فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 270 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كنت تحدثت من قبل حول أن المعرفة الإسلامية لاتكاد تحدث تغييرا إيجابيا إن لم تكن مسنودة بالفكر، ويمكن أن أضيف أن المعارف يمكن أن تكون عاملا لإسناد للمغالب العقدي
عليّ أن أذكر أن المعرفة أتناولها في تقابل مع الفكر، إذ نسبة للمعنى يمكننا أن نجد أن المعرفة لاتلتقي مع الفكر
فنسبة للمعنى، الفكر هو بحث عن المعنى المجهول، فالفكر إذن إنتاج للمعنى
أما المعرفة فهي التحرك في مساحة معاني معلومة أي معروفة، فالمعرفة إذن معالجة للمعنى الموجود
وقد وضحت من قبل تبعا لهذه التعريفات التي قدمتها، أنه توجد كتابة تقنية وكتابة أدبية وكتابة فكرية(1)
أما الكتابة التقنية فهي التي تنتج معرفة أي معاني معلومة منهجية، وأما الكتابة الأدبية فهي التي تنتج المعاني غير المنهجية، بينما الكتابة الفكرية فهي التي تبحث في إنتاج المجهول من المعاني المنهجية
لذلك الحديث في الفقه وعموم الإسلاميات مما هو منتج سابق معروف، هو عمل معرفي وليس فكرا
بينما عملية إنتاج تلك المعارف في مستواها التأسيسي كانت عملا فكريا، كما أن الكتابات التي تنتج الفكر ومنها الفلسفة، فكر، أما إن كانت دراسة حول الكتابات الفكرية والفلسفية فهي معارف، إذ دارس الفلسفة ليس فيلسوفا ودارس الشعر ليس شاعرا وإنما هو صاحب معرفة
لكن المعارف الاسلامية فيها المستوى المعرفي وفيها المستوى الفكري، وسبب ذلك أن تلك المعارف مرشد ومؤطر للواقع مما يستدعي انتاج المعنى الجديد مما كان مجهولا في فترة سابقة
أي أن المعارف الاسلامية بالضرورة يجب أن تحتوي مستوى فكريا مما يجاوز مساحة المعرفة الساكنة بقصد النظر في المعاني الغائبة
لما كانت المعارف الاسلامية ذات شقين، فإن التعامل معها أنها معاني معرفية ثابتة فقط سينتهي لتعطيل بُعد المعاني الممكنة المجهولة أي تغييب البُعد الفكري من المعارف الاسلامية
هذا التفصيل حول الفرق بين المعنى المعرفي والمعنى الفكري، حينما يغيب فإنه سيغيب في مستواه الفكري لأن بُعد المعرفة الثابت موجود ابتداء
لذلك عدم الانتباه لكون المعارف الإسلامية فيها بُعد فكري، يجعل المعنى المعرفي أداة لتغييب الفكرة، أي أن المعنى المعرفي يغيب المعنى الفكري
هذا ينتهي لكون المتحدث في المعارف الإسلامية من هؤلاء المشائخ والوعاظ، يتحول لمعطل لانتشار الفكرة الإسلامية وحصر الاسلام في بُعد الثقافة مادام قد حكم عليه بعدم إنتاج المعنى الجديد أي المعنى الفكري
وهذا ما قلته في مقال سابق أن المتحدثين في المعارف الاسلامية من عموم المشائخ والدعاة، لايخدمون الإسلام حينما لاتكون معارفهم في إطار مشروع فكري
--------
سأقدم عينة لهذا الخلل في عدم توفر البُعد الفكري لدى المشتغلين بالمعارف الإسلامية
قرأت لعَلَم شيخ دكتور علّامة، كلاما معناه التالي: أننا ننهزم وفشلنا في تغيير واقعنا، لأن أفعالنا لا يتوفر فيها الإخلاص والنية الصادقة
- هذا الشيخ يتحدث باعتباره "عالما" أي صاحب معارف لأن ذلك دلالة عالم فهو ملمّ بمعارف عريضة في حقل معين، إذ هو حافظ للقرآن وملمّ بالفقه والسيرة والتاريخ وصاحب فتاوى لا تعارض
- هذه المعارف من زاوية أنها معاني، هي مساحة ثابتة، فتمكّنه من تلك المعارف يعني معرفته بها من حيث أنها كمّ معرفي ثابت، لكن ذلك لايعني بالضرورة، بالمقابل، قدرته الذهنية على إنتاج معنى من غير ماهو مطلع عليه في مساحة المعارف تلك وهذا دلالة تمكنه المعرفي، وإن كان لايمكن نفي تلك الإمكانية، لكن كونه عالما في حقل معارف ما، لايعني ضرورة قدرته على إنتاج المعاني المجهولة منها أي الفكر، فحفظ القرآن لايعني أكثر من كفاءة الذاكرة والإطلاع على السيرة والتاريخ لايعني أكثر من الإطلاع على كمّ معرفي وقس على ذلك باقي المعارف
- أي أن التخصص في حقل معرفي لايعني قدرة على إنتاج المعاني المجهولة أي الفكر في تعلق بتلك المعاني
