الدعوة للوحدة والتوافق: لايصح تناول المفاهيم اللامادية من خلال القياس الكمّي
فوزي مسعود - تونس المشاهدات: 383 محور: المفكر التابع
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
حينما نتناول اللاماديات من مفاهيم ومعاني لا يصحّ أن نستدعي معها مفردات القياس الكمي وتفريعاتها
لذلك فإن الحديث عن الاتفاق والتجميع والإتحاد، هذه مفردات تخص المقادير والموجودات المادية، لا يستقيم إلحاقها بالأفكار واللاماديات
فلا يصح القول ننمي الإسلام أو نزيد الكرامة، لكن يصح القول ننمي الشروط الموجدة للتدين ونزيد الإنجازات التي تؤدي للكرامة
ولايصح القول نتحد في الإسلام وإن كان قد يسمح بذلك بمعنى مجازي، لكننا لسنا في حاجة للتجوز ما دام يمكننا قول المعنى السليم مثل نتحد في العمل للإسلام، لأن العمل مقدار يمكن قياسه، وكلما ابتعدنا عن المجاز وقلنا اللفظ بحقيقته كان كلامنا أقرب للدقة والحقيقة، بالمقابل كلما استعملنا المجاز كان كلامنا فضفاضا عاما لاتعلق له بالواقع
الحق والباطل باعتبارهما الإطار للفعل العقدي ليسا مفاهيما مادية، فلا دلالة أن نستدعي معهما خاصيات الوحدة مثلا أو الزيادة أو التجميع، لأن الحق كفكرة مستقل في صوابيته عن عدد المنضبطين به، فأن يتحد الغير حوله أو يتفرقوا لا يعني ذلك شيئا في مستوى الفكرة ومعانيها، وقس على ذلك كل المفاهيم والمعاني، فهي لا تتحرك في مساحة التقييم الكمي المادي
لكن حينما نريد الانتقال لتنزيل الفكرة فذلك مستوى آخر من الموضوع، لكنه هو أيضا لا يلزم منه الوحدة في مطلقها وإنما نبقي دوما في اعتبارنا أننا في سياق فكرة، ما يوجب أن لا نتحدث عن الكمية بإطلاقية وإنما نقول مثلا اتحاد بشرط كذا وحرية في مجال مفاهيمي كذا، وهي شروط تتحرك في المساحة التي يصح فيها ذلك المفهوم
يكون نتيجة هذه المعاني، أن الفعل الذي يسعى لتغيير الواقع يفترض فيه أن ينطلق بالتأسيس الفكري ثم يلحقه الفعل المادي، بالتالي لايصح الدعوة للوحدة والتوافق مثلا هكذا سائبة مثلما تنادي به الفواعل السياسية بمختلف خلفياتهم العقدية
وهذه الملاحظة المشكلة أي التعامل مع اللاماديات كماديات، تمثل الخلل المنهجي الثاني بعد خلل عدم التفريق بين المفهوم والمعنى (1)
-----------
(1) كتبت عشرات المقالات في هذا الموضوع، يمكن الاطلاع عليها بمحور:
مقالات في المعنى: https://n9.cl/2753n