فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 343 محور: التدين الشكلي
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يورد العديد كتفسير منهم لأسباب صمود وبطولات إخوتنا في غ..ز*ة، كونهم يحفظون القرآن، وأنهم يتقنون تلاوته ولهم مدارس في ذلك وغيرها من الكلام المشابه
وهذا كلام غير دقيق بل سطحي، لأن حفظ القرآن لا يؤدي للإنتصارات بل لا علاقة له بذلك إلا قليلا
صحيح أن القرآن يُتعبد بتلاوته، لكن ذلك له أثر في البُعد الفردي، أما تأثير القرآن على مستوى الواقع، فذلك أمر لا علاقة له بحفظه وإنما يلزم شروط تتعلق بالفاعلية الفردية أي الفهم والنظر العقلي لإدراك خطر الواقع ووجوب تغييره
القرآن عبارة عن أداة وسلاح فهو يمكن أن يستعمل ضدك أو لمصلحتك، ومثلما أن تكديس الأسلحة لايعني بالضرورة النصر على العدو، فإن حفظ القرآن لايعني عملا به ولا يعني فاعلية الفرد حافظ القرآن
والواقع يؤكد هذا، ونحن نرى أن أكثر من يحفظ القرآن هم من يصدّ عن ما يدعو له القرآن، وانظر إن أردت عموم المشائخ وكبار العلماء الذين يتحركون تحت ظلال السلطات كيف يوظفون القرآن لتأبيد الواقع الفاسد، بل فيهم من يتحرك حتى تحت ظلال المحتل مثلما كان الأمر مع مشائخ الزيتونة إبان الحكم الفرنسي
والآن أليس السعودية ومصر وغيرهما من بلاد المسلمين تعجّ بحفظة القرآن، وماذا أغنى عنهم ذلك، هل أنتج حفظة القرآن بحفظهم وعيا ما بخطر الهوان الذي تعيشه تلك المجتمعات وبخطر من يحكمهم وأنهم يحكمون بغير ما يقول القرآن
وفي تونس، ألس يوجد الكثير ممن يحفظ القرآن صغارا وكبارا، هل أفادهم ذلك وأنتج لديهم وعيا بخطر ماتعيشه تونس منذ عقود تحت توجيهات منتسبي فرنسا الذين يحاربون الله ورسوله والقرآن
وهل أفادهم حفظ القرآن شيئا وأوجد لديهم من دون الناس، إدراكا متميزا وفكرا يقول بمقاومة منظومات الإخضاع الذهني التي تحكمنا بها فرنسا منذ عقود
ثم قبل هذا وبعده، علينا أن نتذكر أنه حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم، لم يكن يحفظ كامل القرآن إلا بضع صحابة فقط لا يصلون العشرة على ما أذكر، ولم يكونوا يعتبرون حفظ القرآن مقياسا للتقوى أو الفاعلية
إذن النظر في مستوى تغيير الواقع موضوع متعلق بالوعي والإدراك أي الفهم والنظر العقلي
حينما يتمّ ذلك ستفهم الواقع وستستوعب الأخطار وستبحث في طريق المقاومة وستفهم وجوب توفر مرجعية عقدية تؤطر أفعالك وتمثل لك منظارا للفهم، وستصل ساعتها للقرآن وأهميته باعتبارك احتجت له كأداة وكطاقة منتجة للفعل ومفسرة له
إذن يجب التعامل مع المنظومة التي تفسر الأفعال وأحداث الواقع والوجود عموما، وهي المركزية العقدية بما تنتجه من مجال مفاهيمي يضخ المعاني لدى الناس، وليس التنادي للأدوات المنعزلة كالقرآن أو الأفعال السائبة، لأن هذا التناول سيبقى دائما يدور في مجال متحكم في نهاياته وخادما لما تسطره المركزية العقدية، لذلك يستعمل حفظة القرآن والعلماء لدى محاربي الإسلام
لهذا السبب علينا إعادة ضبط اتجاه المركزية العقدية التي تؤطرنا حاليا والتي تدور منذ عقود في أفق النموذج الغربي، لأنه مالم يقع تغيير ذلك المستوى الأولي التأسيسي فكل فعل سيبقى لا قيمة له