"العمل الديموقراطي" لإسناد المقاومة: نموذج لغربة المثقف التابع
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 358 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لكي نفهم مثل هذه التراكيب المتهافتة، علينا أن ندرك أن عموم من لدينا ممن يكتب ويمثل أصحاب المعرفة (1) من مدرسي المعاهد والجامعات والصحافيين والفنانين وما تفرع عنهم، تظهر غربتهم في المناسبات المصيرية
الأحداث الكبرى التي يبرز فيها فاقعا أثر وقوة البعد العقدي الإسلامي الذي يرفضونه وينكرون فاعليته في التأثير، تجعلهم متقطعين لأنهم يجدون أنفسهم في حالة تنازع في مستوى جدارة المفاهيم التي يحملونها وهي التي تدور في أفق المركزية الغربية ذات السردية والبناء والمصطلحات الواضحة الحاسمة في رفضها للمركزية الإسلامية وبنائها
هم الذين طالما تربوا على علوية المركزية الغربية وإن أشربوا ذلك من خلال مصطلحات أقل حدة مثل الحداثة والتقدم والإنسانية، ثم تلقوا تحت ظلالها شهاداتهم في الإنسانيات وأصبحوا بها أساتذة جامعات يورثونها لغيرهم من الضحايا أمثالهم
ثم إن هذا التنازع الفكري المفهومي ينقلهم لحالة من التساؤل والخلخلة النفسية لكنهم لا يجاوزونها فيقبعون هناك ويكونون عينات للمنبتين
هم نشؤوا من خلال أدوات التشكيل الذهني التي أطّرت التونسيين عقودا، فزرعت فيهم كره الذات وحولتهم لهباء يدور حول المركزية الغربية ومجالها المفاهيمي، هم ربوا على أن الإسلام مجرد دين أي نسق ثقافي بالمفهوم الغربي لا أثر له واقعا وأن مجاله المفاهيمي يجب أن يحارب، ولسبب ما لم يكن فيهم رجل رشيد يكسر تلك النمطيات، فقبلوها وارتووا بها ثم تحولوا لرافعي لوائها يروجونها في ما يدرسونه ويرتزقون منه في أنشطتهم الثقافية والتعليمية
هؤلاء عينات ما أسميه المفكر التابع (*)، إنهم يعتبرون الوضع السوي لديهم المناداة بمصطلحات سائبة تقول بالإنسانية والديموقراطية، ولأنهم لم ينتجوا معاني تلك المفاهيم، فإنهم لم يستوعبوا أن تلك مصطلحات إطلاقية لا تحمل معنى في ذاتها وإنما الخلفية العقدية الضابطة للواقع والفرد هي التي تعطي معنى أي مفهوم ومنها مفاهيم الحرية والديموقراطية والإنسانية (2)
لأنهم يجدون أنفسهم متقطعين في مثل أحداث مقاومة حماس، وما يعنيه ذلك من قوة الانتماء العقدي الإسلامي المخالف لما تلقوه، فإنهم يضطرون لقول كلام غريب من نوع:
العمل الديموقرطي لمقاومة اسرائيل
القوى الديموقراية لإسناد المقاومة
المبادىء الإنساية للتصدي للاحتلال
مثل هذا الكلام كمن يقول : علينا إحضار مكونات أكلة "البيتزا" لإعداد أكلة الكسكسي
إنهم يقعون تحت ضغط جهتين: المجال المفاهيمي الغربي الذي درسوه ودرّسوه طيلة عقود ومصطلحاته الفضفاضة من نوع الانسانية والديموقراطية والحرية وعموم الكلام المنفلت من جهة، ثم حقيقة الواقع التي تقول أن البعد العقدي الغيبي يمثل محركا للواقع ومؤثرا فيه، فيكون هذا التنازع الداخلي منتجا لما نراه من تلك الغرابة اللفظية
المفكر التابع لخلل بنيوي لديه في مستوى البناء الذهني المكون لمعارفه التي تحصل بها على شهاداته العلمية، لا يمكنه أن يستوعب فساد التراكيب التي يقولها من حيث دلالاتها، وسيبقى هذا الصنف من البشر معطلا لنا وحجرة عثرة في طريق تخلصنا من المركزية الغربية التي تحكمنا من خلال النموذج الفرنسي، إلا أن يقع تفكيك المؤسسات التي تبيّض ويتتناسل منها أمثال هؤلاء وهي عموما المؤسسات الجامعية في الإنسانيات ككلية "منوبة" وغيرها، ثم يعاد بناؤها بعد تحريرها من منتسبي الغرب
------------
(1) المعرفة ليست الفكر، والكتابات المعرفية وهي ما اسميه أنا الكتابات التقنية ليست كتابات فكرية ولا تنتج بالضرورة فكرا
ينظر للمقالات التالية بغرض تفصيل أعمق:
أيّ الكتابة أقدر على تغيير الواقع
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10806
المعرفة الفلسفية والفكر الفلسفي
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10894
وفرة المعرفة لاتعني زيادة الفكر ولا تطور المستوى الذهني للفرد
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10535
المعرفة ليست التفكير
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10507
المعرفة ليست العلم
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10509
(*) اسمي هؤلاء المفكر التابع رغم أن أغلبهم لا يتنج فكرا، وهذا وصف مجازي، لكي لا أقع في وصف المثقف التابع، لأن الثقافة أمر آخر
(2) بغرض النظر في الفرق بين المفهوم والمعنى يمكن الاطلاع على:
المفهوم والمعنى والفعل: جدلية الزمن وتغير المعنى
https://myportail.com/articles_myportail_facebook.php?id=10798
أو محور: مقالات في المعنى
https://cutt.us/AHhZ7