لكن المشكلة أن المتحدث في تلك المعارف سيضطر لإنتاج الفكر في سياق شرحه لتلك المعارف للناس بما أن المعاني المجهولة تستوجب الفكر كما بينا سابقا
ولما كان غير قادر على إنتاج الفكر فإنه يجعل المعرفة فكرا، فيقول كلاما لايستقيم، ومنه كلام هذا العلامة
------------
- تفسير العجز عن تغيير الواقع بغياب الإخلاص، يؤشر على خلل فكري لدى القائل بهذا الكلام، وإن كان يمكن قبوله في سياق مواعظ سائبة من طرف فرد بسيط ذي حظ ضعيف من الفهم، فإنه لايُقبل من طرف رمز يتخذه الملايين قدوة
- أولا من حيث بناء الفكرة قبل الدخول في محتواها، من قال له أن سبب الفشل هو غياب الإخلاص، فهذا كلام مبني على مصادرة لأنه اختار ممكنا من ممكنات عديدة من دون مرجح خارجي، فهذا كلام فاسد
- ثانيا، الإخلاص ليس فعلا وإنما صفة تلحق فعلا سابقا، إذ لا يوجد شيىء اسمه إخلاص هكذا لوحده، فالإخلاص إذن إضافة تنظر في كيفية معيارية للفعل الموجود ابتداء، أي أن الإخلاص نظر في عمق تصوري يقاس بمسطرة درجاتها مدى القرب من الله في هدف ذلك الفعل ومساره
هذا مفاده أنه إن لم يوجد الفعل فلن يوجد الإخلاص، وأنّ نظرنا في الإخلاص يفترض النظر في الفعل أولا
كما يعني أن الاخلاص تعلّق ذاتي يهم الفرد وليس تعلّقا موضوعيا يهم الفعل، إذ نفس الفعل يمكن أن ينجزه إثنان أحدهما مخلص العمل لله والآخر لا، فموضوعيا أي ماديا لا فرق بين الفعلين، وأما الفرق ففي درجات الإيمان والتقوى بالنسبة للفردين
هذا يعني أن عدم النظر في الفعل والانتقال مباشرة للحديث في الإخلاص، هو إما بسبب اعتقاد أن الإخلاص سينتج الفعل أي أن المضاف سينتج المضاف إليه عكس المسار السليم العكسي، وهذا محال، وإما أنه يعتقد أن الفعل أمر لاقيمة له مقارنة مع الإخلاص وأن توفر الاخلاص باعتباره متعلقا بالتقرب من الله سيتكفل بانجاح الفعل من دون الحاجة للنظر الموضوعي فيه وفي مساره
بقطع النظر عن أي الأسباب جعلته يقدم هذا التفسير حول الإخلاص فإنه يمكن ذكر التالي:
- هذا تفسير يتعامل مع الواقع الموضوعي بأدوات غير موضوعية، وهذه ضمنيا دعوة للكف عن البحث في الأفعال ومساراتها، مادام الفعل حسب هذا التفسير لاقيمة له وأنه يشبه النقاط العشوائية، لاتهم في كيفياتها وفي حدوثها، ومادام شرط النجاح هو الإخلاص بفهم مشوه
- هذا الفهم للإخلاص دعوة للناس أن تبتعد عن التعامل الموضوعي مع الواقع في مستوى فهمه وفهم أسبابه وفي مستوى أفعال تغييره
- هذا الفهم يحمل تصورا للغيب بطريقة أنه عالم موازي للعالم الموضوعي وأن الغيب له قدرة على تغيير الواقع، فهو تصور يروج لإمكانية التأثير في الواقع بغير أسبابه الموضوعية، وهذا فهم غير سليم لأنه غير ممكن، فهو تصور يروج للوهم ينتهي لتعطيل طاقات الناس
بينما الغيب هو حقيقة بُعد من أبعاد الواقع الموضوعي وليس منفصلا عنه، إذ الغيب يضيف عمقا لمساحة التصورات لدى الفرد فتؤثر في أفعاله الموضوعية وتوجهها (2)
- هذا التفسير القاصر لمفهوم الإخلاص سببه انعدام القدرة على توليد المعاني الجديدة التي تستحيب لمتطلبات التعامل مع الواقع، فهذا عجز فكري أجبر صاحب المعرفة الشيخ الدكتور العلّامة، على الالتجاء لمعارفه ليسد حاجة لدى الناس ممن يتخذونه قدوة، فكانت معارفا تدعو للعجز والسلبية في مواحهة الواقع الموضوعي
------------
(1) ينظر لمقال: أيّ الكتابة أقدر على تغيير الواقع
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10806
(2) كتبت مقالات عديدة حول بُعد الغيب منها:
- تأملات في الغيب (1): الإيمان بالغيب يفتح أفاقا للفرد ويرفع عنه الاثقال
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10585
- تأملات في الغيب (2): المعنى والمفهوم وبُعد الغيب
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10851
- تأملات في الغيب (3): إثبات احتمالية الإمكان
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10887
- تأملات في الغيب (4): الحقيقة الكلية غير الحقيقة الجزئية (1=0.999)