آليات التحكم الداخلية: كيف يقع إخضاع الفرد من محيطه القريب
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 292 محور: الفرد التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يعتقد عامتنا أن عمليات الإخضاع التي يتعرض لها الفرد تتم من خارج سياقه الفكري والاجتماعي أي من المغالبين الأعداء، بينما الحقيقة أن فعل الترويض والتوجيه ثم الاخضاع الذهني في أقدار كبيرة منه، يتم من داخل مساحات الإنتماء الخاص
المجموعات البشرية تخلق في سياق تفاعلاتها وتنظيمها، أنواعا من قواعد الضبط
وهي من القوة بحيث أنها تعمل على الضغط النفسي والتوجيه التصوري للمنتمين داخلها، وتخلق فيهم دوافعا للإلتحاق بالمجال الجماعي الذي يقبل به الكل
وهذا يوصل الفرد لحالة التسليم التلقائي بصوابية مجموعة من القواعد، بل يجعله يسعى للإلتحاق بسياق الخضوع في مستوى المحتوى والإطار الضابط
تؤدي تلك القواعد الإخضاعية وظائفا تساعد على تواصل تماسك تلك المجموعة، وقوتها تمتد لأبعاد المحتوى والعمق والإتساع
فالفرد يخضع لقواعد ذات محتوى ومعاني لها دلالات تشتق من مجال مفاهيمي يتفرع بدوره من مركزية عقدية ما
والفرد لايمكنه أن يتجاوز سقفا من الفعل والجرأة تحدده المجموعة التي ينتمي إليها
والفرد لايمكنه أن يخرج من التحديدات التي وضعتها المجموعة التي قبل الاحتماء النفسي بها
-------------
قواعد الضبط تتكون تلقائيا داخل أي مجموعة عاقلة لها امتداد في الزمن، لذلك فإن أي تنظيم أو جماعة فكرية أو عقائدية، ما إن تتواجد ككيان وتتواصل زمنيا، فإنها تبدأ في تكوين قواعد الضبط والإخضاع الذهني لدى المنتمين إليها
عملية الاخضاع في أصلها هي تشذيب للفكرة الأولى الخام، فيقع تعديل الفكرة حسب تصور المجموعة، وهنا يعتمد على رأي بعض الرموز داخل تلك المجموعة أين تنطلق الممارسة الفعلية لكون التفكير ليس متاحا لأي كان أو بالدقة أن الافكار ليست سواء ولاينظر فيها لذاتها وإنما ينظر لقائلها وموقعه داخل المجموعة
ثم يتم توظيف الفكرة التي حولها تكونت المجموعة، لخدمة مصلحتها وتطوير إشعاع تلك المجموعة، ثم يتم الاستثمار في تلك الفكرة مع المغالبين ومساومتهم فيها
فتتكون مدارس فكرية ومدارس فقهية ومدارس فلسفية، لكنها في أصلها مغالبات تنبني على بُعد مصلحي ذاتي قبل أن يكون بعدا معرفيا علميا
وهكذا تتراكم المعالجات المختلفة للفكرة الخام الأولى فتتضخم بتطعيمات وظيفية، مما يوصلنا بعد مدة لفكرة لا تكاد ترتبط بالفكرة الأولى إلا بالاشتراك اللفظي
----------
الفرد الذي ينتمي لمجموعة ما، سيضطر للتحرك داخل قفص ذهني، وسيعمل على خلق قواعد ذاتية من عنده تساعده على الإلتزام بحدود ذلك القفص
وسيقنع نفسه أن ذلك خدمة للفكرة وللمجموعة، وهو وَهْم تمّ إقناعه به، ثم هو يحاول أن يقنع به نفسه لكي يجد تبريرا للتحديدات التي رضي بها
وعلى أية حال، الفرد سيضطر لذلك السلوك التبريري التسليمي، من بعد أن لاحظ عواقب من تجرأ على كسر الترتيبات الذهنية لتلك اامجموعات
فالذي يتساءل حول البدايات ويعترض على تكوّن المنظومات التي تحكم الواقع سواء واقع بلد أو حزب أو تيار فكري أو مذهب، سيلقى أنواعا من الصدّ تتدرج في مراتب العنف حسب عوامل عديدة منها نوعية المجموعة الضابطة
فالذي يكتب خارج تصورات مجموعة فواعل مفكرة في واقع ما من مثقفين وكتاب، منضبطين لاشعوريا بإطار فهم رغم مستوياتهم المعرفية العالية، سيسخرون منه وسيَسِمونه بالتعالم والتكبر
فهذا نوع من الرفض والترهيب النفسي والإخضاع، مما ينتهي بالكثير للكف عن التفكير خارج ما تقره تلك المجموعة
والذي يقول بتصورات خارج مايقوله الحزب وأجهزته، سيتهم في ذمته، وقد يشوه أخلاقيا، مما يمثل ترهيبا وعامل إخضاع نفسي يمنع الكثير من الإقتراب من تلك الجرأة
والذي يعيد النظر في مسلمات مذهبية دينية تكونت بفعل التصورات العرقية العنصرية والاجتماعية وألصقت لاعتبارات تاريخية سياسية بالإسلام، سيكون موضع اتهام في دينه، وقد يصل لتكفيره، مما يمثل نوعا من الإخضاع الذهني والترهيب
والذي يعيد النظر في قوانين بلده ذات المنشأ المريب الخادم للغير الغربي المغالب، كقانون الإرهاب الذي صيغ كأداة للتصفية الإيديولوجية بيد منظومة فرنسا، سيكون موضع مساءلة قانونية تنتهي به للسجن، مما يمثل ترهيبا وإخضاعا ذهنيا للفرد تمنعه من تناول مسلمات تفرض على التونسيين منذ عقود
----------
الخروج من حالة الخضوع متعددة الدوائر التي تستهدف الفرد، يكون بمساءلة تكون وبدايات أي منظومة إخضاع ووجوب الخروج من مساحة المسلمات
علينا أن نتساءل حول تكوّن تونس الحديثة والمركزية العقدية الغربية التي دفعنا إليها دفعا والتي تغذي أدوات التشكيل الذهني من تعليم وتثقيف وإعلام، والعمل على التحرر من كل ذلك وتفكيك منظومات التوجيه العدائية تلك
وعلينا أن نتساءل حول عمل الأحزاب ورموزها التي ضيعت مجهودات وأرواح الالاف من الصادقين من أبناء الحركة الإسلامية، ونعمل على محاسبة أولئك المسىؤولين المخلّدين، لا أن نبارك فشلهم ونصيّرهم أبطالا
وعلينا أن نتساءل حول المنظومة التعليمية التي تدور في أفق المركزية الغربية وكيف تحولت بعض جامعاتنا لبؤر تبشير وإقناع بفضائل كره الذات والتبعية للغرب، تحت زعم تدريس العلم وماهو بالعلم إنما هي معارف بظلال ايديولوجية