاركة، فهذا ضبط للفعل البشري نحو أفق معين من خلال السلطة الاعتبارية التي يمتلكها بعض الأفراد بفعل معارفهم الدينية
الدلالة الثانية: أسلمة الواقع تعني أسلمة المجال المفاهيمي من خلال اعتماد مركزية عقدية إسلامية، أما مستوى الفعل الفردي فيجب أن لايتدخل فيه
هذا التصور لايمكن إلا من خلال إحياء "إسلام العقيدة" (*)
اسلام العقيدة هو جعل الإسلام مرجعا للواقع أي جعله مركزية عقدية ثم جعل المجال المفاهيمي الذي يغذي أدوات التشكيل الذهني من تعليم وإعلام وتثقيف مشتقا منه، وهذا سينتهي لكون أفعال الأفراد ستتحرك وجوبا في مساحة الإسلام
إسلام العقيدة يجعل الفرد يعيش الإسلام بالضرورة من دون إرغام ومن دون الحاجة للفتاوى، لأن الفعل المنتج سيكون متحركا في تصورات أنتجها الواقع بإعلامه وتعليمه وثقافته بتلقائية، وتفسير ذلك أنه لما كان الواقع يتحرك في أفق مركزية إسلامية فإن التصورات المؤطرة ستكون إسلامية
بهذه الطريقة سيتحول كل الواقع لمنظومة اسلامية وستندثر مراكز التحكم الفردي من خلال هؤلاء الشيوخ الذين يرذلون الإسلام بتوظيف معارفهم الدينية
إذن هناك تصوران لأسلمة الواقع، الأول يؤدي لتوظيف الإسلام لخدمة سادة الواقع واستعباد الناس
والتصور الثاني يجعل الإسلام أفقا وإطارا لكل مناشط الحياة من خلال تحويله لمركزية عقدية
وهذا ما أدعو له، إنه إسلام العقيدة الذي يوجد وجوبا مع مركزية عقدية إسلامية تمثل وعاءه التقني العملي
ثم يمكن ملاحظة أن الحالة الأولى التي توظف الإسلام من خلال أصحاب المعارف الاسلامية، تعتمد على محورية الفرد ومحورية الفعل النّقطي، أي تأخذ مساحة كبيرة هي الواقع فتتركها لكنها تذهب مباشرة للفرد وتحاسبه، فهي تنظر للإسلام في مستوى تعلقه بفرد ما وبفعل ما ولايهمها في منظومات الواقع التي تنتج الأفعال وتؤثر على الفرد، لذلك يتم التعامل مع الواقع بالفتاوى التي هي معالجة عينية للفعل والفرد
بينما ما أدعو له أي المركزية الاسلامية وإسلام العقيدة، هو التعامل بمحورية المنظومات والفعل كمسار زمني
ما أقدمه يتعامل مع حقيقة أن الواقع الحديث تتحكم فيه منظومات توجه الفرد، وأن الفعل قبل أن يكون حدثا لَحَظيا في نقطة ما، هو مسار ممتد زمنيا لما قبل ولما بعد تعلقه بذلك الفرد، حيث فهم الفعل كمسار سيوصلنا بالضرورة لفهم الظواهر وليس الأفعال، وهذا سيؤدي بنا لتناول المنظومات
في هذه الحالة مما أقدمه من مفاهيم المركزية العقدية الإسلامية وإسلام العقيدة، لن يكون هناك توظيف للاسلام من أي مركز فاعل بالواقع، بالتوازي الإسلام سيتحول لمساحة أفقية تضبط الواقع ويتحول المجال المفاهيمي إسلاميا، فينتج الفن والاقتصاد والاجتماع والنظريات العلمية والمفاهيم والمصطلحات بخلفية اسلامية
---------------
(*) في سياق ما أقدمه، أطرح ثلاثة مصطلحات وهي إسلام العقيدة وإسلام الثقافة وإسلام الهوية
إسلام العقيدة هو أرقى تطبيقات الإسلام من حيث كمالها، بينما حصر الإسلام كتعامل فردي فذلك هو اسلام الثقافة
ثم إن الاسلام لما يكون عامل تمايز مما يفاخر به، فذلك هو إسلام الهوية، أي الاهتمام باللباس الإسلامي لذاته أو المناسبات الإسلامية كالأعياد فإنها أفعال ثقافية ثم عوامل هوية، أي أن الإسلام تحول لعنصر للهوية الفردية من خلال اللباس الاسلامي والهوية الجمعية من خلال الأعياد
لكن في كل الحالات واقعنا لن يتغير من خلال إسلام الهوية وإسلام الثقافة أي الفتاوى، وإنما فقط من خلال إسلام العقيدة
يمكن الرجوع لموقع "بوابتي" حول ما كتبت سابقا بالتفصيل في هذه المصطلحات